نشرت امرأة ماليزية مجهولة الهوية على وسائل التواصل الاجتماعي مقطعاً صوتياً، ادَّعت فيه أن تعيين «أنور إبراهيم» في منصب رئيس الوزراء الماليزي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، جاء بواسطة «نفوذ إسرائيلي»، وزعمت المرأة أن أنور «اتصل بإسرائيل وقوى أجنبية»، لمساعدته في الحصول على المنصب.

وادَّعت المرأة أن الذي أخبرها بهذه المعلومة هو النائب البرلماني المُعارِض «حسن سعد»، الذي نفى بدوره أي علاقة له بما ذكر في المقطع الصوتي، قائلاً لوسائل الإعلام: «لا أرغب في التعليق»، مُضيفاً أنه قدَّم بلاغاً للشرطة بشأن تضمين اسمه في الفيديو.

تصريحات مُشينة

من جانبه، قال أنور إبراهيم إنه لم ينزعج من أولئك الذين يطلقون مزاعم كاذبة ضده بما في ذلك مزاعم بأنه عميل إسرائيلي. وأشار في أول خطاب له أمام موظفي الخدمة المدنية، إلى أن مثل هذه التصريحات المشينة ليس لها تأثير عليه، وأنه يُفضِّل التركيز على تحسين رفاهية الشعب.

وذكر أنور في خطابه:

لا مانع من القذف والتشهير بي، مثل أن أكون عميلاً لإسرائيل أو الولايات المتحدة أو تركيا. بدلاً من ذلك، على موظفي الخدمة المدنية تقديم التزامهم الكامل بإحداث التغيير في إدارة البلاد.

لكن بعد ساعات من تصريح أنور، صرَّح وزير الإعلام والاتصالات فهمي فضيل، أن رئيس الوزراء أمر باتخاذ إجراءات ضد أي شخص ينشر تصريحات تشهير ضده مثل الادعاءات بأنه عميل إسرائيلي، قائلاً:

أنور ليس لديه نية لاتخاذ إجراءات ضد من ينتقد شخصه أو تحالفه السياسي، لكننا سنرسم خطاً أحمر عند التشهير والاتهامات بالعمالة لإسرائيل.

حكومة ماليزية جديدة

حقق رئيس الوزراء الماليزي الجديد أنور إبراهيم فوزاً صعباً في الانتخابات العامة التي أُجريت في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، والتي أسفرت عن برلمان مُعلَّق، حيث تصدر تحالف الأمل الذي يقوده أنور مقاعد البرلمان الوطني بواقع 82 مقعداً، وخاض مفاوضات شاقة لمدة أربعة أيام مع تحالفات أخرى لتشكيل حكومة ائتلافية.

ووصل أنور إلى السلطة بعد أكثر من عقدين من النضال السياسي، حيث تم اقتياده إلى السجن في قضيتي شذوذ جنسي، وقضايا فساد إداري، لكنه عاد بقوة في الانتخابات العامة الماضية مُتعهداً بالتجديد الاقتصادي للدولة، والإصلاح المؤسسي.

علاقة مزعومة مع إسرائيل

تجدد نقاش طويل حول علاقات أنور المزعومة مع إسرائيل خلال حملة الانتخابات العامة الأخيرة في ماليزيا، عندما ادعى منافسه في دائرة (تامبون) الانتخابية «أحمد فيصل أزومو» بأن حزب (بي كي آر) الذي يقوده أنور «مُخترق من قبل عناصر إسرائيلية».

جاء ذلك في أعقاب اعتقال الشرطة الماليزية مجموعة من الماليزيين منهم أعضاء في حزب (بي كي آر)، قيل إن جهاز الموساد الاسرائيلي استأجرهم لاختطاف مُبرمج كمبيوتر فلسطيني مطلوب لدى إسرائيل في سبتمبر/أيلول العام الماضي.

وخلال الحملات الانتخابية العامة، تم تداول مقطع فيديو لرئيس تحالف العقد الوطني المُعارض «محيي الدين ياسين»، يزعم أن مجموعة من اليهود أرادوا فوز تحالف الأمل في الانتخابات الماضية، وزعم أن التحالف الحاكم حالياً يعمل مع اليهود والمسيحيين لاستعمار البلاد. لكن محيي الدين قال في وقت لاحق إن مقطع الفيديو تم تعديله لإظهاره في صورة سيئة.

غزل إسرائيلي

بعد الإعلان عن تعيين أنور رئيساً للوزراء، قالت «إستير سولومون» رئيسة تحرير صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية إن ذلك قد يشير إلى فصل جديد في علاقة الدولة اليهودية بماليزيا، حيث كانت الحكومات الماليزية السابقة تدين بشدة الصهيونية وتدعم النضال الفلسطيني.

وقارنت سولومون في تغريدة لها أنور بالزعيم السابق الدكتور مهاتير محمد الذي شدد في إدانته العلنية للسياسات الإسرائيلية في المحافل الدولية، وأعلن أنه «مُعادٍ للسامية»، حسب قولها. وأضافت: «خلافاً لسلفه مهاتير، رئيس الوزراء الماليزي الجديد أنور إبراهيم لا يُوصف بأنه معادٍ للسامية، بل إن أعداءه ينتقدونه بأنه عميل لليهود أو المسيحيين».

قُوبلت تغريدات سولومون على تويتر بموجة من الردود الغاضبة معظمها من الماليزيين، ويُلاحَظ أن العديد من التعليقات تتفق على عدم وجود دولة تُسمى إسرائيل، فيما علق آخرون بأن أي إشارة دبلوماسية لإسرائيل ستكون انتحاراً سياسياً لأنور إبراهيم.

علاقة سرية قديمة

تعيد جدلية العلاقة السرية بين أنور إبراهيم وإسرائيل، إلى تصريح سابق مثير للجدل أدلى به أنور في لقاء مع صحيفة (وول ستريت جورنال) عام 2012، حين قال إنه «سيدعم كل الجهود لحماية أمن دولة إسرائيل»، الأمر الذي أحدث جدلاً واسعاً في الوسط الإسلامي والماليزي، لكن أنور أكد أن تصريحه أخرج عن سياقه.

وفي مقال عن تعيين أنور إبراهيم الأخير كرئيس للوزراء، قالت صحيفة (هآرتس) إن وجهات نظره تظهر أنه أكثر انفتاحاً على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وقالت الصحيفة:

كان هذا تصريحاً مهماً من سياسي بارز في دولة تكتب على جواز سفرها أنه صالح للسفر إلى جميع دول العالم ماعدا إسرائيل.

وذكرت الصحيفة: «على الرغم من سجله المختلط، من المؤكد أن أنور إبراهيم أكثر انفتاحاً على إسرائيل من مهاتير محمد المُتشدد، مما قد يُوفِّر فرصة لإسرائيل لتحسين العلاقات إلى حد ما». لكن الصحيفة حذرت من أن أي مبادرة من هذا النوع يجب أن تأخذ في الاعتبار حقيقة أن 61٪ من الماليزيين «عبروا عن آراء معادية للسامية»، نقلاً عن استطلاع أجرته جماعة المصالح الصهيونية.

وقالت الصحيفة أيضاً إن العلاقات الودية بين إيران وماليزيا ستكون عقبة أمام أي علاقات مستقبلية مع إسرائيل، حيث أفادت الصحيفة نقلاً عن مخابرات غربية بأن ماليزيا أصبحت مركزاً للنشاط الإيراني، وهي واحدة من الدول القليلة في العالم التي يمكن للإيرانيين زيارتها بدون تأشيرة.

لا تقارب مع إسرائيل

لا نعتقد أن أنور إبراهيم سيعلن عن تقارب مع إسرائيل خلال الفترة القادمة، فمن ضمن تصريحاته عقب توليه منصب رئيس الوزراء، تعهد أنور إبراهيم بدعم كفاح الشعب الفلسطيني، مُؤكداً ثبات موقفه وحرصه على السعي لإحقاق الحق الفلسطيني في المحافل الدولية المختلفة.

وجاء ذلك التصريح بعد اتصال هاتفي مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، ورئيس إقليم الخارج في الحركة خالد مشعل، عقب أيام من أداء أنور لليمين الدستورية، حيث رحب أنور بتواصل الحركة معه، وأكد على عمق العلاقة الأخوية بين الشعبين الماليزي والفلسطيني، وقال إن فترة انتظاره للعدالة التي استمرت نحو ربع قرن قليلة جداً، مقارنةً بكفاح الشعب الفلسطيني الطويل من أجل الحرية والعدالة.

موقف ماليزيا الثابت

لا تقيم ماليزيا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وموقفها الرسمي راسخ منذ فترة طويلة حول إقامة دولة فلسطين المستقلة من خلال حل الدولتين على أساس حدود ما قبل عام 1967، وإعلان القدس الشرقية عاصمة لفلسطين.

وتؤكد ماليزيا في بياناتها الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية التزامها بدعم القضية الفلسطينية ونضال الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي المستمر غير الشرعي، والقمع المنهجي للأراضي الفلسطينية.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.