قبل عام 2000 كانت ليون مجرّد مدينة برجوازية، وجهة مثالية لعشَّاق السينما والمطبخ الفرنسي لدرجة تجعلك تشُك في وجود نشاطات بلوريتارية مثل كرة القدم في هذه البقعة من العالم، على الرغم من وجود نادٍ -تعرفه جيدًا- في نفس المدينة؛ نادي أوليمبيك ليون.

كان أولمبيك ليون وقتئذٍ فريقًا بلا شخصية، لا يكترث أحد لأمره، حتى جاء «جيان ميشيل أولاس» رئيسًا لهذا النادي، وجاءت معه البطولات، واكتسبت المدينة الزخَم، بسبب نفس الفريق.

كان أولاس، رائد الأعمال المحلي، رجلًا عمليًا؛ أدرك منذ اللحظة الأولى أنّ كرة القدم ليست ديانة تُتبع، وأن مشجعي كرة القدم متسوقون، كلما أبهرتهم التجربة، كلما كانوا أشد حرصًا على تَتبعها. لذا، لم يخجل الرجُل، الذي قاد ليون لاحتكار الكرة الفرنسية مطلع الألفية الثالثة، في وصف العلاقة بين المشجع والنادي بالعلاقة المادية، التي تقوم على أساس بسيط جدًا: الفوز يعني جني الأرباح.

وبعد نحو 20 عامًا من تجربة الفريق الفرنسي، الذي تفوّق بالفعل على أندية أكثر رسوخًا بكرة القدم الفرنسية، نجد أنفسنا أمام قصة جديدة في إنجلترا، تحمل داخلها صراعًا بين النقيضين؛ مانشستر سيتي ومانشستر يونايتد، أو بالأحرى بين الإرث والمستقبل.

فهل نجح المواطنون بالفعل في تكرار هذه التجربة؟ والأهم كيف يمكِن أن تتحوَّل شعبية مانشستر سيتي لحقيقة تؤرق المارد الأحمر؟

نقطة نظام

تظل علاقة المشجع بفريقه المُفضّل مربكة؛ لأنّها لا تخضَع عادةً لمعايير واضحة، لكن مع ذلك، عبر السنوات نجح البعض في تحديد مجموعة من الأسباب التي قد تدفع أي فرد يتحسس طريقه داخل عالم التشجيع في البداية للتعلُّق بفريق بعينه مثل: مناصرة فريق الآباء والأجداد، والإعجاب بلاعب مُبهر، والوقوع في غرام أسلوب لعب جذَّاب، أو حتى الشعور بالأُلفة تجاه قميص الفريق.

كل هذه الأسباب، وإن بدت ساذجة، تكون النواة التي يبدأ من خلالها المشجع طريقه الذي لا يحيد عنه إلا نادرًا، للدرجة التي قد تدفعه إلى الادعاء بأن الهزائم هي الشيء الوحيد الذي يُثبت ولاءه للفريق.

في الواقع، لم يكُن مانشستر سيتي فريقًا تافهًا قبل الاستحواذ الإماراتي، لكّنه لم يكُن بنفس شعبية مانشستر يونايتد الجارفة، لكن السِّر لا يكمُن في النجاحات التي حققها الشياطين الحُمر وحدها، لكِن في السردية التي رافقت هذه النجاحات.

يعتقد «غاري جيمس»، مؤرّخ كرة القدم، أنّ أولى اللحظات الفارقة في تشكيل الانطباع السائد عن الفجوة المهولة بين شعبية مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي كان نجاح فريق «أطفال بازبي» الذين نجوا من كارثة ميونخ عام 1958 في حصد لقب البطولة الأوروبية بعد 10 أعوام.

في نفس العام، كان مانشستر سيتي قد حقق لقب الدوري الإنجليزي، لكن قصة عودة فريق من الموت كانت أكثر إلهامًا، و استرعت الانتباه العالمي، مما جذب تعاطف مجموعات جديدة من المشجعين لتجربة اليونايتد الحالمة.

طبقًا لـ«بيتر سواليس»، رئيس نادي مانشستر سيتي خلال الفترة ما بين 1973 و1993، لم تكُن هذه الفجوة في الشعبية أزمة حقيقية للسيتي؛ لأن النادي امتلك بالفعل قاعدة جماهيرية كبيرة.

لكن الفجوة اتسعت حين توقَّف الفريق عن تحقيق أي شيء يُذكر لعقدين أو أكثر، في حين كان مانشستر يونايتد يُلهم الجماهير مُجددًا بفريق «Class 92» الذي نجح السير أليكس فيرجسون في تكوينه، عن طريق تجميع أسماء شابة مثل «ديفيد بيكهام»، و«ريان جيجز» وغيرهما من اللاعبين الأفذاذ الذين أصبحوا نجومًا لإنجلترا، بينما ظلّ لاعبو السيتي يصارعون كالعادة للبقاء بين الكبار.

بالتالي استقرّت الرواية لدى الجميع داخل إنجلترا وخارجها بأن مانشستر يونايتد هو الفريق الأكثر عراقة ونجاحًا، بينما تحوَّل «السيتيزنز» إلى مجرّد «ضوضاء».

شكوك

الآن يبدو الوضع مُختلفًا، يسيطر مانشستر سيتي تمامًا على المعركة مع غريمه. حَلّ «فيل فودين» بديلًا لـ«بيكهام» كموهبة إنجلترا الأهم، ولا يبدو أن اليونايتد قادر في القريب العاجل على معادلة الكفة رياضيًا، السؤال: هل أثَّر ذلك على شعبية الفريقين؟

في 2018 نشرت «سيتي جروب» تقريرًا تستعرض خلاله إنجازات عقد كامل بعد الاستحواذ الإماراتي على النادي، تشير الأرقام داخل التقرير إلى زيادة حضور الجماهير بنسبة 26%، تضاعف عدد المشتركين في روابط تشجيع الفريق داخل إنجلترا ثلاث مرّات تقريبًا، و19 ضعف حول العالم، بالإضافة إلى وصول عالمي لنحو أكثر من 400 مليون إنسان عبر منصات التواصل الاجتماعي.

بالطبع، هذه الأرقام مُذهلة، لكنّها لا تدُل بشكل قاطع على قدرة السيتي على إزاحة اليونايتد من فوق عرشه، بخاصة وأن فريق الجانب الأحمر، الذي لم يحقق لقب الدوري منذ عقد كامل، لا يزال يمتلك أعلى نسبة لحضور الجماهير داخل ملعبه، وتظل حساباته على منصّات التواصل أكثر متابعة.

أين الحقيقة إذًا؟

سياسة «النَفَس الطويل»

في محاولة للإجابة على السؤال المتعلِّق بشعبية كلا الفريقين، قرر دانيل تايلور، محرر «ذي أثليتيك» القيام بحيلة تبدو ساذجة، حين طلب من نجله إجراء استطلاع رأي مُصغَّر على زملائه بالمدرسة، يقول الطفل الذي لم يكن قد تخطى الصف السادس بعد، إن كل الأطفال في فصله يشجعون مانشستر سيتي، باستثناء طفل واحد يُشجّع ليفربول.

بالتأكيد، هذه ليست تجربة علمية، ولا تُثبت بأي شكل امتلاك مانشستر سيتي لجذور أقوى من غريمه، لكنّها فقط تفتح بابًا للتهديد الحقيقي الذي ربما لم تلتفت له جماهير مانشستر يونايتد التي لا تزال تستدعي «بطاقة الإرث» خلال المناقشات حول شعبية كلا الفريقين.

إقرأ أيضا: هل أدرك مانشستر يونايتد حاجته للفوز والبطولات متأخرًا؟

في 2013، نشر موقع «بليتشر ريبورت» مقالًا: بعنوان 10 أسباب تدفع المشجع الصغير لتشجيع السيتي بدلًا من اليونايتد. يبدو عنوانًا بائسًا، كتبه شاب مُضطر لكتابة أي شيء لإنهاء دوامه، لكنّه فقط يدفعنا لإعادة التفكير في مصطلح «المُشجع الصغير»، هذا الطفل الذي لا يزال غير قادر على إدراك مصطلحات غامضة مثل الإرث، الولاء والانتماء، وربما يكون أكثر رغبة في البحث عن أشياء أكثر وضوحًا مثل الأهداف والبطولات.

أعتقد أن سيتي نجح في استقطاب العديد من المشجعين «العائمين»؛ لأن الأطفال يريدون أن يرتبطوا بالنجاح. من الواضح أن سيتي فريق أفضل بكثير في الوقت الحالي.
ريك تيرنر، مدير موقع «Blue Moon».

حسب «ذي أثليتيك»، يدّعي مسؤولو مانشستر سيتي أنهم يمتلكون بيانات تؤكد أنّ الفريق السماوي خامس أكثر الأندية جماهيرية حول العالم منذ عام 2014، إضافة لامتلاكهم القاعدة الجماهيرية الأصغر سنًا في أوروبا، كما يؤكدون على أنهُّم يمتلكون أكبر عدد من المتابعين بين 7 و12 عامًا داخل إنجلترا.

ماذا يعني ذلك؟ إن صحَّت هذه البيانات، يعني ذلك أن استمرار نجاحات السيتي، -وهو أمر متوقّع- قد يجذب المزيد من المشجعين صغار السن. ولأنّها سُنة الحياة، قد تُزيح هذه المجموعات الشابة كهول اليونايتد من عرش الأكثر جماهيرية خلال 20 عامًا من الآن، إلا إذا قرر اليونايتد قلب الطاولة مُجددًا.

ما يفعله السيتي بالضبط هو ما فعله ليون على استحياءٍ قبل سنوات حيث أصبح مُفضّلًا على مارسيليا وسانت إيتيان داخل فرنسا لفترة من الزمن، على الرغم من كونه فريقًا بلاستيكيًا، بلا شخصية، ولا يملك إرثًا كُرويًا.