في عام 1635 وُلد «روبرت هوك» في منطقة فريش ووتر بإنجلترا، وكان والده (جون) راعيًا للكنيسة، لكنه وُلد معلولًا، حتى إنه عاش على اللبن ومشتقاته منذ ولادته ولمدة سبع سنوات، وكان جسمه ضئيلًا ونحيلًا، مما جعل الأسرة تُهمِل تعليمه، فلم تُرسِله إلى المدرسة، وتُرك لخياله العجيب، فكانت له قدره هائلة على الرسم والفن والصناعة وبناء النماذج والأجهزة، وكان يستمتع بتفكيكها وإعادة تركيبها.

تمر الأيام ويموت هوك الأب في عام 1648، وبالميراث الذي ورثته الأسرة أُرسل روبرت إلى لندن للعمل والتعلم عام 1653، حيث كان يعمل كمُرتِّل في جوقة أوكسفورد، وهناك تعرَّف على العلماء الأكثر تأثيرًا في لندن، فكان روبرت صديقًا للمعماري «كريستوفر رين»، ثم سرعان ما أصبح مساعدًا للكيميائي «روبرت بويل» و«جون ويلكنز» والدكتور «توماس ويليس». وبفضل مهاراته في التصنيع وإجراء التجارب، استغل بويل مهارات هوك في الميكانيكا وساعده على بناء أول مضخة هواء عام 1658، وهذا ما ساعد بويل على إجراء تجاربه في المحرك الهوائي.

اخترع هوك في تلك الأثناء الأداة المعروفة باسم مُثبِّت ميزان الساعة (Anchor Escapement)، حيث تساعد تلك الآلة على تأرجح ساعة البندول. وعندما تم تأسيس الجمعية الملكية في لندن عام 1660، على يد العالم «جون ويلكنز»، وكان مقرها كلية غريشام، رشح «روبرت بويل» هوك ليكون أمين التجارب في الجمعية، مما جعل هوك يترك أوكسفورد ليتفرغ للجمعية، حيث أصبح زميلًا فيها.

إنجازاته العلمية

في عام 1665 أصبح هوك أستاذًا للهندسة في كلية غريشام، وحين وقع حريق لندن الكبير عام 1666، والذي قضى على أغلب لندن وأصبحت مدينة بلا ملامح، ظهرت براعة هوك الهندسية، حيث ساعد المعماري كريستوفر رين، وقام ببناء نصب تذكاري كبير للحادثة، ووضع مخططًا لإعادة إحياء وبناء لندن من جديد. وفي ذلك العام أيضًا نشر أشهر كتبه على الاطلاق وهو كتاب «الرسم الميكروسكوبي» Micrographia، حيث كان أول كتاب في الفحص الميكروسكوبي للكائنات الحية.

نُشِر الكتاب باللغة الإنجليزية، وكان أول كتاب رسمي للجمعية الملكية، فذاع صيت هوك بين الناس لما حواه الكتاب من رسومات دقيقة لحشرات وكائنات غريبة، ووصفه لتلك الكائنات، بل الأهم اختراعه لجهاز الميكروسكوب. وكان هوك أول عالم متخصص في الميكروسكوب، وكان ثاني عالم يخترعه بعد الهولندي ليفنهوك، لكن شكل ميكروسكوب هوك كان مُركبًا أكثر ومتطورًا مقارنة بليفنهوك، حيث كان يتميز عن ليفنهوك باستخدام عدستين مكبرتين وليس واحدة.

وجاء أيضًا كتاب هوك سهلًا وواضحًا، وبالإنجليزية وليس باللاتينية كما كان شائعًا حينئذٍ، وهذا ساعد على انتشار الكتاب أكثر بين الناس. وكما يقول «جون جريبن» في كتابه «تاريخ العلم» واصفًا الكتاب:

ليس من المبالغة في شيء القول إنه كان مُهمًّا لفتح أعين الناس تجاه العالم الأصغر، مثلما كان كتاب جاليليو (الرسول النجمي) مهمًّا في فتح أعين الناس على الكون بمعناه الواسع.

احتوى كتاب هوك على اكتشافاته وملاحظاته الميكروسكوبية، فكان أول شخص يطلق مصطلح الخلية Cell، فحينما كان ينظر إلى الفلين تحت ميكروسكوبه لاحظ غرفًا صغيرة تشبه الزنزانة أو الغرف التي يسكن فيها الرهبان، وقد عرَّف الخلية بأنها البنية الأساسية التي تتكون منها جميع الكائنات الحية، وكتب عن البنية الخلوية لطبقة الفلين وأجنحة الفراشات وشكل عين الذبابة، وتحدث أيضًا عن الأحافير ومعناها، حيث كان هوك يراها بقايا كائنات ونباتات كانت في قديم الأزل حية، ومنها استنتج أن طبيعة الحياة على الأرض قديمًا تعرضت لتحولات كبرى، وأن مناطق في السابق كانت بحارًا أضحت يابسة والعكس، واقترح أيضًا أن الأنواع تخضع لشكل من أشكال التطور، وهذا كان قبل أن يتقدم داروين بنظرية التطور بمائتي عام.

كان لهوك أيضًا اهتمامات كيميائية، منها نظريته عن الاحتراق، حيث كان العلماء حينها يعزون تلك الظاهرة إلى مادة تشبه النار تُسمى الفلوجستون، أمَّا هوك فكان يرى أن الاحتراق يعتمد على مادة مرتبطة بالهواء.

أفكاره الفيزيائية

بنى هوك أفكاره الفيزيائية على أساس أن الضوء عبارة عن موجات. وكان قد لاحظ أن الطبيعة يوجد بها أغشية رقيقة، تشكل أنماطًا معينة من الضوء، وذلك في صورة حلقات مثل الألوان التي تظهر في جناح حشرة أو سقوط نقطة بترول في الماء أو حتى ألوان قوس قزح. أثبت هوك أن تلك الحلقات نتاج تداخل للضوء المنعكس من طرفي الغشاء، تلك الظاهرة سُميت لاحقًا بـ «حلقات نيوتن».

وصف أيضًا حيود الضوء، وأوضح الفرق بين تداخل الضوء وحيوده. وكان قد اخترع البارومتر لقياس الضغط الجوي، ولاحظ التغيرات في الطقس، فكان بذلك أول عالم للأرصاد الجوية.

وفي نهاية كتابه، بلور فلسفته العلمية قائلًا:

الحقيقة هي أن علم الطبيعة ظل زمنًا طويلًا مجرد عمل من أعمال المخ والمُخيِّلة فقط، لكن الوقت حان للعودة إلى بساطة ووضوح وصدق المشاهدات في موضوعات البحث المادية.

هنا نلاحظ أن هوك يُنادي بالمبادئ التجريبية، لأنه حينها لم يكن التجريب جزءًا أساسيًّا منه. أمَّا أكثر شيء اشتهر به هوك فهو قانونه في المرونة، والذي وضعه عام 1678، وفيه يصف طبيعة الأجسام المرنة، وينص على أن القوة اللازمة لتمديد أو ضغط زنبرك بمسافة ما، فإن تلك القوة تتناسب طرديًّا مع المسافة.

أمَّا بالنسبة لفلسفته الفلكية، فقد وضع في كتابه وصفًا لأجسام كوكبية بعيدة باستخدام تليسكوبه، فكان يرى أن جميع الأجرام السماوية لها قدرة على الجذب تجاه مراكزها، وكلما كانت القدرة على الجذب أكبر، تأثر الجرم بها أكثر وأصبح أقرب، وقال إن الأجرام تتحرك في حركة دائرية بسرعة ثابتة.

علاقة هوك التنافسية بنيوتن

لا يُعرف بالضبط متي بدأ التنافس بينهما، لكن على الأرجح بدأ ذلك عام 1672 أو عام 1679، حينما بدأ بعمل مراسلات مع نيوتن حول الجاذبية. كان نيوتن أصغر من هوك بحوالي سبع سنوات، وفي ستينيات القرن السابع عشر كان هوك زميلًا في كلية «تريتني» في جامعة كامبريدج وكان يدرس الرياضيات، ثم ترك منصبه بزعم تفرغه للدراسات الدينية، ثم عاد إلى كلية ترينتي رئيسًا وقسيسًا.

في تلك الفترة عكف على تجاربه العلمية في مجال الضوء، باستخدام المنشورات، حيث لاحظ أن اللون الأبيض للضوء حين يمر في المنشور ينفصل إلى ألوان قوس قزح، وبالتالي استنتج أن الضوء الأبيض هو مزيج من الألوان. وحينما وصل إلى نتيجته تلك، لم يخبر أحدًا بها، حتى إنه لم يقل لأحد إنه يقوم بتجارب أصلًا.

بالتوازي مع ذلك، صنع نيوتن تليسكوبًا عاكسًا، وكان هذا هو الأول من نوعه، ثم ذهب إلى الجمعية الملكية بلندن وعرض بعضًا من إنجازاته على الجمعية الملكية، وتقدم لهم ببحث شامل عن الضوء والألوان، وكان نيوتن يُفضِّل النظرية الجسيمية للضوء، حيث الضوء ما هو إلا عبارة عن جسيمات وليس موجات كما يعتقد هوك. وتبين في ورقته تأثره واقتباسه من كتاب هوك، لكن حينما ناقشته الجمعية في ذلك حاول التقليل من شأن الكتاب، وأيضًا بسبب اختلاف وجهة النظر تجاه الضوء. ولَّد ذلك الحساسية والعداوة بين نيوتن وهوك، حيث كان يرى نيوتن أن الضوء عبارة عن جسيمات، وهوك يرى الضوء عبارة عن موجات. وهنا شعر هوك بالاستياء، حيث إن نيوتن كان يشعر في قرارة نفسه أنه يمتلك أعظم القدرات العقلية، وهذا ما جعله ينظر للعلماء الآخرين بنظرة تكبر واستعلاء، وأنهم أقل شأنًا منه.

في عام 1687 نشر نيوتن أعظم كتاب علمي على مر التاريخ، وهو كتاب «البرينكبيا: أو الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية»، وفي الجزء الأول من الكتاب كانت من ضمن مبادئ نيوتن قانون التربيع العكسي الذي يصف حركة الكوكب. وعلاقة هوك بذلك القانون هي أنه في عام 1664 كان قد توصل إلى كيفية حركة الكواكب، حيث قال بأن الكواكب تتحرك حركة مدارية في خط المستقيم، وذلك الخط انحنى بفعل الجاذبية، وتلك الجاذبية تكون في تناسب عكسي تربيعي مع عكس المسافة من مركز الجذب، أي بعبارة أخرى قانون التربيع العكسي، لكن الذي كان ينقص هوك هو صياغة فكرته في صورة رياضية، وحيث لم يكن منشغلًا أو مهتمًا بالرياضيات، فلم يُولِ القانون أهمية، لكن نيوتن انتهز الفرصة، ووضعه ضمن قوانين التفاضل والتكامل.

ادَّعى هوك ملكيته لقانون وصف حركة الكواكب، وهو ما أغضب نيوتن كثيرًا، فهدَّد بعدم نشر الجزء الثالث من كتابه الأشهر. ثم كتب هوك إلى نيوتن رسالة قال فيها:

أقر بأنك في دراستك للضوء قطعت شوطًا أكبر مما ذهبت أنا، وأعتقد أنه ليس بالإمكان أن ألتقي بمن هو أقدر منك وأكثر ملاءمة لبحث الموضوع.

ثم ردَّ عليه نيوتن قائلًا كلمة سمعناها كثيرًا، وتُفهم للوهلة الأولى بأنها شيء عظيم، فيقول نيوتن:

إن ما أنجزه ديكارت يمثل خطوة جيدة، وأضفت أنت بوسائل عديدة وبخاصة إدراج ألوان الألواح الرفيعة التي تخصك في الفكر الفلسفي، وإذا كنت أنا رأيت ما هو أبعد كثيرًا، فذلك لأنني أقف على أكتاف عمالقة.

لوهلة قد تظن أن نيوتن قال كلامًا قديرًا، لكن الحقيقة هي أن نيوتن تأثر كثيرًا في حياته برياضيات ديكارت، وكان ديكارت طويلًا وعملاقًا، بينما كان هوك قصيرًا وضئيلًا، فهنا يضع نيوتن هوك في مكانة ليست بمكانته، ومعنى الكلام أن نيوتن لم ولن يتأثر في أعماله بقزم يُسمى هوك. ونتيجة لتلك المشاحنات بينه وبين هوك أبقى نيوتن على نظرياته وآرائه بخصوص الضوء بعيدًا عن هوك.

توفي هوك في مارس/أذار من عام 1703، وتولَّى مكانه نيوتن رئاسة الجمعية الملكية، وهذا ما جعل الظروف مثالية لنشر أفكاره بخصوص الضوء، فأصدر نيوتن ثاني أشهر كتبه على الإطلاق، وهو كتاب «البصريات»، حيث لن تأتيه المضايقة من قبل هوك.

وعندما صار موقع الجمعية الملكية في كلية غريشام لم يعد مناسبًا اضطر نيوتن إلى الانتقال إلى مكان جديد، وهو حي كرين كورت الموجود في وسط لندن، وبينما كانت عملية نقل صور العلماء إلى المكان تتم بإشراف نيوتن، كانت صورة العالم الوحيد الذي لم يتم نقلها هي صورة العالم روبرت هوك، حيث قام نيوتن بحرقها، وإلى الآن لا نعلم شكل روبرت هوك الحقيقي. والصورة التي تراها غلافًا للمقال تم رسمها بناءً على الأوصاف التي تمت كتابتها عن هوك.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.