يحكى عن ثلاثة أشقاء انجرف مركبهم وسط المحيط لمدة طويلة حتى قذفهم الموج على شاطئ جزيرة غير مأهولة. كانت جزيرة جميلة ممتلئة بأشجار الفاكهة وجوز الهند، ويتوسط كل ذلك جبل مرتفع وضخم. في الليلة التي وصلوا فيها هناك قرر الثلاثة أنهم سيعيشون على ذلك الجبل حتى يتسنى لهم رؤية العالم من أعلى، ولكن كيف سيتقاسم الثلاثة الأشقاء الجبل.

عثر الثلاثة الأشقاء على ثلاثة صخور مستديرة وكبيرة، وكان القرار كالتالي: سيدفع كل منهم صخرته لأبعد مسافة يستطيع دفعها نحو قمة الجبل. حيثما يتوقفون عن دفع الصخرة سيكون هو مكانهم الذي سيعيشون فيه. كلما ارتفعت لأعلى سوف يمكنك رؤية المزيد من العالم.

بدأ الأشقاء يدفعون صخورهم التي كانت ضخمة وثقيلة نحو قمة الجبل. توقف الشقيق الأصغر أولًا، وقال: أنا لا أستطيع أن أدفع صخرتي أبعد من ذلك، كما أن هذا المكان ملائم لي فهو قريب من الشاطئ، ويمكنني أن أصطاد سمكًا كما أشاء.

واصل الآخران الدفع والصعود، وبينما كانا في وسط المسافة نحو قمة الجبل، قرر الأوسط التوقف وقال: هذا المكان يكفيني. يوجد الكثير من الفاكهة هنا، وفيه كل ما أحتاجه. أنا أملك من المهارة والقوة أن أدفع صخرتي نحو القمة ولكنني لن أفعل. فعلى قمة الجبل لا تنمو الحشائش، ولا تطير الطيور الجميلة، ولكي تحصل على الماء فعليك لعق الثلوج ولكي تحصل على الطعام فعليك أكل الطحالب. لن أفعل كل هذا من أجل أن أرى العالم من أعلى، أنا لا آبه بذلك.

نظر إليه أخوه واستمر في دفع صخرته لشهور دون توقف حتى وصل للقمة. كان الوضع مطابقًا لحديث أخيه الأوسط تمامًا، لكنه لم يتسرب إليه الندم قط. فقد رأى العالم كله من أعلى، وعرفه العالم كله وأشار إليه.

فيما هو قادم من سطور سوف نحكي قصة الأخ الأوسط، الذي امتلك من المهارة ما يجعله يتربع على قمة الجبل، لكنه قرر عوضًا عن ذلك أن يكتفي بأشجار الفاكهة. عن رجل كان يجب أن يعرفه العالم كله ويشير إليه، ولكنه لم يأبه لذلك على الإطلاق. سوف نحكي عن آخر صانع لعب كلاسيكي في كرة القدم. سوف نحكي عن الأرجنتيني خوان رومان ريكيلمي وسوف نحكي ذلك كله في صورة حكايات متعاقبة.


الحكاية الأولى: طفل يُضرب إذا توقف عن اللعب

قبل يوم واحد من فوز الأرجنتين بكأس العالم 1978 حظي رومان ريكيلمي بطفل ذكر أسماه خوان، ربما راهن رومان أصدقاءه بأن طفله الذي يبلغ يومًا واحدًا سيكون ماريو كيمبيس جديد. كان رومان ريكيلمي جادًا في مراهناته، فالرجل الذي كان زعيم عصابة محلية يتسم بالعنف في تلك المسائل. إلا أن خوان الصغير لم يخيب آماله. كبر خوان بالفعل وهو يداعب الكرة ويلتصق بها يومًا بعد الآخر حتى التقطته أيدي كشافي نادي جونيور أرجنتينوس.

ذلك لم يكن كافيًا للأب، لم يستطع رومان ريكيلمي أن ينتظر حتى يحصل على عوائد هذا الكنز الذي يبيت في بيته كل ليلة. أجبر رومان ابنه الصغير على اللعب في مباريات تُلعب في الأساس من أجل عمليات القمار غير القانونية في حي دون توركاتو في بيونس إيرس. كان ريكيلمي الصغير يتعرض للضرب حتى لا يتوقف عن لعب كرة القدم وهو في سن العاشرة.


الحكاية الثانية: عن مارادونا الذي بعث من جديد

لم تكن موهبة ريكيلمي بتلك التي قد تخفى عن أعين كبير الأرجنتين نادي بوكا جونيورز. تمامًا مثلما أتى مارادونا من نادي جونيور أرجنتينوس إلى العملاق بوكا فعل ريكيلمي، ولكنه فعل ذلك في سن الثمانية عشر. ولمدة ستة مواسم توهج ريكيلمي بقميص البوكا كما لم يحدث منذ موسم مارادونا 1981.

قدم ريكيلمي الشكل الكلاسيكي لصانع اللعب الأرجنتيني تمامًا. القدرة على انتزاع الدهشة من قلوب بلاد تدين بدين كرة القدم ليس بالسهل على الإطلاق. يندفع ريكيلمي بالكرة نحو خمسة من المدافعين ليخرج بها في مشهد سينمائي تمامًا. يتهادى بالكرة في منتصف الملعب ثم يخدع الكاميرا بتمريرة للاعب لا يراه أحد سواه. يسدد الركلات الثابتة إذا أراد والمتحركة بعد أن يطرح واحدًا أو آخر من منافسيه أرضًا. وكأنه لا يمكن له أن يسدد الكرة إلا بعد أن يراوغ أحدهم.

أحرز ريكيلمي خمس بطولات خلال ستة مواسم مع البوكا، ثم قرر أن يسير على خطى ساحر الأرجنتين الأعظم، من جونيور إلى البوكا ثم الانتقال إلى أوروبا عبر بوابة برشلونة بالطبع.

إذا كان علينا السفر من النقطة أ إلى النقطة ب، فسيلجأ الجميع للطريق السريع للوصول بأسرع وقت. الجميع سيفعل ذلك إلا ريكيلمي. سيلجأ ريكيلمي إلى الطريق الجبلي المتعرج الذي يستغرق ست ساعات، لكنه طريق يمتع عينيك بالمناظر الطبيعية الجميلة.
تصريح «خورخي فالدانو».

الحكاية الثالثة: عن فان خال الشرير وفياريال الذي طفح به الكيل

في عام 2002 انتقل ريكيلمي إلى نادي برشلونة الإسباني، والذي كان يشرف على تدريبه الهولندي فان خال، والذي لم يكن على قناعة بالأرجنتيني القادم. كان يرى فيه صفقة انتخابية لن تفيد الفريق. لكن هل هذا يجعل فان خال الرجل الشرير في الحكاية؟ لا دعنا نوضح بعض الأمور.

إذا كنت تريد كرة قدم سريعة فأنت بالطبع لا تريد ريكيلمي، أما إذا كنت تريد كرة قدم جمالية فريكيلمي خيار مناسب تمامًا. مع انتهاء حقبة التسعينيات في كرة القدم، لم تصبح السرعة اختيارًا قد تستغني عنه كما هو في السابق. بل أصبحت ضرورية للغاية حتى لا تجد نفسك تقف مكتوف الأيدي أمام تحركات منافسيك. هناك أكثر من طريقة ناجحة بالطبع تمكنك من الحفاظ على صانع لعب كلاسيكي، لكن ذلك شريطة أن يركض هذا الكلاسيكي ولو قليلًا أو على الأقل يتحرك وفق منظومة ما، وهو ما لم يتناسب مع ريكيلمي بالطبع!

تصريح سابق لخوان ريكيلمي.

لم يتحمل فان خال ريكيلمي أكثر من موسم ليودعه قائلًا: «أنت أفضل لاعب بحوزته الكرة، لكن عندما تفقدها فالفريق يلعب ناقصًا لاعبًا»، وكان رد ريكيلمي أكثر غرابة: «لماذا عليَّ أن أركض عوضًا عن الكرة؟»

انتقل ريكيلمي إلى فياريال صاحب المستوى المتوسط حينئذ، لينقل الفريق إلى درجة أعلى فيحل ثالثًا في الترتيب ويخرج من دوري أبطال أوروبا في نصف النهائي بعد أن أطاح بعملاقي إنجلترا وإيطاليا مانشستر يونايتد وإنتر ميلان، لكن ما قدمه فياريال لريكيلمي كان كثيرًا أيضًا.

طلب المدرب الإسباني لفياريال بينيتو فلورو من ريكيلمي أن يأتي قبل نصف ساعة من المران حتى يتسنى له العمل على علاج إصابته العضلية، لكن ريكيلمي قرر أن يأتي قبل 20 دقيقة فقط من المران واستهلك ذلك الوقت في تلميع حذائه. أعاد ريكيلمي فعلته تلك بعد ثلاثة أيام ليقرر بينيتو استبعاده من الفريق، لكن ريكيلمي تواصل مع رئيس النادي وطلب اللعب، وهو ما حدث، وبدلًا من أن يستبعد ريكيلمي من الفريق تمت إقالة بينيتو.

استجاب فياريال لطلبات ريكيلمي كاملة، طائرة محملة بأصدقاء ريكيلمي من حي دون توركاتو الأرجنتيني، لم يلقوا بالًا لإصاباته غير المبررة، غضوا النظر عن الحصص التدريبية التي لم يكن يحضرها، لم يبدأ ريكيلمي مباراة واحدة كاحتياطي خلال موسمين، فقد تم بناء الفريق حوله.

سمح له بالسفر للأرجنتين لحضور ميلاد ابنه، وعندما عاد أعلن أنه لا ينوي التدرب، كان قد طفح الكيل بمدرب فالنسيا ذلك الوقت مانويل بيلليجريني، وطفح كيل رئيس النادي الذي صرح: «سيفي ريكيلمي بجميع التزاماته تجاه النادي وإلا فسيكون في مشكله شخصية معي أنا». لقد طفح كيل فياريال بأكملها بينما ريكيلمي لا يأبه بذلك كله، فكانت العودة للأرجنتين.


الحكاية الرابعة: عن بوكا وأشجار الفاكهة

أنا لم أؤمن أبدًا بالتكتيكات، كرة القدم بسيطة للغاية. إذا كنت أفضل من منافسك فستفوز.

عاد ريكيلمي إلى نادي بوكا جونيورز عام 2007 بعد خمس سنوات قضاها في إسبانيا دون أن يحقق بطولة. ولمدة 7 سنوات كان ريكيلمي يتوسط فيها منتصف الجبل ويتناول ما يحب من الفاكهة في الأرجنتين. يعشقه جماهير البوكا ويبقى لغزًا في أوروبا.

ربما أتى ريكيلمي في الزمن الخطأ، فنيًا كان قادرًا على تعويض بطء حركته بمهاراته ورؤيته الثاقبة، لكن أمورًا مثل عدم حبه للتدريب أو كرهه للتكتيكات أطاحت به من قمة لاعبي الكرة. وبكل أمانة، هو لم يهتم لهذه القمة أبدًا!

القصة في المقدمة مستوحاة من الكاتب هاروكي موراكامي في روايته «بعد الظلام».