محتوى مترجم
المصدر
Foreign Affairs
التاريخ
2016/02/18
الكاتب
ميتش جينسبرج

في ليلة 30 يوليو من العام الماضي 2015، انتظر عميرام بن أوليل، ابن أحد الحاخامات ذي الواحد وعشرون عامًا، أحد أصدقائه في كهف بقلب الضفة الغربية. فقد خططا لموعدٍ هناك، بين رام الله ونابلس، قبل أن يتوجها إلى قريتي دوما ومجدل بني فضل الفلسطينيتين، حيث سيرتكبا جريمة قتل.عندما لم يأت صديق بن أوليل، تابعه مهمته وحيدًا، سائرًا على قدميه إلى دوما. وعند أطراف القرية، وفق ملخص الواقعة الذي أصدره محققون إسرائيليون، لف بن أوليل رأسه بقميصٍ وارتدى قفازين. وإثر وجوده وحيدًا في قرية فلسطينية ملتحفًا بملابس سوداء، بحث عن منزل مأهول بالسكان.تعود ملكية أول منزل صادفه في طريقه لمأمون الدوابشة، وهو أب لخمسة أطفال ويعمل بالبناء، والذي تواجد في تلك الليلة في نابلس مع زوجته وأطفاله. فكتب بن أوليل كلمات «الانتقام» و«يحيا الملك المسيح» مستخدمًا رشاش الرذاذ ثم ألقى زجاجة المولوتوف الأولى، ضمن زجاجتين أحضرهما معه، داخل المنزل. فانتشرت ألسنة اللهم سريعًا في المنزل، ولكنه كان خاليًا. ثم تحول صوب منزلٍ مجاورٍ، خاصٍ بسعد وريهام الدوابشة، وهما زوجان شابان. وجد الشاب أن أول نافذتين كانتا مغلقتين بإحكام، بينما كانت الثالثة مفتوحة. وتقول الرواية أنه أشعل الزجاجة الثانية وألقاها داخل المنزل، ثم لاذ بالفرار.قتلت النيران الزوجين، وطفلها الرضيع ذي الثمانية عشر شهرًا، علي، وأحدثت جروحًا بالغة بالعضو الوحيد المتبقي من الأسرة، أحمد الدوابشة، ذي الأربعة أعوام.مثلت جريمة القتل آنفة الذكر لحظة مروعة في تاريخ الإرهاب اليهودي. ولكنها ليست الأولى من نوعها. ففي مارس 1949، قبل أن تحتفل إسرائيل بذكرى تأسيسها الأولى، هرّب مسلح يهودي – مختل عقليًا وحريص على بناء الهيكل، أكثر الأماكن قدسية في اليهودية والذي دمره الرومان عام 70 ميلادية، وبُني مسجد قبة الصخرة الحالي على أنقاضه – مدفع رشاش إلى داخل الكنيست، البرلمان الإسرائيلي، وحاول فتح النار على الموجودين.

يتكوّن اليمين المتطرف في إسرائيل من معسكرين متداخلين على نحو طفيف ولكنهما مختلفين بالأساس، وهما؛ المُخرِّبين والمُتعصِبين.

وفي العام التالي، بدأ تنظيم يهودي أطلق على نفسه «عهد المتعصبين» جمع الأسلحة النارية والمتفجرات واستهداف المؤسسات العلمانية. وفي عام 1995، قتل متطرف يهودي يميني رئيس الوزراء إسحاق رابين رميًا بالرصاص. وتَطوُل قائمة الأعمال الإرهابية اليهودية.رغم عدم اقتراب مستويات شيوع حدوثه أو دمويته من نظيراتها الخاصة بـ «الهجمات الإرهابية العربية ضد اليهود في إسرائيل»، إلا أن الإرهاب اليهودي قد شكّل المجتمع اليهودي.يأتي معظم الإرهابيين اليهود حاليًا من أقصى اليمين، كسابقيهم، ولكنهم يختلفون عنهم في نوع من يستهدفونهم ومقاصدهم النهائية. حيث يتكوّن اليمين المتطرف في إسرائيل من معسكرين متداخلين على نحو طفيف ولكنهما مختلفين بالأساس، وهما؛ المُخرِّبين والمُتعصِبين.يهتم المعسكر الأول بشكل أساسي بمنع الزواج المختلط والاندماج بين العرب واليهود، سواء في المدارس أو على ملاعب كرة القدم؛ ويدعم الكثيرون منهم فريق كرة القدم «بيتار القدس»، الذي يظل حتى الآن الفريق الوحيد في الدوري الإسرائيلي الذي لم يلعب أبدًا أمام فريق عربي. ويستقر هذا المعسكر في أغلبه بالقدس والأحياء اليهودية بالخليل. ويضم في صفوفه الناشط السياسي بينتزي جوفستاين وأعضاء تنظيم أقصى اليمين الذي يترأسه، «ليهافا».بينما يتجمع المعسكر الآخر حول قمم التلال في الجزء الشمالي من الضفة الغربية، وتسعى عناصره الأكثر تطرفًا لإعادة بناء الهيكل وتطبيق الشريعة اليهودية على كامل أراضي الدولة. كلا المعسكران قادران على القتل، ولكن طريقة عملهما مختلفة تمامًا.في أغسطس 2014، نجحت منظمة «ليهافا»، التي يسعى وزير الدفاع موشيه يعلون وفق تقارير إلى تصنيفها منظمةً إرهابية، في تصدر نشرات الأخبار لعدة ليالي عندما احتج أعضائها خارج القاعة التي تزوج بها مسلم ويهودية من يافا. وسابقًا خلال هذا الشهر (فبراير 2016)، ألقي القبض على ضابط بالشرطة الإسرائيلية لتزويده الحركة بأسماء وأرقام بطاقات الهوية الخاصة بنساء يهوديات تم توقيفهن في نقاط التفتيش الروتينية وتبين أنهن يواعدن رجال عرب.خلال حرب الخمسين يومًا في غزة بصيف 2014، وبعد اختطاف وقتل ثلاثة مراهقين يهوديين إسرائيليين، كان أعضاء هذا المعسكر هم من نزلوا إلى شوارع القدس في بعد ظهر أحد الأيام، واقتربوا من المارين العرب متحدثين معهم بلهجة عدائية، وهم أيضًا الذين، بعد عدة أيام، نفذوا عملية قتل الطفل الفلسطيني محمد أبو خضر، وعمره 16 عامًا.قال دفير كريف، وهو ضابط سابق قضى 23 عامًا بالخدمة وتقاعد مؤخرًا من وحدته بجهاز الشاباك – وهو الجهاز الأمني المعني بأمن الداخل الإسرائيلي – المختصة بمكافحة الإرهاب اليهودي، إنه في يوم الثاني من يوليو، اليوم التالي لمقتل أبو خضر، كانت ملامح القتلة الثلاثة واضحة مباشرة أمامه. فحقيقة أنه كانوا أغبياء كفاية لتنفيذ جريمتهم في منطقة بها كاميرات مراقبة؛ وأنهم حاولوا اختطاف طفل عمره سبعة سنوات في يوم الأول من يوليو ثم حاولوا مجددًا في الليلة التالية؛ وأنهم قادوا سيارة غير شائعة الاستخدام؛ وأنهم بعد نجاحهم في خطف أبو خضر صبوا البنزين داخل حلقه وأحروقوه حيًا؛ جميعها جعلت الأمر واضحًا أن الجناة ليسوا متعصبين من تلال الضفة الغربية، بل مُخرِّبون.أوضح كريف: «صب البنزين داخل حلق أحدهم يمثل سلوكًا إجراميًا»، وتابع: «الأشخاص المقيمون حول قمم التلال ليسوا مجرمين. إنهم مجرمون مدفوعون فكريًا، وهناك فرق بينهما».


براميل متفجرة

استولى مستوطنون شباب يهود على القليل من قمم التلال في الضفة لأول مرة خلال التسعينيات، فيما مثّل انتهاكًا للقانون الإسرائيلي، ولكنه عادة ما جرى مع تعاون ضمني أو فعلي من جانب الدولة. وعادة ما مال جيل آبائهم إلى اعتبار دولة إسرائيل مقدسة، إلا أن هؤلاء المستوطنون الجدد مالوا إلى اعتبارها عقبة في طريق الخلاص الديني.في البداية، كان لمخربي التلال قادة – رجال مثل آفري ران، وهو قائد سابق بالجيش له كاريزما نشأ في منزل علماني قبل أن يصبح متشددًا دينيًا – وحاخامات، الذين قدموا الإرشاد الروحي والانضباط بأنواعه لتابعيهم. والآن، بعد مرور 20 عامًا، تجاهلت مجموعة صغيرة قادتها، الذين عادة ما ينصحونهم بصورة ما بضبط النفس، ولا يسعون فقط للإضرار بالفلسطينيين الأبرياء وردع الهجمات العربية على المستوطنين، بل أيضًا إلى الإطاحة بالحكومة الإسرائيلية. وقد كان بن أوليل أحد هؤلاء المتعصبين القابعين فوق التلال.

تتمثل نقطة البدء لتمرد المتطرفين اليهود في أن «دولة إسرائيل» ليس لها حق الوجود.

يقول بيان مجهول المصدر صادره الشاباك أثناء التحقيق بصدد العديد من الهجمات التي نفذها متطرفون يهود، «تتمثل نقطة البدء للتمرد في أن دولة إسرائيل ليس لها حق الوجود». بينما شملت الأهداف النهائية: «بتر الوثنية» في إسرائيل، وبناء هيكل جديد، ومسح الملك بالدهن المقدس(أي «تمسيحه» وقد شاع استخدام هذا الفعل في كتاب العهد القديم، ومن هنا نستنتج أن كلمة «مسيح» في العهد القديم تعنى الممسوح «بالدهن المقدس»، وما ما كان يتم للأنبياء والملوك والأمراء)، وطرد جميع غير اليهود، و«كخطوة أولية»، التطبيق الإلزامي للشريعة اليهودية على المجال العام. يبدو أن الدولة الإسرائيلية تصبح مهددة أينما تصادمت الديمقراطية مع اليهودية، حيث يتابع البيان، «وما سنفعله هو أننا سنشعل جميع تلك البراميل المتفجرة».يفسر ذلك استهدافهم المتكرر لدور العبادة المسيحية، على سبيل المثال. حيث يعتبرون الكاثوليكية مذهبًا وثنيًا، وبالتالي فإنها هدف شرعي، وتمثل الحرية الدينية التي تقدمها إسرائيل لمواطنيها أحد «البراميل المتفجرة» التي حاولوا إشعالها.ينطبق نفس الأمر على قتل المواطنين الفلسطينيين؛ فيبدو الأمر سيئًا بالنسبة للحكومة، ويُعجّل، مثلما يأملون بخروج غير اليهود عن أراضي الدولة.يعتبر العدد الإجمالي للأشخاص المستعدين للتصرف وفق هذا الفكر ضئيلًا. حيث قال كريف، الذي كان أول ضابط بالشاباك يتحدث مع قاتل رابين في ليلة موته (نشر مؤخرًا كتابًا عن الاغتيال)، والذي قضى العقدين التاليين في العمل بذلك الاختصاص، إن عدد هؤلاء الأشخاص كافيٍ لـ «ملأ حافلتين»، وأنهم مدعومين من قبل 500 شخص آخر.ولكن جرائم القتل بدوما تمثل جرس إنذار لمسئولي إنفاذ القانون في إسرائيل، بسبب الطبيعة المروعة للجريمة، ولأن العنف لن يتوقف دون إجراء محاكمات. علاوة على ذلك، بدا واضحًا أن ما يبدأ كعنف ضد الفلسطينيين عادة ما ينتشر ليصبح عنفًا ضد اليهود.وبذلك تخلى الشاباك عن لباقته. وأثناء التحقيق بصدد جرائم القتل بدوما، سعى للحصول على تفويض المدعي العام باستخدام «وسائل خاصة» في الاستجوابات، وقد حصل عليه بالفعل. جدير بالذكر أنه في عام 1999، حكمت المحكمة العليا الإسرائيلية بأن التعذيب – ربط السجناء، والحرمان من النوم، والإجراءات المشابهة للإيهام بالغرق – غير قانوني تحت جميع الظروف؛ إلا أنه في حالة وجود قنبلة موقوتة، قد يختار المدعي العام ألا يحاكم أحد عناصر الشاباك للجوئه لمثل تلك الوسائل. وتقول مزاعم إن الشاباك قد عذّب عشرات الفلسطينيين المُشتِبه بصلتهم بأعمال إرهابية على مر السنوات، ولكنه لم يُطبّق أبدًا تلك الإجراءات إلى هذا الحد على مواطنين إسرائيليين.تم إلقاء القبض على عشرات المقيمين بقمم التلال. وفي الماضي، كانوا يظلون صامتين ببساطة خلال استجوابهم. وقد كانت مشاهد الحرق المتعمد أو الكتابات على الحوائط في المناطق الفلسطينية شبه خالية من الأدلة الجنائية، والمشتبه بهم، وحتى إن أشارت المعلومات الاستخباراتية الجيدة إلى الجناة، عادة ما تم إطلاق سراحهم لنقص الأدلة. ولكن في هذه المرة تم إجبارهم. حيث اعترف بين أوليل، وشريكه الغائب، وأعاد تمثيل الجريمة. ويبدو أن مدى إجباره على الاعتراف سيمثل محور محاكمته قريبًا.


حرب يأجوج ومأجوج

وحدة الشاباك التي تتعامل مع الإرهاب اليهودي صغيرة. وفي مطلع الثمانينيات، كتب رئيس سابق للشاباك في مذكرته إن الوحدة بالكامل يمكن جمعها حول طاولة بأربع مقاعد، بمن فيهم مساعد القائد. واليوم، أصبحت الوحدة أكبر ولكنها تظل منهكة، خصوصًا في ضوء أهمية مهمتيها الرئيسييتين، وهما؛ حماية المواقع الإسلامية المُقدَسة بالحرم القدسي الشريف من الهجمات التي قد تُعجِّل بحرب إقليمية، وحماية رئيس الوزراء الإسرائيلي. وقد كشف كريف أنه في كل مرة يغادر قائد للوحدة يقول لبديله في احتفال تنصيبه: «أُمرِّر إليك رئيس وزراءٍ حي وحرمًا قدسيًا سالمًا».

هناك وحدة في الشاباك تتعامل مع الإرهاب اليهودي، ومهمتها حماية المواقع الإسلامية المقدسة، ورئيس الوزراء الإسرائيلي.

واليوم، في غياب مؤشراتٍ على التنازل عن الأراضي في المستقبل القريب، ومع الحفاظ على الوضع الراهن بوصفه روحًا للشعب، يعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نسبيًا في مواجهة القليل من الخطر. ولكن ذلك لا ينطبق على الحرم القدسي الشريف ولا قضاة المحكمة العليا، الذين يراهم اليمين المتطرف على نحو متزايد كعقبات على مسار الخلاص الديني.سيُمثل حدوث اغتيال سياسي آخر من قِبل المتعصبين ضربة مُدمِرة للديمقراطية الإسرائيلية، وفق كريف، وقد يثير إلحاق الضرر بالحرم القدسي الشريف حربًا إقليمية؛ ما يبرر التعامل غير المسبوق للمشتبه بهم من قبل الشاباك.ومن جانبه انتقد اليمين المتشدد الإجراءات الجديدة بقوة. حيث دعى وزير الإسكان أوري آريئيل، المنتمي لحزب البيت اليهودي، إلى إغلاق وحدة الشاباك المسئولة عن صد الإرهاب اليهودي، بينما أنكر بتسلئيل سموتريك، العضو أيضًا بحزب البيت اليهودي، والذي يُمثّل على الأرجح العضو اليميني الأكثر تشددًا في الكنيست اليوم، وجود شيء يُدعى الإرهاب اليهودي. ولكن زعيم الفكر اليميني الأكثر انتشارًا، وزير التعليم نفتالي بينيت، الذي يترأس حزب البيت اليهودي ويمثل أغلبية المستوطنين الذين يبلغ عددهم 350,000 مستوطن بالضفة الغربية، قدم إدانة غاضبة للمتهم وعرض تقديم دعمٍ غير مشروط للشاباك.«ما نراه أمامنا هو بالتأكيد إرهاب. هؤلاء الأشخاص الذين لا يعترفون بإسرائيل كدولة شرعية ويحاولون بالفعل أن يدشنوا حرب يأجوج ومأجوج»، حسبما صرح بينيت لراديو الجيش في ديسمبر، مُستخدمًا مصطلحًا توراتيًا بمعني حرب نهاية العالم، «يجب أن نستخدم معهم أقصى قوة ممكنة، حتى نمنع حدوث دوما أخرى».كانت كلماته أقوى من أي حديث صدر عن نتنياهو حتى تلك اللحظة. وقد صُدم البعض لعدم مواربته لمقاصده. ولكن بينيت، بغض النظر عن معارضته الحادة لقتل الأبرياء، يعترف أيضًا بأن الديمقراطية الإسرائيلية ليست حاليًا في مواجهة خطر شديد؛ بل حركته (الحركة الاستيطانية) هي التي تواجه خطرًا شديدًا. وبعد سنوات من الغياب عن التوجه الرئيسي لقادة معسكر المستوطنين، وبعد الأحكام الربانية التي دعمت أحيانًا جرائم الكراهية السابقة ضد الفلسطينيين، يدرك بينيت أن روح الجماعة الخاصة بالمتعصبين يمكن أن تمس حركة الاستيطان بالسوء على نحو لا يمكن معالجته. ورغم أن فكر المخربين على الأرجح لن يجلب المسيح، فإنه سيعرقل صعود اليمين الديني إلى السلطة.