مما لاشك فيه أن قضية تجديد الخطاب الديني قضية محورية في المجتمعات العربية بصفة عامة والمجتمع المصري بصفة خاصة، وهي قضية تحقيق النجاح فيها هو خطوة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين كافة أفراد المجتمع مما يساهم في تحقيق التنمية.

في احتفال بالمولد النبوي الشريف منذ عامين، طالب رئيس الجمهورية بالنظر بجدية في قضية تجديد الخطاب الديني، وأشار حينئذ إلى أن «ما نشهده من ظواهر إرهابية يعود في الأساس إلى الفهم الخاطئ لصحيح الدين الحنيف وتعاليم الرسول الكريم». وطالب: «بسرعة الانتهاء من عناصر خطاب ديني جديد يتواكب مع مستجدات العصر.. تجديدًا واعيًا ومسؤولا.. يقضي على الاستقطاب الطائفي والمذهبي ويعالج مشكلة التطرف».

ودائمًا ما تظهر الدعوة لتجديد الخطاب الديني بعد الأحداث الكبرى مثل حادث 11 سبتمبر الذي طالبت بعده الولايات المتحدة بتجديد الخطاب الديني الإسلامي، ليتحمل المسلمون بصفة عامة والعرب بصفة خاصة المسئولية كاملة عن هذه الأحداث، ويكون رد الفعل اتهام الغرب بالحرب على الإسلام وتشويه الهوية، ويحتل الساحة العناصر المتطرفة من كلا الاتجاهين دون الوصول إلى حلول جذرية للقضاء على الإرهاب بصفته تهديدًا للأمن العالمي.

وعلى الرغم من أن الدعوة لتجديد الخطاب الديني تظهر دائمًا مقترنة بالأهداف والمصالح السياسية والاقتصادية سواء للسلطة أو القوى السياسية، فإن الدعوة إليها ليست جديدة. فقد ظهر المفهوم مع إنشاء محمد علي للدولة الحديثة في مصر، وحاجته لإدخال علوم جديدة تمكنه من تحقيق التقدم وبناء الجيش القوي الذي ينشده، إلا أن الصراع بدأ حينئذ عندما فشل علماء الدين في مسايرة الأوضاع الجديدة أو تقديم بديل ينافس التشريعات والقوانين التي استقدمها «محمد علي» لتناسب مطالب العصر الجديد، ليظهر رواد يحاولون تقديم فكر جديد يتناسب مع تحقيق النهضة، ومنهم رفاعة الطهطاوي من خلال اتصاله بالفكر المستنير، مما حقق أثرًا بالغ الأهمية في التواصل العلمي والفكري بين مصر، وبين الفكر والعلم في الكثير من الدول في العالم، وحركة الترجمة فيما بعد. إلا أن التصادم مع المصالح السياسية والاقتصادية للدول الأوروبية الكبرى إحتلال مصر أجهض مشروع النهضة لتظهر دعوات المطالبة بالعودة إلى «الفكر الديني» بسبب فشل مشروع التحديث والتجديد.

وبحسب مؤسسة الأزهر الشريف، المؤسسة الإسلامية الرسمية في مصر، يهدف تجديد الخطاب الديني إلى «التصدي للأفكار المتطرفة المنحرفة، وتعميق انتماء الشباب للفكر الوسطي، وتجديد الخطاب الديني وتفعيلها في الواقع، بعيدا عن التطرف الذي لا هدف له سوى تخريب الأوطان وإشعال الفتن».

و تواجه قضية «تجديد الخطاب الديني» العديد من التحديات الصعبة في الأوضاع السياسية تحول دون تجديد الخطاب الديني بسبب الصراع بين السلطة السياسية والمؤسسة العريقة من جهة، والصراع بين السلطة السياسية و القوى المحافظة من جهة أخرى تحول دون الاتفاق على مفهوم التجديد و أسسه.

من ناحية أخرى، تقف العديد من العوامل الاجتماعية عائقا أمام التجديد، فالدين له دور كبير في الحياة اليومية في المجتمعات الإسلامية العربية، وعلى الرغم من الدور الإيجابي لتوظيف الدين بما يحققه من تماسك اجتماعي، إلا أنه يفرض تحديًا كبيرًا فيما يتعلق بسوء استعماله من المؤسسات والقوى الاجتماعية المهيمنة، فبدلا من التشجيع على العمل والمشاركة الفعالة في المجتمع نجد أن القوى الاجتماعية المهيمنة تستخدم الدين لتثبيت شرعيتها، ودفع الفقراء والمهمشين لتقبل واقعهم المرير.

ومن الناحية الثقافية، فهناك العديد من القضايا التي تطرح إشكاليات في إطار تجديد الخطاب الديني لمواجهة أزمات العرب الفكرية مثل قضية «الأصالة والمعاصرة» و«الاتباع والإبداع»، مما يتسبب في تخبط فكري كبير ما بين العودة إلى الماضي وتقليد الأسلاف في مواجهة الأفكار الغريبة عن ثقافتنا مما يبعدنا مسافات ضوئية عن تحقيق التقدم الحضاري أو مسايرة العصر، والإبداع بما يفرضه علينا من التبعية للثقافة والفكر الغربي.

إن تجديد الخطاب الديني قضية شاملة، لا يمكن معالجة بعد واحد منها فقط وهو البعد السياسي، وترك باقي الأبعاد الاجتماعية والثقافية، فالقضية هنا تقتضي تغيير حالة المجتمع المصري والعربي ككل، وإحداث تحولا شاملا وجذريا، وننتقل به من حالة التخلف والتبعية والطبقية والسلطوية والاغتراب وعدم القدرة على مواجهة تحديات العصر، إلى حالة مضادة تتحقق فيها التنمية والمساواة والعدالة الإجتماعية والقيم الديموقراطية، ويستعيد فيها المجتمع سيطرته على موارده وقدراته على مواجهة التحديات.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.

المراجع
  1. السيسي يدعو إلى تجديد الخطاب الدين لمواجهة التطرف، موقع روسيا اليوم
  2. الأزهرى: الرسالة الكبرى للأزهر هي التصدي للأفكار المتطرفة وتجديد الخطاب الديني، موقع أخبار مصر
  3. د. حليم بركات: المجتمع العربي المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة السادسة 1998
  4. د. حليم بركات: الاغتراب في الثقافة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى 2006
  5. د. صلاح قنصوة، الدين والفكر والسياسة، مكتبة دار الكلمة 2006
  6. د. فؤاد زكريا: خطاب إلى العقل العربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010