يتوسط المشهد لاعب الأهلي طاهر محمد طاهر فخورًا بالميدالية البرونزية لكأس العالم للأندية 2021، ثم ينفتح الكادر لنجد لاعبي الأهلي جميعهم على وجوههم نفس نظرة الفخر فرحين بإنجاز جديد فرحة مستحقة تمامًا.

لم يكن المشهد صامتًا بل قرر طاهر أن ينشره عبر حساباته الشخصية بخلفية موسيقية لمغني الراب «ويجز» من خلال أغنية بالسلامة، يظهر صوت ويجز صارخًا: «رجولة وعتالة، رجولتكم بغزالة، مانتوش عتاولة دي الفراولة».

يقصد هنا ويجز أنه ورفاقه رجال حقيقيون على عكس أخصامه الذي تتمثل رجولتهم في مطاوي قرن الغزال «رجولتكم بغزالة» بل ويزيد على الأمر أنهم ليسوا رجال حقيقيين بل إن هذا أثر تناول عقار الترامادول فقط «دي الفراولة».

قد يبدو لك أن تلك الكلمات لا يصح أن تعبر عن الرياضة بما تحمل من قيم تتعلق بالتنافس الشريف، إلا أن جماهير كرة القدم لا تعترف بفكرة التنافس الجميل تلك بل ويعتبرها الكثيرون كليشيهات عفا عليها الزمن.

في المقابل تتماس أغاني الراب مع عقلية العديد من الجماهير التي تتناول كرة القدم كمصدر أساسي للتعبير عن الغضب لا الاستمتاع باللعبة.

إذا كنت مقتنعًا أن جماهير كرة القدم تتفهم المنافسة وتقدرها بشكل رياضي، فدعنا نبدأ من إجابة هذا السؤال.

جماهير كرة القدم تفضل القطب الأوحد

تعتمد فكرة تَفَهُم المنافسة من قبل جماهير كرة القدم على ثلاثة أبعاد، وهي المدى القصير، الذي يشار إليه في عدم اليقين في نتيجة مباراة معينة، والمدى المتوسط والذي يمثله عدم اليقين من نتيجة المنافسة في سباق بطولة معينة، وأخيرًا المنافسة طويلة الأمد والتي تتعلق بالهيمنة على البطولات من قبل ناد أو عدد قليل من الأندية.

ما يهمنا هنا هو المنافسة طويلة الأمد. وفقًا لدراسة أجراها مركز «Football Prespectives» لدراسات كرة القدم الأكاديمية، فإن نادرًا ما تم بيع المزيد من التذاكر أو زيادة مشاهدات التلفزيون عندما كان لدى الفريقين فرص متساوية إلى حد ما في الفوز. علاوة على ذلك، فإن المتفرجين يفضلون رؤية الفريق المضيف يلعب ضد فريق أدنى مع زيادة احتمالية تحقيق الفوز. كما أن الحضور الكلي للموسم يزيد في الدوريات التي تسيطر عليها عدد قليل من الفرق.

هذا يثبت لك ببساطة أن فكرة متعة المنافسة والكنز في الرحلة وكل تلك الأمور لا يحبها مشجعو كرة القدم على الإطلاق، بل إن كل المراد هو السيطرة والهيمنة والشعور بالتفوق وأن كل المنافسين وجودهم رمزي فقط ليكتمل المشهد.

ولأن تلك هي السمة الجديدة لتشجيع كرة القدم في العالم فكان لا بد أن تحتل أغاني الراب المشهد الكروي؛ لأنها تلبي احتياجات مشجعي كرة القدم بشكل كبير.

أغاني الراب المصري حيث الجميع أخصام

ولأن جماهير كرة القدم لا تقدر المنافسة بل تطمح في السيطرة كما أوضحنا، فبمجرد الفوز بمباراة تبدأ الجماهير المنتصرة في التقليل من المنافس والتأكيد على أن المنتصر هو الفريق الذي لا يقهر حتى ولو كان هذا الفوز تحقق بكرة ضالة في مباراة تسيدها المنافس بالكامل.

على الجانب الأخر تجد الفريق الخاسر هو الآخر يؤكد تفوقه على المنافسين جميعًا، وأن تلك الخسارة هي محض صدفة أو حدث عارض لا أكثر. هكذا يصبح المشهد في منتهي الغرابة، حيث الجميع قوي وأسطوري ومتكامل بينما كل المنافسين أقل شأنًا.

يتم تعريف موسيقى الراب في كثير من الأحيان على أنها أداءً صوتي يتم فيه نطق الكلمات بدلاً من غنائها، وغالبًا ما يتناول هذا النوع من الموسيقى صعوبات الحياة وتحظى بشعبية بين الناس من جميع الأعمار والخلفيات.

يبدو منطقيًا كمغني راب أن تعبر عن نفسك بشكل يحتوي على الكثير من الفخر نظرًا لنجاحك أخيرًا في عبور عدد من صعوبات الحياة. هذا هو النمط السائد في كل أغاني الراب المصري تقريبًا. نحن الأقوى والأعظم والأفضل وكل المنافسين أو الأخصام في لغة الراب هم ثلة من المعاتيه الذين لا يمكن مقارنتهم بنا أبدًا.

يبدو هذا النمط مثاليًا لجماهير كرة القدم في مصر؛ لذا تم استخدام أغاني الراب كخلفية موسيقية مثالية لانتصارات كرة القدم. كانت تلك هي نقطة التماس بين العالمين في العموم أما نقطة الازدهار فكانت عندما امتزج العالمين بشكل أو بآخر.

عالم متداخل بين كرة القدم والراب

يمكنك ملاحظة الاحترام المتبادل بين مغني الراب ولاعبي كرة القدم في مشاهد ليست بالقليلة. ربما أِشهر المشاهد كان تحية بنزيما لمطربه المفضل «توباك» من خلال تسلمه لجائزة البالون دور مرتديًا بدلة توكسيدو، هي ذاتها البدلة التي ظهر بها مغني الراب توباك في صورة أيقونية يحفظها الكثيرين.

كذلك احتفال بوجبا الذي اجتاح العالم خلال عام 2016 برقصة تسمى «رقصة داب» التي تتضمن ثني ذراع تجاه مع توجيه ذراعك الأخرى بعيدًا نحو السماء، هذه الرقصة تعود لفرقة الراب «ميجوس».

لم يتوقف الأمر هنا بل قرر بعض لاعبي كرة القدم أداء أغاني الراب بأنفسهم، ولدينا هنا قائمة كبيرة من اللاعبين أشهرهم البرازيلي نيمار ولاعب مانشستر يونايتد التاريخي آندي كول وزميله ريو فيرديناند.

وأخر هؤلاء هو مطرب راب يقدم أغانيه تحت اسم «Dide» ويظهر مقنعًا حيث يتم تعريفه على أنه لاعب من الدوري الإنجليزي يرفض إظهار هويته، إلا أن المعجبين طرحوا عدة أسماء مثل إيدي نيكيتا وويلفريد زاها ونوني مادويكي.

في المقابل يحرص الكثير من مغني الراب على ذكر إشارات لها علاقة بكرة القدم في أغانيهم. كان أشهر هؤلاء في الفترة الأخيرة المطرب الإنجليزي «Stormzy» الذي استخدم تعبير جوزيه مورينيو «أفضل عدم التحدث» والذي أصبح شهيرًا بعد أن استخدمه مورينيو عقب خسارة فريقه تشيلسي أمام أستون فيلا في مارس 2014 كاحتجاج ضد التحكيم.

لم يكتف Stormzy بذلك فقط بل ظهر في فيديو الأغنية رفقة مورينيو نفسه في لقطة ساحرة لمحبي الراب وكرة القدم.