في نافذة الانتقالات الشتوية لموسم 2022-2023، أحدثت صفقة انتقال الموهبة الأوكرانية «ميكايلو مودريك» من صفوف «شاختار دونيتسك» الأوكراني إلى صفوف «تشيلسي» الإنجليزي ضجة كبيرة. بخلاف قيمة الصفقة، البالغة 100 مليون يورو، اكتسبت الصفقة اهتماماً بسبب وِجهة لاعب الجناح. فقد خطف تشيلسي اللاعب من أمام أنظار غريمه اللندني أرسنال؛ الذي كان قد بدأ المفاوضات مع النادي الأوكراني واللاعب مبكراً، وبدت إشارات إتمام الصفقة وشيكة جداً، خصوصاً عبر تلميحات اللاعب عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ولعل المتعة الذي ينقلها البريميرليج عبر المستطيل الأخضر، ليست السبب الأوحد لجعله البطولة الأكثر تنافسية ومتابعة في العالم؛ فقد ضاقت المتعة والإثارة بالميادين، لتعبر إلى سوق الانتقالات. فهل «ريمونتادا» الصفقات أمر جديد على البريميرليج؟

سحر مورينيو

يرتبط اسم تشيلسي كثيراً بسرقة الصفقات من الأندية المنافسة. إلا أن هذه السمعة لم يكن ليكتسبها الفريق لولا وجود المدرب البرتغالي «جوزيه مورينيو» أو «السبيشيال وان»، عرّاب أمجاد تشيلسي.

يذكر الجميع قصة البرازيلي «وليان» الذي أكمل إجراءات الكشف الطبي بنادي «توتنهام هوتسبير» صيف عام 2013، قبل أن ينتهي به المطاف بقلعة الـ«ستامفورد بريدج». وقتها سخر مورينيو من فريق الـ«سبيرز» عندما سأله الصحفيون عن موعد إعلان الصفقة قائلاً: نحن بحاجة لعمل الكشف الطبي. وقد سبق أن خطف تشيلسي النيجيري «جون أوبي ميكيل» صيف 2006، رغم ظهوره بزي مانشستر يونايتد، وهي الصفقة التي كلّفت خزائن النادي غرامات مالية كبيرة.

بمرور السنوات، أصبح سحر مورينيو أكثر فعالية؛ إذ تمكن من تغيير وجهة الإسباني «سيسك فابريغاس» من مسرح الأحلام، صوب مدينة الضباب. كل ذلك تم عبر مكالمة هاتفية أقنع بها المو (فابريغاس) بأنه القطعة المفقودة لتحقيق لقب الدوري. وهو ما قد تحقق بالفعل؛ حيث أسهم سيسك بثمانية عشر تمريرة حاسمة في موسم 2014-2015، الذي شهد تتويج تشيلسي بالبريميرليج بعد غباب دام خمسة أعوام.

أعاد مورينيو الكرَّة في العام التالي، عندما خطف «بيدرو رودريغيز» من أيدي مانشستر يونايتد بمكالمة هاتفية. ورغم أن الفراعنة اشتهروا بالسحر؛ لكن المو تمكّن من سَحر صغيرهم (محمد صلاح) في شتاء عام 2014، ليثنيه عن الانضمام إلى ليفربول.

الهجمة أم رد الفعل؟

شهدت السنوات الأولى للمُلاك الجدد لمانشستر سيتي تنافساً محموماً مع قطب المدينة الآخر مانشستر يونايتد. لكن التنافس سرعان ما سكن بعد اعتزال مدرب مانشستر يونايتد السير «أليكس فيرغيسون» صيف 2013؛ ليفقد بعدها اليونايتد البوصلة، بينما واصل السيتي مشوار الصعود لقمة الكرة الإنجليزية.

بينما بسط الأزرق السماوي سيطرته على المستطيل الأخضر، كسب الشياطين الحمر بعض المعارك في سوق الانتقالات، وخطفوا عدداً من اللاعبين المطلوبين لدى الإسباني «بيب جوارديولا». إلا أن السمة الغالبة في هذه الصفقات كانت الفشل، حيث لم بنجح التشيلي «أليكس سانشيز» في تقديم الإضافة المرجوة منه، بل على العكس؛ شكّل راتبه الضخم إشكالات دفعت بعض اللاعبين للمغادرة بسبب عدم إحساسهم بالتقييم الكافي. مرة أخرى عاد اليونايتد ليخطف «هاري ماجواير»، لينتهي به المقام ككبش فداء وضحية لمستويات مانشستر يونايتد المهزوزة.

لكن الصفقة الأبرز كانت عودة البرتغالي «كريستيانو رونالدو» لمدينة مانشستر عبر بوابة السيتي هذه المرة، في صيف عام 2021. احتاج اليونايتد هذه المرة لتدخل السير، وقدامى اللاعبين بالفريق، لثني أحد أفضل لاعبي العالم عن الانضمام لبيب واختيار اليونايتد؛ وهو ما نجح فيه السير وتلامذته. لكن الصفقة لم تخالف مثيلاتها؛ فقد أنهى كريستيانو رونالدو عقده بالتراضي مع الفريق بعد مقابلة تلفزيونية انتقد فيها النادي وسياساته.

تعالت الأصوات من مناصري السيتي، زاعمين بأن بيب لا يفضل المهاجمين الذين على شاكلة رونالدو، وأن ما حدث كان مجرد إشاعة من وكيل اللاعب، البرتغالي «خورخي مينديز» لدفع اليونايتد للتحرك. لكن هذا الادعاء صمد لمدة عام فقط قبل تعاقد بيب مع القاطرة النرويجية «إيرلنج هالاند».

للمفارقة، كان اليونايتد قريباً من التعاقد مع هالاند في وقت ظن سابق، لولا عدم اقتناع ملّاك النادي بدفع 4 ملايين جنيه استرليني في اللاعب الشاب. ومع الأرقام التي حطمها هالاند في موسمه الأول، إضافة لدوره في تتويج الفريق بلقبه الأول في مسابقة دوري أبطال أوربا، وانضمام السيتي لقائمة الفرق التي أحرزت الثلاثية؛ هل يمكن الاعتبار أن رد السيتي على اليونايتد في سرقة الصفقات كان مفحماً؟!

مناوشات الحرس القديم

عندما حقّق «ليستر سيتي» المعجزة موسم 2015-2016 بتتويجه بلقب الدوري الممتاز، استحضر المتابعون إنجاز «بلاكبيرن روفرز»، الذي تُوج بلقب الدوري موسم 1994-1995. لكن بلاكبيرن كان من الأندية القوية وقتها، وكان وصيفاً للبطل قبل تتويجه؛ مما يعني أن تتويجه لم يكن من مفاجأة. وفي سعيه لتدعيم صفوفه، عمل الفريق على التعاقد مع الأيرلندي «روي كين»، وقد اتفق مدرب الفريق «كيني دالجليش» مع الأيرلندي، وتبقى فقط التوقيع.

بحسب ما يحكيه اللاعب نفسه، بعد سنوات من الواقعة؛ ذكر أن الاتفاق الرسمي تأخر ليوم الإثنين، لكن مكالمة من السير أليكس فيرغسون، جعلته يُغيِّر الولاء نحو مدينة مانشستر ليحصد معهم سبع بطولات للدوري، وبطولة لدوري أبطال أوروبا، بالإضافة لعدد من الكؤوس المحلية.

في العام التالي، كان «آلان شيرار»، الهدّاف التاريخي لبطولة البريميرليج، على وشك اللعب لصالح نادي مانشستر يونايتد، حيث إن اللاعب التقى السير أليكس فيرغسون، وحدّد المنزل الذي يريد شراءه، ولكن فريق بلاكبيرن عرقل الصفقة. وفي اللحظة الأخيرة، اختار شيرار اللعب لفريق مدينه، نيوكاسل، وهي على كل حال كانت رغبته منذ البداية.

هيمنة أرسنال على شمال لندن

يتفوق أرسنال على توتنهام هوتسبير منذ بداية العداء بينهما، وكان أرسنال هو الذي ابتدر العداوة حينما نقل مالكه «هنري نوريس» الفريق من الضواحي الجنوبية لمدينة لندن، ليزاحم السبيرز في شمالها. وتجذّر العداء حينما أبعد السبيرز من دوري الدرجة الأولى لصالح أرسنال بفضل عملية تصويت قام بها اتحاد الكرة بإيعاز وتأثير من مالك فريق المدفعجية.

ولا يمكن الإشارة لموضوع «سرقة» الصفقات دون التحدث عن صفقة الفرنسي «إيمانويل بوتي»، الذي جاء إلى لندن ليلعب في صفوف نادي توتنهام. لكن نادي توتنهام لم يعلم أنه قد أسهم في انتقال اللاعب للغريم اللندني.

قال اللاعب في 2018، أي بعد نحو 18 عاماً من انتقاله؛ أن فريق توتنهام دفع الأجرة لصاحب التاكسي الذي قاده لمقابلة الفرنسي «أرسين فينغر» مدرب أرسنال. فقد طلب اللاعب من إدارة توتنهام مزيداً من الوقت للتفكير في العرض المقدم، وهو ما قد منحوه له، عندما جلبوا عربة التاكسي لتقله للفندق، التي ذهبت به إلى أرسين فينغر بعد توجيه اللاعب للسائق بتغيير الوجهة. ولأن فشل عملية مودريك الأوكراني دفع أرسنال للبحث عن بدائل، كان لا بد من أن يكون ذلك على حساب نادٍ آخر؛ وهو بالفعل ما حدث، وعلى حساب السبيرز أيضاً.

في سوق الانتقالات الشتوية هذه، كان السبيرز قد تواصل مع البلجيكي «ليونارد تروسارد»، لكن سعر الصفقة لم يكن مغرياً لنادي برايتون. أرسنال لم يمنح السبيرز فرصة للتفكير، وخطف اللاعب في سوق الانتقالات الشتوية هذه. ليثبت أرسنال هيمنته على شمال مدينة الضباب.

قرارات ولحظات صنعت أساطير

تنظر إلى إحدى أساطير ناديك، فتشعر بالاعتزاز والفخر؛ لكن يأتيك إحساس بالاستحقاق. «هذا اللاعب خلق ليكون أسطورة لنادينا»؛ لكنه ليس صائباً دائماً.

الجميع يتذكر الختام السينمائي لجيل تشيلسي الذهبي، حينما تُوجوا بدوري أبطال أوروبا للمرة الأولى، موسم 2011-2012، بعد فوزهم بركلات الجزاء على صاحب الأرض والجمهور، بايرن ميونخ الألماني. تلك الرأسية التي قذفها الإيفواري «ديدييه دروجبا» صوب مرمى الألماني «مانويل نوير» كانت إعلاناً غير مباشر لبداية الجيل الجديد بتشيلسي. بفضل هذه الرأسية، ضَمَن تشيلسي المشاركة في دوري أبطال أوربا للموسم المقبل، حارماً توتنهام صاحب المركز الرابع من التأهل للبطولة القارية.

على إثر ضمان المشاركة، حسم الموهبة البلجيكية «إيدين هازارد» وجهته من «ليل» الفرنسي إلى أسود لندن؛ حيث يمكن أن يشارك في دوري الأبطال؛ وهو ما أكّده اللاعب ذاته، أن مشاركة الفريق في دوري الأبطال هي التي حسمت موقفه، رغم بناء توتنهام لفريق شاب.

منْ يتخيّل اليوم مسيرة هازارد دون ربطه بتشيلسي؟ ومنْ يمكنه أن يتصور وضع الفريق من دون لاعب وصلت مساهمته إلى نصف أهداف الفريق في بعض المواسم؟ ففي السنوات السبع التي قضاها البلجيكي في لندن، لم يسهم في تتويج تشيلسي بالبطولات فقط، بل قضى على آمال توتنهام في التتويج بالدوري الممتاز موسم 2015-2016، عندما سجل في مرماهم في آخر دقائق المباراة، التي حسمت وجهة اللقب لصالح الثعالب.

وبعد سنوات، كان السنغالي «ساديو ماني» إحدى أبرز الصفقات التي بدأ بها الألماني «يورغن كلوب» مشروعه بليفربول.

حصد ساديو الألقاب، ومحبة جميع العاملين بالنادي، وحتى المدينة أحبت الفتى المتواضع. وقبيل نهائي دوري أبطال أوروبا موسم 2021-2022، الذي خسره ليفربول لصالح النادي الملكي ريال مدريد؛ كشف السنغالي أنه كان قد وافق في السابق على عرض الانضمام لمانشستر يونايتد، وتبقّى التوقيع فقط، لكنه فضّل ليفربول ومشروعه.

لعل ماني أراد أن يكشف هذا السر قبيل وداعه للنادي والمدينة، حيث رحل اللاعب بعدها للانضمام لصفوف بايرن ميونخ الألماني. هل كان ليفربول سيبقى بلا بطولة دوري لو لم ينضم إليهم ساديو، وهل كان باستطاعة النجم السنغالي أن يوقف سنوات القحط التي عاشها اليونايتد بعد رحيل السير؟

ماذا لو وجد مشجعو مانشستر سيتي أسطورتهم الأرجنتيني «سيرخيو أجويرو» لاعباً بصفوف تشيلسي؟ على الأرجح ستخرج «مستحيل» فارس عوض، الشهيرة ليردوا على هذا التساؤل، رغم أنه لم يكن مستحيلاً، بل كان ممكناً جداً، لكنه سيكون «كابوساً» لسماوي مانشستر.

امتدح مدرب البلوز -وقتها- الإيطالي «كارلو أنشيلوتي» اللاعب، وأشار لإمكانية تشكيل ثنائية بينه وبين العاجي دروجبا. لم تكن العلاقة من طرف واحد؛ فحتى اللاعب كان قد تغزّل علانية في النادي، وأشار لإعجابه وزوجته بفكرة العيش في لندن. ولكن انتهى الأمر به ليصبح أسطورة لناديه، والهدّاف التاريخي له، حاصداً كوكبة من الألقاب والجوائز الفردية، وواضعاً تشيلسي في أعلى قائمة الخصوم الذين سجّل في شباكهم.

بالتأكيد هناك قصص كثيرة، حول انتقالات اللاعبين من الند إلى الند، وأخرى فشلت في اللحظات الأخيرة؛ لكن الأكيد بنسبة 100% هو أن هناك عشرات القصص المثيرة، حبيسة في صدور اللاعبين.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.