صوت إذاعي متميز، يعرفه الملايين، حفر اسمه كواحد من أشهر الأصوات الإذاعية في العالم العربي. أمضى ثلاثين عامًا من عمره داخل إذاعة القرآن الكريم حتى بات صوتًا لا تُخطئه الآذان، وأصبحت قصة كفاحه أسطورة مُلهِمة يتغنّى بها الجميع. عاصر العمالقة الكبار في التلاوة والدعوة، ومن رحم المعاناة وُلدت عزيمته، فلم يتوقف عن الكفاح رغم العقبات التي واجهته، حتى استحق وعن جدارة أن يصبح أول رئيس لإذاعة القرآن الكريم من ذوي الهمم.

صاحب المسيرة العطرة، الإعلامي الكبير «رضا عبد السلام» في حوار خاص لـ«إضاءات» يتحدث عن بداية عمله الإعلامي، وكيف التحق بإذاعة القرآن الكريم، وكيف أثّرت الإذاعة في تكوين شخصيته، وأهم الدوافع التي امتلكها للنجاح. كل هذه الموضوعات يُجيب عنها في الحوار التالي:

في البداية: كيف بدأت رحلتك مع إذاعة القرآن الكريم؟

لم أكن أفكر في العمل الإذاعي مطلقًا، ولم يكن حلمًا من أحلامي منذ طفولتي ولا حتى من خططي بعد التخرج، لقد كنت أخطط للعمل الجامعي، فأنا من خريجي كلية الحقوق، وكنت من الطلبة المتفوقين ولكن لم يُقدر لي التعيين بفارق درجات بسيطة، وفي الوقت نفسه لم أرغب العمل في مجال المحاماة، ولهذا توجهت للعمل الإذاعي.

هل كنت متابعًا جيدًا للإعلام قبل العمل به؟

لقد كنت متابعًا جيدًا للإعلام قبل التحاقي به، ولكن العمل به كان قدرًا من الله، حيث جاء عملي في الإذاعة عن طريق أستاذ لي في كلية الحقوق، فقد كانت تربطني به علاقة قوية، وأخبرته أني أريد الالتحاق بالإذاعة المصرية.

ولماذا قررت التوجه للإعلام وليس أي مجال آخر؟

كما ذكرت في السابق، أنني لم أكن أريد العمل بمجال المحاماة، وكذلك لم أستطع التعيين في الجامعة، ولكنني وجدت في نفسي كل متطلبات الإذاعة كاللغة، والأداء الصوتي، والمعلومات العامة، فأخبرت أستاذي في كلية الحقوق، الدكتور «حسين عثمان»، أنني أود الالتحاق بالإذاعة المصرية، وقد قام فعلًا بالتحدث مع «عبد الوهاب مطاوع» من أجلي، وطلب «مطاوع» أن يقابلني، وقابلته بالفعل.

وماذا حدث بعد ذلك؟

أرسلني الصحفي الكبير «عبد الوهاب مطاوع» إلى الإذاعي «فهمي عمر»، الذي استعجب من رغبتي في الانضمام للإذاعة، والعمل كمذيع، ولكنه لم يرفض، ودخلت بعدها اختبارات المذيعين، ولكن عندما شاهدني أعضاء لجنة اختبار المذيعين، سألوني أسئلة تافهة لمدة خمس دقائق، مع أن جميع الذين دخلوا قبلي، استغرق اختبارهم أكثر من نصف ساعة، ثم وجدت نفسي خارج الميكرفون، على الرغم من أنني كنت من أفضل المُتدربين خلال فترة التدريب، وتم إرسالي لإذاعة وسط الدلتا، وعملت فيها مذيعًا ومُقدمًا للبرامج، ولكن كان حلمي هو الانضمام لإذاعة القرآن الكريم.

وكيف التحقت بإذاعة القرآن الكريم على الرغم من استبعادك خارج الميكرفون؟

قمت بالذهاب للإعلامي «حلمي البلك»، رئيس شبكة صوت العرب حينها، وأمسكت القلم بفمي وقلت له إنهم لم يعطوني فرصة في الامتحان، وأكدت له أنني أمتلك القدرة لأكون مذيعًا في إذاعة القرآن الكريم، فقام بإعطائي فرصة لدخول الاختبار مرة أخرى، وكان الاختبار هذه المرة اختبارًا حقيقيًا، فقد قمت بقراءة القرآن الكريم، وقراءة النشرة ومعلومات عامة وشعر وغيرها، وكانت أسعد لحظات حياتي عندما كتب الإعلامي «حلمي البلك»، في الورقة «يُقبل مذيع هواء في إذاعة القرآن الكريم»، ومن هنا بدأت الرحلة.

ما هو شعورك في أول يوم لك في الإذاعة وما هي الصعوبات التي واجهتك؟

كان شعورًا رائعًا للغاية، وكان من أسعد أيام حياتي، ولكن الطريق في البداية لم يكن يسيرًا، فعند دخولي الإذاعة كان هناك شخص ينتظرني داخل غرفة المذيعين، وظل يسألني كيف ستعمل؟ وكيف ستقوم بالتعامل مع الماكينات هنا؟

ولكنني لم أستسلم لكلامه، وقمت بوضع زرين، الأول تحت ركبتي، والثاني وضعته تحت قدمي، وخلال 30 عامًا في الإذاعة لم أرتكب خطأً واحدًا.

كيف تعامل الأشخاص في الإذاعة مع كونك مذيعًا من ذوي الهمم؟

كانت بدايتي في الإذاعة صعبة، فلم يكن يتفهم العاملون هناك كوني من ذوي الهمم، فكانت هناك نظرة دونية سائدة عن ذوي الهمم، فمنذ اليوم الأول لي بدأ التساؤل حول قدرتي على العمل، والبعض قال لي «أنت جاي تشتغل إيه في الإذاعة؟»، وكان البعض يتعمدون تكليفي بمهام زائدة صعبة، ولكن بفضل الله تعالى وإيماني بقدراتي استطعت تخطي كل الصعوبات وتصحيح تلك النظرة عن ذوي الهمم في مجال عملي.

منْ هو الداعم الأكبر في حياة الأستاذ رضا عبد السلام؟

كثيرون مَن دعموني خلال مسيرتي الإذاعية، وكثيرون قد أحبطوني أيضًا، ولكن أبي هو الداعم الأكبر في حياتي منذ البداية، فكان صديقي وطبيبي النفسي وكل شيء، تعرفت على الحياة بعيون أبي منذ اليوم الأول، وكان يُدرك جيدًا قدراتي ومهاراتي.

فعندما أردت الالتحاق بالمدرسة الابتدائية، رفضت إدارة المدرسة بشكل قاطع دخولي نظرًا لحالتي، ولكن أبي لم ييأس وذهب لمديرية التعليم، وبالفعل تم قبولي في المدرسة.

وأدرك منذ اليوم الأول المشاكل النفسية التي ربما أتعرّض لها، لذلك عمل على حلها منذ البداية، فعندما كنت أسير بجانبه في الشارع وأنا طفل، كان الأشخاص في الشوارع ينظرون لي باستعجاب، فحينها أخبرني أبي جملة مهمة: «الناس ينظرون إليك لأنك مختلف، فأنت مختلف عن الجميع، ولكن يجب أن تجعل نظرة الناس لك ليس لاختلاف جسمك ولكن لاختلاف تفوقك».

فكانت حياتي عبارة عن مجموعة من المنح تتلوها مجموعة من المحن، وكان أبي رفيقي في المنح والمحن.

كيف تم اختيارك كأول رئيس لإذاعة القرآن الكريم من ذوي الهمم؟

تم اختياري لأكون رئيسًا لإذاعة القرآن الكريم ليس لأنني من ذوي الهمم، ولكن لتاريخي المهني الكبير ومسيرتي في الإذاعة، فقد قمت بتقديم كافة الألوان والبرامج الإذاعية على مدار ثلاثين عامًا، وتقديم البرامج الحوارية، والأمسيات الدينية في المساجد الكبرى، والإذاعات الخارجية على الهواء، وقمت بنقل موسم الحج على الهواء في عام 2008 من المملكة العربية السعودية. وفي عام 2003 قمت بتقديم المسابقة الدولية للقرآن الكريم في دبي وكانت أكبر مسابقة قرآن كريم حول العالم، وقدمت برامج حديث مباشر وعلى الهواء.

فقد عملت بإذاعة القرآن الكريم على مدار 30 عامًا على الهواء، لم أرتكب خطأً واحدًا.

ما هي الخطوات التي اتخذتها بعد تعيينك كأول رئيس لإذاعة القرآن الكريم؟

إذاعة القرآن الكريم تدعو للدين الوسطي المعتدل، الذي ينبذ العنف والإرهاب، فنحن نسير على نهج الأزهر الشريف، وقد قمت بجلب تسجيلات إذاعية لم تُذع من قبل الشيوخ الكبار، الشيخ المنشاوي والشيخ محمود علي البنا والشيخ عبد الباسط والشيوخ الكبار، وحتى المحدثين، فهذه التلاوات لم يسمعها الناس من قبل، وهذه كانت طفرة في إذاعة القرآن الكريم.

فأنا لم أقم بتغيير جذري في الإذاعة، ولكنني أقوم بتطوير المحتوى المقدم في علوم القرآن والمواضيع الخاصة بالأسرة.

ما هو أكبر إنجاز في تاريخك المهني؟

أكبر إنجاز في تاريخي المهني هو تعييني أول رئيس لإذاعة القرآن الكريم من ذوي الهمم، فضلًا عن عملي 30 عامًا في الإذاعة دون أي خطأ.

كيف أثّرت إذاعة القرآن الكريم في شخصيتك؟

إذاعة القرآن الكريم لم تؤثر فقط في شخصيتي، بل أعطتني ثقتي بنفسي، وأعطتني حب الناس، وأهم ما قدمته لي هو أنها قرّبتني من كل ما يُقرِّب إلى الله عزّ وجل.

ما هي النصيحة التي تقدمها لذوي الهمم ومَن لديهم أحلام كبيرة يرغبون في تحقيقها؟

عليكَ أن تنصر نفسك أولًا وأن تعمل على نفسك، وتبحث عن قدراتك، فكل إنسان بداخله قدرة رهيبة على العمل والإنجاز، ولا بد أن تتوكل على الله أولًا ثم نفسك، ولا تتوكل على الناس، فأول سبيل للنجاح هو الاعتماد على نفسك وعدم التواكل على الناس.

وبالنسبة لذوي الهمم، فنصيحتي الأولى لك: أن تؤمن بنفسك وبقدراتك، فالإعاقة الحقيقية هي إعاقة العقل والإرادة، الإعاقة يحددها الإنسان بنفسه، وليست إعاقة جسدية، فلابد أن تبذل قصارى جهدك كي تصل، وأن تساعد نفسك أولًا.

ونظرة الناس لذوي المهم لا بد أن تتغير، فهناك نظرة دونية مُستعلية من البعض لذوي المهم، ولا بد أن تتغير، وأن ننظر للإنسان كإنسان بعيدًا عن شكله أو جنسه أو طبيعته.

ما هي الرسالة التي تقوم بتوجيهها للآباء والأمهات الذين لديهم أطفال من ذوي الهمم؟

اهتموا بنجاح أطفالكم، استخرجوا قدراتهم؛ لأنهم يملكون قدرات عظيمة بداخلهم، بخاصة في العصر الحالي، فهناك طفرة في القوانين الخاصة بذوي الهمم منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي القيادة السياسية.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.