ست سنوات مرت على اندلاع الثورة السورية في 2011. تحولت الثورة إلى حرب. قصف متبادل. تدخلات خارجية. مفاوضات ومباحثات عديدة للحل، لكن دون جدوى. النتيجة عشرات الألوف من القتلى وملايين المشردين في أرجاء العالم. اليوم وفي ظل هذه التداعيات الكارثية، عقد زعماء كل من روسيا وإيران وتركيا قمة ثلاثية في مدينة «سوتشي» الروسية. قمة جاءت في ظروف وسياقات مختلفة. انتصار كبير تحقق على تنظيم الدولة في سوريا، وبدأت الدول الثلاث بزعامة موسكو الترتيب لمسار جديد نحو تسوية الأزمة سياسيًا.

المعارضة في الرياض تكشف عن وفد موحد يمثلها في «جنيف8». السعودية تفرض شروطها، وشرطها اليوم أن يبقى الأسد ضمن التسوية. ليس عيبًا في عالم السياسة أن تتخذ حليفًا، لكن العيب أن تكون المملكة هي هذا الحليف.


«انتظرِ الوصول إلى المحطةِ وابك وحدك ما استطعت»

خلال السنوات الماضية من عمر الثورة، استطاع نظام «بشار الأسد» أن يعيد ترتيب أوراقه ويغير من أدوراه دون أن يفقد أيًا من حلفائه، بدايةً من إيران وانتهاءً بموسكو، التي كان لتدخلها عامل الحسم في بقائه عسكريًا، واليوم سياسيًا. وكانت الأزمة السورية محوريةً لإعادة تشكيل التحالفات الدولية. بوتين يطرح نفسه كشريك وفيّ لا يعرف التخاذل، بينما غيره ليس على ذات القدر من الإخلاص.

وعلى الرغم من المعارضة الدولية لبقاء «الأسد» ابتداءً، بدأت هذه المعارضة تخف حدتها تدريجيًا، وامتطى الأسد جواد الحرب على الإرهاب بعدما كان هو الإرهاب نفسه. وفي وقتٍ ظهرت فيه المعارضة كبديل محتمل للنظام، تسيطر على مساحة شاسعة من الأرض. مرت كذلك بمراحل متصلة من الضعف العسكري على يد قوات النخبة الروسية، مع مزيج من التشتت في الرؤى والمواقف البينية، واقتتال داخلي أفقدها أكثر ما أكسبها. خلافًا لما خسرته بعد دخول التنظيمات الإرهابية على الخط واستيلائها على الأراضي التي كانت تحت سيطرتها.

وتشير الأنباء الحالية إلى أنها لا تسيطر سوى على 11% من الأراضي السورية، الأمر الذي أفقدها أوراق القوة لديها وجعلها تبدو وكأنها تتعامل مع المجتمع الدولي من خلال افتراضات أخلاقية، تخلى عنها المجتمع العالمي معليًا المصلحة فوق رؤوس العرب، والشرق أوسطيين عمومًا.

في هذا السياق، استضافت موسكو في الـ 22 من نوفمبر/تشرين ثاني الحالي قمة «سوتشي» بمشاركة كل من الرئيس الإيراني «حسن روحاني» ونظيره التركي «رجب طيب أردوغان».تمت دعوة وفدي الحكومة والمعارضة للمشاركة في مؤتمر حوار وطني سوري من المزمع عقده في ديسمبر/كانون أول المقبل. كذلك تم التأكيد على دعم العملية السياسية بحيث تؤدي إلى تبني دستور وإجراء انتخابات حرة، بمراقبة الأمم المتحدة.

شبه عدد من المحللين هذه القمة بمؤتمر «يالطا» لتقاسم أوروبا بعدما ظهر رجحان كفة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وبصرف النظر عن الاختلاف في حجم الحرب في سوريا بالمقارنة بالحرب العالمية الثانية، فهذا التشبيه يأتي إشارةً لأهمية القمة ودورها في تحديد مسار الأزمة. جاءت القمة مع قرب نهاية «تنظيم الدولة» في سوريا، كما شهدت اتفاقًا بين الأطراف الثلاثة الفاعلة بالأزمة، والتي تملك المفاتيح الرئيسية للحل والحرب بحكم وجودها الميداني وتأثيرها على الأطراف الرئيسية في الصراع، سواء من جانب النظام (إيران وروسيا) أو المعارضة (تركيا). كما أنها البلدان الضامنة لعملية التسوية السورية وفق اتفاق «أستانا».

بالرغم من أهمية القمة، فالأمر اللافت في هذا السياق زيارةٌ أجراها «الأسد» إلى موسكو قبل يومين من انعقاد القمة. زيارةٌ تبعث برسائل عدة مفادها أن النظام السوري ومن ورائه روسيا قد حققا النصر ضد التنظيم الإرهابي «داعش» بطرده من آخر معاقله بمنطقة «البوكمال»، وأنهما بذلك أنهيا الحرب وسيبدآن مرحلة التسوية السياسية للأزمة مع المعارضة المأزومة ميدانيًا وسياسيًا.

كذلك يبدو أن «بوتين» أراد من خلال الزيارة، أن يقدّم حليفه على أنه الطرف الأقوى في معادلة النزاع، ومقبول بين الأطراف الدولية المؤثرة، ويؤكد ذلك الاتصالات الهاتفية التي أجراها مع كل من نظيره الأميركي «دونالد ترامب» والعاهل السعودي «سلمان بن عبد العزيز» والرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، بغرض إطلاعهم على الأزمة.


السعودية: «أنا رايح فين؟ أنا راجع تاني»

في المقابل من هذا الدور الروسي الواضح بالأزمة، ثمة غياب ملحوظ للدور الأمريكي، فواشنطن لم تشارك بهذه القمة ولم تبدِ أي اهتمام بها. كما أعلنت مؤخرًا عن وقفها تسليح الأكراد في سوريا. ما يعني أنها بدأت تنسحب من التسوية وتترك مصير البلاد لمرحلة ما بعد الحرب في أيدي موسكو وطهران وأنقرة. على ذات المنوال سارت المملكة السعودية، حيث بدأت تظهر ملامح تحول استراتيجي في موقفها من المعارضة منذ أغسطس/آب الماضي، حينما اجتمع وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» بالهيئة العليا للمفاوضات برئاسة منسقها العام حين ذاك «رياض حجاب».

حض «الجبير» الهيئة على ضرورة دراسة مستجدات الصراع بينهم وبين النظام. في إشارة ضمنية إلى إدراكه لاختلال موازين القوى بين الجانبين لصالح الأسد. كذلك لمح إلى صعوبة استبعاد الأسد من السلطة في الوقت الحالي، وأن على المعارضة إعادة صياغة موقفها من النظام على أساس البحث في مدة بقاء «الأسد» في المرحلة الانتقالية، وليس إزاحته من المشهد السياسي. وذلك على اعتبار أن مجريات الأحداث تجاوزت إزاحة الأسد. مطالبات «الجبير» تشير صراحة إلى التغير في الموقف السعودي من المعارضة والسير في اتجاه الرؤية الروسية للحل والتي تتضمن بقاء «الأسد» في السلطة، وترك مصيره ليد السوريين أو ما تبقى منهم.

في ظل هذا التراجع السعودي، تزامن اختتام أعمال «قمة سوتشي»، مع استضافة المملكة لمؤتمر «الرياض2» الذي بحث تشكيل وفد موحّد من المعارضة يمثلها في محادثات «جنيف». وبالرغم من نجاح المعارضة في تشكيل هذا الوفد، إلا أن ثمة عوامل عدة يجب وضعها في الاعتبار عند النظر إلى هذه التشكيلة الجديدة.

فقد سبق اجتماع المعارضة استقالات لعدة مسئولين بالهيئة العليا للمفاوضات كان على رأسها استقالة «رياض حجاب» رئيس الهيئة وعشرة أعضاء آخرين. وترددت الأنباء في هذا الإطار عن أن الاستقالة جاءت بعد ضغوط دولية بسبب تمثيل حجاب للتيار المعارض لبقاء «الأسد». كذلك تدخلت المملكة في تشكيل الهيئة المشاركة في الاجتماع بما يصب في مسار استبعاد المعارضين لبقاء الأسد، فقد شارك به نحو 140 شخصًا، اختارت الخارجية السعودية منهم 70 شخصية (مستقلة) للمشاركة في المؤتمر. أغلبهم بلا تمثيلات حزبية، مما يفقدهم الوزن السياسي والتأثير. وكأن حضورهم صوري لأجل أن تكون هناك معارضة.

أيضًا طلبت تشكيل عشرة أعضاء من منصة القاهرة وسبعة من منصة موسكو، وهي المنصات التي دائمًا ما كانت ترفض السعودية مشاركتها باعتبار أنهما قريبتان من وجهة النظر الروسية فيما يخص بقاء «الأسد». وبذلك فإن العناصر المعارضة لبقاء الأسد جميعها تم استبعادها من التشكيلة الجديدة للمعارضة. في هذا السياق،أشارت صحيفة «لوموند» الفرنسية إلى أن الرسالة الضمنية التي بعثتها السعودية وروسيا إلى المعارضة في «الرياض2» أن عليها تشكيل وفد موحد، مع خفض سقف المطالب بشأن رحيل «الأسد». موضحةً أن المعارضة قد التزمت بهذه الرسالة، وأن مسألة رحيله في البيان الختامي للاجتماع جاءت بطريقة ملتوية كما لو كان الأمر طموحًا عابرًا وليس شرطًا مسبقًا.

حتى هذه الطريقة لم يرض بها «الأسد». و أرجأ وفد النظام سفره إلى سويسرا، أمس الاثنين، للمشاركة في محادثات «جنيف8» اعتراضًا على عبارة «رحيل الأسد عند بدء المرحلة الانتقالية» التي وردت في البيان الختامي لاجتماع «الرياض2». ويمكن القول، إنه بصرف النظر عن موقف النظام من اجتماع «جنيف8 »، فإن المعارضة في ظل هذه التشكيلة الجديدة لا يوجد أمامها في المفاوضات المقبلة سوى تعديل مطالبها بشأن التسوية، والجنوح للقبول ببقاء «الأسد» خلال المرحلة الانتقالية.