منذ أيام دعا الكاتب والفنان «شريف عرفة» إلى مبادرة تحت عنوان: لماذا لا ننتج فيلم ما وراء الطبيعة؟

تحدث فيها عن فكرة إنتاج الفيلم بتمويل شخصي من قراء السلسلة القصصية الشهيرة من تأليف الراحل د. «أحمد خالد توفيق»، ومحاولة إقناع جهة ما أن تتولى التنفيذ. تم إرسال الدعوة لي من عدد ضخم من الأصدقاء، مطالبين برأيي في الموضوع.

أولًا وقبل كل شيء: تعود الموافقة أو الرفض لمشروع كهذا إلى عائلة د. أحمد خالد توفيق. ومن معرفتي بالدكتور «محمد أحمد خالد توفيق»، لا أعتقد أنه سيرفض تحقيق حلم والده.

ثانيًا: كما هو معروف لأغلب قراء السلسلة، أن المخرج عمرو سلامة يملك حق تحويل السلسلة إلى عمل درامي. ولا أعرف تحديدًا ما يمنعه من تنفيذها، لكن أعتقد أن صعوبات إنتاجية ما تواجه الأمر. ولا تتعلق الصعوبات الإنتاجية بالمال فقط، بل أحيانًا تمتد لمشاكل رقابية أو تخوف من استقبال الجمهور العادي – وليس قراء السلسلة فقط – لعمل بطله عجوز أو كهل، لا يتميز بمقومات نجم الشباك السائدة في مصر حاليًا.

لكن دعني أتحدث أكثر عن تجربة إنتاج فيلم مستقل. وقد يعني المصطلح لأغلبنا «الفيلم غير المنتمي أو الفيلم المعتمد على نفسه». لكن ربما في صناعة السينما يحمل المصطلح معنى متخصصًا أكثر. فبداية، تعتبر الأعمال المستقلة أفلامًا يتم إنتاجها بعيدًا عن شركات الإنتاج الضخمة، وتتميز بخروجها عن الخط التجاري التقليدي وضروريات الربح المضمون. وقد يجعلها هذا غير سهلة الوصول للجمهور لعدم امتلاكها لشركات توزيع سينمائي تساعد في عرضها في دور العرض.

وقد بدأت استوديوهات «يونيفرسال» العالمية بداية مستقلة على يد المهاجر الألماني «كارل ليمل»، وآلت مع الوقت إلى شركة إنتاج تجاري ضخمة بعيدة عن فكرة الاستقلال والتحرر الذي بدأت به. وبدأ منتجون مستقلون في التعاون مع شركات إنتاج ضخمة للمساعدة في التوزيع والتصوير واستخدام معداتها.

مؤخرًا، بدأت استوديوهات أمريكية معروفة إنتاج أفلام مستقلة بطريقة غير مباشرة؛ لأنهم أدركوا أنهم لن يستطيعوا إنتاج أفلام بقدر كافٍ تغطي قائمة توزيعهم السنوية. فبدأت الاستوديوهات بتخصيص فرع إنتاجي يحمل نفس العلامة التجارية للاستوديو الأصلي يطلق عليه أحيانًا «بوتيك التجزئة»، لتوزيع «تسهيلات» إنتاجية. وهكذا أنتجت مترو جولدوين ماير «أسود من أجل الحملان» عام 2007، و«فالكيري» عام 2008.

كما قدم فرع أفلام فوكس المسماة «فوكس سيرش لايت» أفلامًا مثل «الآنسة صن شاين الصغيرة»، و«جونو». ومع ذلك، فلو فشل القسم الخاص في طموحات الاستوديو فإن بالإمكان غلقه كما حدث مع شركة وارنر للأفلام المستقلة.

بالطبع أي مشروع مستقل مصري بدون موزع محترم سيلقى فشلًا كبيرًا. فكلنا شهدنا ما حدث في عيد الأضحى الماضي من «بلطجة» بعض المنتجين، ومنع عرض بعض الأفلام في دور العرض المحجوزة لها بحجة عدم وجود إقبال جماهيري مقابل استغلال صالات عرضها في عرض فيلم معين لمنتج شهير احترف الأفلام الشعبية، وأبى أن يختار الجمهور أفلامًا أخرى غير أفلامه.

لذا، فلا بد من التفكير في مشكلة التوزيع أولًا قبل البدء في إيجاد طريقة لجمع تمويل مادي. ومشكلة التوزيع تنطبق أيضًا على العرض التليفزيوني لو خطر ببالنا إنتاج مسلسل قليل التكلفة. المشكلة الثانية هي مشكلة أجور الفنانين، فلن يتم توزيع فيلم أو مسلسل بسهولة من دون نجم أو اثنين من نجوم الشباك على الأقل. فتتفرع بنا هذه العقبة إلى عقبة أجر فنانين معروفين وعقبة اختيار نجم شبيه بـ «رفعت إسماعيل» من قائمة نجوم الشاشة المحدودة للغاية في مصر.

أمتلك مرونة كبيرة بخصوص مطابقة شكل الممثل الخارجي مع وصف البطل الروائي. فلا مانع أن يكون رفعت وسيمًا بعض الشيء، قصيرًا… إلخ. لكننا بالفعل لا نملك من يستطيع استحضار روح وشخصية «رفعت إسماعيل». فأغلب ممثلينا يمثلون بشخصياتهم لا كما يتطلب الدور. فطيلة وقت مشاهدتك تدرك بشكل فج أنك تشاهد فلان الفلاني وليس الشخصية الفلانية. ومن يملكون قدرات تمثيلية عالية ليسوا نجوم شباك. فندور في حلقة مفرغة لا نهائية.

بالرغم من أهمية التوزيع ونجم الشباك، فلن نغفل أيضًا أن عملًا مثل «ما وراء الطبيعة» يحتاج لميزانية ممتازة كي يقترب من توقعات محبي السلسلة. فهل يتحمل القراء تكلفة ضخمة كهذه؟ وما عقبات فشل الفيلم لو قدر الله له الفشل؟

نحن بالفعل مدفوعون بحبنا الشديد للعزيز د. أحمد خالد، ونود لو نفعل أي شيء في سبيل تحقيق حلمه الوحيد، لكن للسينما في مصر حسابات أخرى محبطة للغاية. كنت أود لو أحتفظ بها لنفسي، فلن يتحمل أحد مزيدًا من الإحباط، لكنها الحقيقة وعلينا مواجهتها أو محاولة إيجاد حلول بديلة جيدة.

الحل الذي أقترحه هو ماذا لو اخترنا أعدادًا من السلسلة لا يظهر فيها رفعت إسماعيل، مثل أسطورة الجاثوم أو أسطورتنا مثلًا! كلتا القصتين لهما طابع مصري أصيل، تكلفتهما الإنتاجية منخفضة نوعًا ما وتتحملان مرونة اختيار الأبطال. مع الاحتفاظ بتعليق صوتي بصوت مقارب لصوت رفعت إسماعيل مع عدم التلميح لكينونة المعلق الصوتي.

بهذا نقدم خلفية لرفعت إسماعيل بصوت وإلقاء معروف لجمهوره، ونقدم عملًا باسم د. أحمد خالد توفيق، ونقرب جمهور السينما خطوة تجاه معرفة السلسلة، بالتالي تقل مخاطرة إنتاج سلسلة ما وراء الطبيعة كاملة بإنتاج محترف.

هذا اقتراحي الخاص «الآمن»، مع تحفظاتي السابقة بشأن قلة نجوم الشباك الموهوبين، وعدم وجود جمهور سينمائي ضخم يشجع على إنتاج عمل ما ورائي كهذا. بالطبع سنعتبر أعمال أحمد مراد السينمائية حالة خاصة، معتمدة على شهرته الروائية، وضخامة الإنتاج المتاح لها. لكن فيلمًا ما ورائيًا مثل فيلم «قدرات غير عادية» للمخرج داود عبد السيد لم يلق نفس النجاح الذي لقيته أفلامه الاجتماعية السابقة.

دعونا نفكر، وليفعل كل منا ما يستطيع فعله لتحقيق حلم العراب، دون تعجل أو مغامرات غير محسوبة العواقب. وأتمنى فعلًا أن نشاهد عملًا له قريبًا على الشاشات بشكل يسعده ويليق بتاريخه وبمحبته في قلوبنا.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.