للحديث عن فرق «ريد بول» لكرة القدم، وما يقدمونه خلال السنوات الأخيرة من أداء ملفت لأنظار مشاهدي كرة القدم على الصعيد الأوروبي، دعونا نتطرق إلى أصل ارتباط شركة المشروبات الغازية بالرياضة بشكل عام، ومن ثَمَّ بكرة القدم بشكل خاص.

تأسيس شركة «ريد بول»

يعود أصل المشروب إلى عام 1976 في تايلاند جنوب شرق آسيا، حيث قام صيدلاني يُدعى «شاليو يوفيدهيا» Chaleo Yoovidhya بتقديم مشروب مُحفِّز للطاقة أسماه Krating Daeng، بمعنى «الثور الأحمر»، شاع بين العمال وسائقي الشاحنات.

في عام 1982 سافر رجل الأعمال النمساوي «ديتريش ماتيشيتز» إلى تايلاند والتقى بشاليو، واكتشف أن المشروب الذي اخترعه شاليو يساعد على علاج الاضطراب خلال الرحلات الجوية الطويلة.

اتفق شاليو وديتريش عام 1984 على تأسيس شركة Red Bull GmbH بنسبة 49% إلى 49%، على أن تذهب نسبة الـ 2% المتبقية إلى نجل شاليو، وأن يدير ديتريش الشركة، وتم إصدار المنتج الأول للشركة في إبريل/نيسان من عام 1987 في النمسا، ومن ثَمَّ بعض الدول الأوروبية. وفي عام 1994 دخل المنتج ألمانيا والمملكة المتحدة، وبِيع المشروب لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1996، كما دخل المنتج الشرق الأوسط في أوائل الألفية الثانية.

الشعار وارتباطه بالأفكار التسويقية للمنتج

في عام 1997 أطلقت الشركة شعارها الشهير «ريد بول يعطيك أجنحة»، في إشارة إلى مدى تأثير المشروب على منح مستهلكيه الكثير من الطاقة، لكن هذه لم تكن الإشارة الأولى لذاك المعنى، فبالطبع شعار الثور يشير إلى القوة والطاقة المتفجرة، والتي تشير إلى نفس معاني الشعار.

ومن بعد الشعار والعلامة التجارية جاءت الأفكار الدعائية على نفس النهج، فارتبط اسم الشركة برعاية الألعاب الرياضية الخطرة؛ كركوب الدراجات النارية والدراجات الجبلية وركوب الأمواج والطيران الشراعي والتجديف والتزلج على الجليد والأكروبات والباركور والهوكي وسباقات «فورمولا-1»، واستضافت بعض المحافل الفنية والرياضية، ورعت بعض مشاهير الفن، واستخدمت أيضًا الألعاب الإلكترونية وكرة السلة كوسائل دعائية لها، فنجحت عبر تلك الدعايا الجذّابة والمثيرة في استهداف فئة الشباب وجذبهم عاطفيًا وتصوير المنتج كأكثر من مجرد مشروب.

دخول عالم كرة القدم

لم تتوقف طموحات ونجاحات الشركة الدعائية عند هذا الحد، فعلى نفس النهج الدعائي الذي تحدثنا عنه في الفقرة السابقة، دخلت الشركة عالم الرياضة من أوسع أبوابها، حيث اللعبة الأكثر جماهيرية في العالم، «كرة القدم».

ففي 6 إبريل/نيسان عام 2005 اشترت الشركة نادي (Austria Salzburg) وتم تغيير اسمه إلى (FC Red Bull Salzburg)، وفي عام 2006 اشترت الشركة نادي (New York/New Jersey MetroStars) المنافس في الدوري الأمريكي لكرة القدم (MLS)، وتم تسميته (New York Red Bulls). وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2007 أسّست الشركة نادي (Red Bull Brasil) في ولاية ساوباولو في البرازيل. وفي عام 2009 اشترت الشركة حقوق اللعب لفريق (SSV Markranstädt) الألماني في الدرجة الرابعة وأصبح نادي RB Leipzig. وقد تمكّنت الأندية الأوروبية التي اشترتها الشركة من تحقيق نجاحات وشهرة واسعة.

«ريد بول سالزبورغ النمساوي» FC Red Bull Salzburg

شهدت حقبة ملكية نادي سالزبورغ لشركة ريد بول نجاحات هائلة على صعيد البطولات المحلية والظهور القاري في أوروبا.

فاز الفريق –في حقبة ريد بول- بالدوري النمساوي 12 مرة من أصل 15 مرة في تاريخ النادي، الذي تأسس عام 1933، وفاز بلقب الكأس النمساوي 8 مرات وهي البطولة التي لم تدخل خزائن النادي منذ أن تأسس، بينما لم يحقق نجاحًا في بطولة السوبر المحلي.

تأهل لدور المجموعات في دوري أبطال أوروبا 3 مرات، وهو ما يعد نجاحًا كبيرًا وفقًا لصعوبة المنافسات في ملحق البطولة وضعف الدوري النمساوي إذا ما قورن بغيره من الدوريات الأوروبية. وجدير بالذكر أن فريق الشباب قد حقّق بطولة الدوري الأوروبي عام 2017.

كما شهدت هذه الحقبة نجاحات على الصعيد الاقتصادي، حيث بلغت أرباح النادي من سوق الانتقالات خلال آخر 5 سنوات نحو 200 مليون يورو، وهي أرباح تحققت من تصدير مواهب شابة لكبرى الفرق الأوروبية، كاللاعب «إرلينج هالاند» النرويجي الذي انتقل لبوروسيا دورتموند الألماني في صفقة بلغت 20 مليون يورو، والياباني «تاكومي مينامينو» الذي انتقل إلى ليفربول الإنجليزي مقابل 8.5 مليون يورو، وذلك وفقًا لموقع ترانسفير ماركت.

«ريد بول لايبزيغ الألماني» RB Leipzig

لم يحقق نادي لايبزيغ الألماني أي بطولة محلية منذ صعوده لدوري الدرجة الأولى الألماني (Bundesliga) في موسم 2016/2017، فالجميع يعرف مدى صعوبة تحقيق الدوري في وجود الفريقين بايرن ميونخ وبوروسيا دورتموند، لكن تواجده المحلي لم يكن صامتًا، حيث حقّق وصيف الدوري في موسمي 2016/2017 و2020/2021، وحقق وصيف الكأس الألماني (DFB-Pokal) في موسمي 2018/2019 و2020/2021.

أمّا على المستوى القاري، فقد تأهل لدوري المجموعات من بطولة دوري أبطال أوروبا 4 مرات من أصل 5 مناسبات خاض خلالها الدور التمهيدي. وقد شهد موسم 2019/2020 صخبًا كبيرًا، حيث وصل الفريق إلى نصف نهائي البطولة وخرج على يد الفريق الفرنسي باريس سان جيرمان، وفي طريقه إلى هذا الدور فاز على فرق كبرى في البطولة، حيث تأهل من دور الـ 16 على حساب نادي توتنهام الإنجليزي بمجموع لقائين 4 مقابل لا شيء، في حدث مفاجئ لمتابعي البطولة الأقوى في كرة القدم. ثم انتصر على أتليتيكو مدريد الإسباني بنتيجة (2 – 1) في دور ربع النهائي في مفاجأة أيضًا من العيار الثقيل، قبل أن يودع البطولة من دور نصف النهائي بنتيجة (3 – صفر) على يد الفريق الباريسي (وصيف تلك البطولة).

كل ذلك تم تحت قيادة المدير الفني الألماني الشاب الذي لم يتعد عمره –حينئذ- 33 عامًا، «يوليان ناجلسمان»، المدير الفني الحالي للنادي البافاري بايرن ميونخ.

لم يحقق النادي أرباحًا مادية في سوق الانتقالات منذ الصعود لدوري الدرجة الأولى، فبلغ صافي نفقات النادي على انتقالات اللاعبين 32 مليون يورو، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على محاولة النادي الحفاظ على قوام الفريق وتدعيم صفوفه، لمجاراة قوة المنافسة سواء في الدوري الألماني أو دوري أبطال أوروبا، وذلك وفقًا لموقع ترانسفير ماركت.

طريقة لعب فرق ريد بول

تلعب أندية ريد بول كرة موحدة هجومية تنتمي إلى المدرسة الألمانية، حيث الضغط العالي واللياقة البدنية العالية واللعب المباشر على المرمى، بما يُظهِر الهوية القوية التي تتمتع بها أندية ريد بول، حيث يمكننا القول إنه قد توافقت الأفكار الدعائية عن المغامرة والمُعبِّرة عن المشروب، مع طريقة لعب فرق الشركة، بما يعكس عقلية رجل الأعمال النمساوي «ديتريش ماتيشيتز»، الذي يميل إلى المغامرة والإثارة ومحاولة تسجيل أكبر مكاسب.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.