هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» الذي أنجزه فريق ساسة بوست لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010 و2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يُلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.

جلس الشاب جاريد كوشنر إلى جانب ولي العهد البحريني سلمان آل خليفة، وإستيفن منوتشين وزير الخزانة الأمريكي، وعشرات الاقتصاديين العرب من حولهم، في قاعة دائرية فخمة، يتوسطها مسرح صغير، وقاعة يغلب عليها اللون الذهبي، في إيحاءٍ بمستقبل الأموال التي ستنكبُّ على «الفلسطينيين».

كان هذا في العاصمة البحرينية المنامة، في 25 يونيو (تموز) 2019، في ورشة «السلام من أجل الازدهار»، ويمكننا تلخيص الورشة بكلماتٍ قليلة: «الأرض مقابل المال».

تتكفل الدولة المستضيفة لمثل هذه المؤتمرات بتكاليف تنسيق المؤتمر وإخراجه، وقد تصدَّر لهذه المهمة في هذه الحالة ريتشارد أتياس، أحد أقطاب مجال التواصل وتنظيم المؤتمرات في العالم، ليتكفَّل بإنجاز المهمة، وإخراج مؤتمر المنامة وغيره من المؤتمرات على أحسن وجه.

سنتعرف في هذا التقرير على ريتشارد أتياس وأعماله، وعلى عقدٍ سجَّله في واشنطن مع شركة أمريكية يكشف عن عمله للمؤتمر.

جده كان «خياطًا» لملك المغرب.. ريتشارد أتياس في بداياته

وُلد ريتشارد أتياس في المغرب، وهو مغربي من عائلة يهودية، وكان جدُّه خياطًا للملك محمد الخامس، وعمل والد أتياس بعد ذلك في مناصب عدة بالدولة.

خرج أتياس من المغرب بعمر 16 عامًا لينتقل إلى العيش في فرنسا، ويكمل البكالوريوس في الهندسة المدنية، ومِن ثَم الماجستير في الرياضيات والفيزياء. وبعد تخرجه عمل مهندس مبيعات في شركة «آي بي إم – IBM» العالمية، ولم يتابع العمل في مجال الهندسة، وإنما انتقل للعمل في مجالٍ سطع نجمه فيه: «إدارة المؤتمرات».

صعد أتياس في المجال حتى عمل مخرجًا تنفيذيًّا لمنتدى الاقتصاد العالمي الشهير بـ«دافوس»، من 1996 حتى 2008، ومن ثم عمل في شركة «بابليكيس – Publicis» إحدى كبرى شركات التسويق والتواصل في العالم، وأسس فيها قسمًا خاصًّا للمؤتمرات العالمية المرموقة، باسم «بابليكيس لايف» لتنظيم المؤتمرات العالمية في أوروبا والشرق الأوسط.

برز اسم أتياس مجددًا بعد زواجه من سيسيليا ماريا، طليقة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وفي عام 2009 قرر أتياس تأسيس شركته الخاصة؛ فأسس شركة «ريتشارد أتياس وشركائه – Richard Attias & Associates».

العمل من خلف الستارة.. تنسيق ورشة المنامة

ومع خبرته الطويلة في منطقة الخليج، وتنظيمه لمؤتمرات عالمية، استأجرت البحرين أتياس لتنظيم ورشة المنامة الاقتصادية، وهو ما كشفت عنه وثائق وزارة العدل الأمريكية. تكشف الوثائق استئجار شركة ريتشارد أتياس وشركائه لشركة علاقات عامة أمريكية اسمها «روك سوليوشنز – ROKK Solutions».

أحد مؤسسي الشركة هو رون بونجين، خبير في التواصل، وقد عمل سابقًا في مناصب مختلفة بالكونجرس الأمريكي، وقدمت شركة روك التغطية الإعلامية للمؤتمر.

ولتنفيذ التغطية تواصلت الشركة مع مئات الصحف العالمية، مثل صحيفة «وول ستريت جورنال»، وصحف إسرائيلية مثل «هآرتس»، و«جيروزاليم بوست»، و«إسرائيل هايوم». وتواصلت الشركة مع شون تاندون، مراسل وكالة الأنباء الفرنسية لتغطية وزارة الخارجية الأمريكية، الذي استُخدمت صوره في كثير من المقالات التي غطت الورشة.

وتذكر الوثائق اتصالات مع صحافيين من قناة العربية الإخبارية، وتواصلًا مع صحافيين في جريدة الشرق الأوسط السعودية، مثل الصحافية نجلاء حبريري، التي عقدت لقاءً صحافيًّا على هامش المؤتمر مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير مستشاريه.

واستمر العقد الذي وُقِّع في يونيو (حزيران) 2019 لمدة شهرين، وبلغت المدفوعات لشركة روك 110 آلاف دولار.

من اتصالات شركة «روك سوليوشنز» لصالح البحرين مع جهات إعلامية دولية، ويظهر في الصورة تواصلها مع وسائل إعلام إسرائيلية. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.

«ليس لي دخل في السياسة»: علاقات أتياس الممتدة في المنطقة

تمتد علاقات أتياس عالميًّا من أمريكا وأوروبا وحتى الشرق الأوسط، وهو أحد مؤسسي مبادرة كلينتون العالمية، أو ما يسمى بـ«مؤسسة كلينتون»، وهي منظمة غير ربحية أسسها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، ونظَّم أتياس مؤتمرات لجهات عالمية عديدة، مثل بعض المؤتمرات لصحف «نيويورك تايمز» و«بلومبرج».

وفي الخليج العربي، يتمتع أتياس بعلاقة مميزة مع المملكة العربية السعودية وديوان الحكم فيها، وفي نهاية عام 2019، استحوذت «سنابل للاستثمارات»، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، على 49% من شركة ريتشارد أتياس وشركائه.

وتعود هذه العلاقة إلى سنوات سابقة، حين نظمت شركة أتياس مبادرة المستقبل العالمية المعروفة باسم «دافوس الصحراء»، في أكتوبر (تشرين الأول) 2018، وشهدت هذه المبادرة مقاطعةً دولية من رجال الأعمال وجهات الإعلام، إثرَ جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي.

وإضافة لإدارة شركته، يشغل أتياس حاليًّا المدير التنفيذي لمؤسسة مبادرة المستقبل العالمية.

ونظمت شركة أتياس مؤتمرات لمؤسسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الخيرية، مؤسسة «مسك». ومؤخرًا استلمت شركته مهمة تنظيم قمة مجموعة العشرين، التي استضافتها السعودية رقميًّا، نظرًا لظرف جائحة كورونا.

ولدى شركة أتياس وشركائه مكاتب في كل من نيويورك، باريس، والرباط، ودبي، وحاليًّا السعودية، حيث يدير فرعها هناك راكان طرابزوني، الذي عملَ سابقًا في صندوق الاستثمارات السعودي مسؤولًا للتواصل مع الشركات.

ونظمت شركة أتياس مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري لعام 2015، بحضور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، والذي نظم لبحث مساعدة مصر من قبل حلفائها.

ومع بداية المؤتمر ضخَّت الإمارات والسعودية والكويت 4 مليارات دولار، ويأتي المؤتمر لدعم الاقتصاد المصري والرئيس عبد الفتاح السيسي، إبان الإطاحة العسكرية بالرئيس محمد مرسي.

هذا التقرير جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.