بخزينة فارغة وديون متراكمة وعشرات الملايين من الأفواه الجائعة، تبدأ حركة طالبان إدارة دفة الحكم في أحد أفقر دول العالم، وسط عزلة دولية شديدة أجبرت حتى باكستان الداعم الأكبر للحركة على عدم الاعتراف بحكومتها.

وبعد وصول طالبان إلى الحكم تم تجميد نحو 10 مليارات دولار خاصة بالبنك المركزي الأفغاني في الخارج، مما جعلها عاجزة عن دفع رواتب الموظفين وتوفير الخدمات، كما هرب الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني إلى الخارج بعدد من السيارات المكدسة بالأموال، عجزت طائرته عن حملها ففر بما استطاع  وترك الباقي على أرض المطار لأصحاب النصيب، ولا يُعلم مقدار هذه الأموال حتى الآن لكن رئيس حرسه الخاص – الفار أيضًا – أكد أن المبلغ يصل إلى مئات الملايين من الدولارات على الأقل، وقد يصل إلى مليارات كانت خاصة بالبورصة.

بينما يعاني القطاع الصحي على سبيل المثال من الانهيار الجزئي بسبب قطع الدعم وتظاهر عدد من الأطباء منذ أيام للمطالبة برواتب الـ 14 شهرًا الماضية ويتهمون المتعاقد الأفغاني بالبنك الدولي بسرقة أموالهم والفرار بها للخارج.

وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن النظام الصحي على وشك الانهيار بعد إغلاق معظم المستشفيات أبوابها، وزار مدير المنظمة الدكتور تيدروس أدهانوم، أفغانستان وأصدر بيانًا قال فيه إن تقليل التمويل الدولي مؤخرًا جعل مقدمي الخدمات الصحية يفاضلون بين “من سينقذونه ومن سيدعونه ليموت”، فالدواء لا يكفي الكل، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تفشيًا لأمراض مثل الحصبة بين الأطفال، كما أن أفغانستان هي أحد بلدين فقط في العالم لا يزال يشهد تفشي مرض شلل الأطفال.

الشتاء قادم

تقف أفغانستان على أعتاب فصل الشتاء الذي تتوقف فيه الحياة ويصعب التنقل من مكان لآخر، ولذلك يلجأ الناس لتخزين طعامهم وما يلزمهم مبكرًا، ولكن الحكومة التي من المفترض أن تكون في سباق مع الزمن لضمان التخزين المسبق للإمدادات لا تستطيع الوفاء بما تحتاجه البلاد راهنًا، ففي الشتاء الماضي في بداية العام الجاري مرت أفغانستان بأحد أسوأ الأوضاع في العالم بحسب مكتب تنسيق الشئون الإنسانية بالأمم المتحدة واحتاج نصف السكان تقريبًا إلى المساعدات.

أما اليوم فلا تجد 95 في المائة من العائلات طعامًا يكفيها، ويضطر الكبار للاكتفاء بكمية غذاء أقل من حاجتهم لإطعام الصغار وفقًا لاستطلاعات أجراها برنامج الأغذية العالمي، كما قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة إن مليون طفل أفغاني قد يعانون من سوء التغذية الحاد مما يؤدي إلى وفاتهم إن لم يتم تدارك الوضع.

ومع أنه في شهر أيلول/سبتمبر الماضي فقط تلقى أكثر من 3.8 مليون شخص مساعدات غذائية، لكن رغم ضخامة الرقم فهو لا يتعدى عُشر عدد السكان.

وعقدت الأمم المتحدة مؤتمرًا في 13 أيلول/ سبتمبر للمانحين لدعم أفغانستان من أجل جمع 606 ملايين دولار لتأمين الاحتياجات الإنسانية خلال أربعة أشهر، ومع أن قيمة التعهدات تخطت مليار دولار، لكن مكتب تنسيق الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة قال في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2021 إن ما تم تقديمه بالفعل لا يتعدى 35 في المائة من المبلغ المطلوب، وطالبت الأمم المتحدة المانحين بالوفاء بتعهداتهم التي قطعوها خلال المؤتمر “قبل فوات الأوان”.

إذ لا يُتوقع أن تصمد المساكن الطينية والخيام أمام ظروف الشتاء القاسية المعتادة في ظل وجود ملايين النازحين داخليًّا حتى إن العاصمة وحدها تضم العشرات من مخيمات اللجوء، وضخامة العدد تجعل الجهود الفردية والمبادرات التطوعية قاصرة عن حل الأزمة.

معضلة الكهرباء

ومن المتوقع أن تغرق كابل في الظلام مع حلول فصل الشتاء لأن الحكومة لم تدفع رسوم الاستهلاك لشركات الكهرباء في دول الجوار؛ لأن النظام لم يُحصِّل الفواتير من المواطنين.

وتستورد أفغانستان 78% من احتياجاتها من الكهرباء من الخارج، وقد ناشدت شركة الكهرباء الحكومية بعثة الأمم المتحدة توفير 90 مليون دولار لتسديد مديونية الكهرباء بعد انتهاء مهلة 3 أشهر وفقًا لوكالة “بلومبرج”، إذ تتكلف شهريًّا ما بين 20 و25 مليون دولار لطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان وإيران، من أجل توفير الكهرباء لأقلية من السكان بينما يعاني معظمهم من عدم توفير الخدمة من الأساس.

وتوفر مصادر الطاقة المحلية ما نسبته 22% تقريبًا من الكهرباء من مصادر مختلفة، أبرزها محطات الطاقة الكهرومائية، التي تأثرت بالجفاف هذا العام، إلا أن توقف المعارك وتعطل العديد من المرافق ساهم في تقليل حدة الأزمة لكن يظل احتمال قطع الكهرباء فجأة واردًا خاصة من جانب طاجيكستان التي تشهد علاقاتها مع طالبان تدهورًا كبيرًا وحشدت قواتها مؤخرًا على الحدود مع أفغانستان.

مساعدات الخارج

وبعدما أوقف البنك الدولي تمويل مشاريعه في أفغانستان بعد سيطرة طالبان تحاول الحركة جذب التمويل الخارجي بأي شكل لاستئناف تلك المشروعات وتلقي مساعدات عاجلة لا سيما أن المساعدات الدولية بلغت نسبتها 42.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان العام الماضي، كما جاء حوالي 75 في المائة من الإنفاق الحكومي في السنوات الأخيرة من المساعدات الدولية، وفقًا للبنك الدولي.

وبحسب وكالة رويترز فإن هناك خططًا دولية لنقل مبالغ مساعدات إلى أفغانستان لتوزيعها مباشرة على الفقراء عبر بنوك بموافقة حكومة طالبان، لكن دون مشاركتها تجنبًا لأن تصل الأموال إلى قادة الحركة التي لا تعترف بها حكومات العالم.

وبدأت طالبان في التواصل مع أنظمة لم تكن تقليديًّا صديقة لها كالصين وروسيا وإيران وحتى الهند والدول الغربية من أجل المساهمة في إنقاذ الوضع قبل حلول الشتاء، وأعلنت الصين بالفعل عزمها على مساعدة أفغانستان في إعادة بناء البلاد، خاصة في مجال بناء الطاقة ، فشركة “باور شاينا” على سبيل المثال تشرف على عدة مشاريع في البلدان المجاورة في إطار مبادرة الحزام والطريق، وفي ذلك مشروع أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في باكستان، ستوفر 25 بالمائة من الطاقة الوطنية المركبة في باكستان بمجرد اكتمالها وتشغيلها، لكن هذا التدخل الصيني قد يتبعه اشتراطات وقيود تفرضها بكين على كابل.

ويبقى التحدي الأمني هاجسًا يقلق الدول الأجنبية لا سيما بعد تكرار هجمات تنظيم داعش الإرهابي على أهداف مختلفة مما عزز الشكوك بشأن قدرة طالبان على إحكام سيطرتها على الملف الأمني في البلاد.

هجرة الكفاءات

كما يهدد البلاد تحدٍّ آخر لا يقل أهمية عما سبق وهو هجرة الكفاءات خلال الأسابيع الأخيرة مع انسحاب التحالف الدولي، وقد دعت حركة طالبان الدول الغربية إلى الاكتفاء بإجلاء الرعايا الأجانب وترك الأفغان ذوي الكفاءات كالمهندسين لأهمية وجودهم داخل البلاد، كما ناشدت الطيارين المناوئين لها للعودة وأعلنت عفوًا عنهم، وكذلك الحال بالنسبة لباقي أصحاب الكفاءات والتخصصات المهمة.