إيطاليا بأكملها يسودها الصمت، لا أحد ترمش له عين في تلك اللحظة، تشير النتيجة إلى ثلاثة أهداف للبرازيل، مقابل اثنين لإيطاليا.

أرسل فرانكو باريزي الركلة الأولى إلى السماء بغرابة، وأتبعه دانيللي ماسارو بإهداء الركلة الرابعة، إلى يد تافاريل، وكان باليوكا أنقذ الركلة الأولى، التي نفذها ماركو سانتوس.

الآن باجيو يتقدم للخامسة في محاولة للتمسك بالأمل الأخير في الحصول على كأس العالم. لم يفكر أحد أن باجيو يشعر بأي ضغوط لتسديد ركلة جزاء، فقد قيل عنه من قبل: إن الجليد يسري في عروق هذا الرجل، فباجيو يمتلك أعصابًا فولاذية أمام المرمى، هو ينظر ويقرر وينفذ قبل حتى أن تلحظ ذلك. يرجع باجيو بضع خطوات للخلف، ينظر إلى الحكم منتظرًا إشارته، وقد حدث؛ فينطلق مسرعًا نحو الكرة، أرادها سريعة قوية أعلى يمين تافاريل، حتى لا يتصدى لها، فلا وقت الآن إلى تألق الحراس، ولكن الكرة إلى خارج المرمى تمامًا. ينظر باجيو نظرة متفاجئة محاولًا إدراك ما يحدث، ثم نظرة أخرى إلى الأرض، ثم يفقد السيطرة على دموعه، ما زالت إيطاليا صامتة تمامًا، فلا أحد يصدق ما حدث.

لم تكن تلك أول ضربة ترجيح تصنع أسطورة الرجل صاحب أشهر ذيل فرس، آنذاك، ولم تكن الأخيرة كذلك، فباجيو مسيرته تليق به كأسطورة، لعبًا ونتائج، ودراما أيضًا.

إنه أحد أعظم لاعبي كرة القدم في التاريخ على الإطلاق.
بيليه
كنت محظوظًا بمشاهدة جوزيبي مياتزا بنفسي، لا أحد يذكرني به سوى باجيو.
الكاتب الإيطالي جياني بيريرا

بدأ باجيو في التوهج بقميص فيورنتينا، بعد أن قضى ثلاثة مواسم مع فيتشينزا، أحرز فيهم ثلاثة عشر هدفًا، وجائزة أفضل لاعب بالدوري الإيطالي للدرجة الثالثة، وهو لم يتعدّ عامه الثامن عشر. انتقل باجيو إلى فيورنتينا، الفريق الذي أكد باجيو أنه أفضل فريق كان مستمتعًا باللعب له. خمسة مواسم قضاها باجيو في فيورنتينا، أصبح بعدها ملك فلورنسا المتوّج. لم يظهر باجيو في موسمه الأول بفيورنتينا في الدوري، في الموسم الثاني أصيب في ركبته، استلزمت هذه الإصابة 220 غرزة داخلية لتصحيح الركبة، فقَدَ باجيو مهارته خلال تلك الإصابة، الأمر الذي أبعده عن المشاركة في معظم مباريات الموسم، فلم يظهر إلا وهو يحرز هدفًا وحيدًا، كان من ركلة ثابتة أمام نابولي، ونجمه مارادونا. ساعد هذا الهدف في بقاء فيورنتينا في الدوري، ثم بدأ باجيو في التوهج بالمواسم الثلاثة التالية.

شاب نحيل يترك شعره الأشعث يتدلى حتى أول ظهره، لم تحظَ فلورنسا برجل مثل هذا من قبل، لم ترَ إيطاليا هذا الكم من المهارة من قبل أحد الطليان من قبل. بسبب باجيو، ومن مثله كان الدوري الإيطالي جنة كرة القدم. انطلق باجيو بطريقته الفريدة جدًا، فهو يراوغ من منتصف الملعب، حتى مرمى الخصم إن لزم الأمر، يسدد في الزاوية التي يختارها، وفي المكان المحدد، وكأنه درس الأمر من قبل، يسدد الركلات الحرة، وكأنها ضربات جزاء، يسدد ضربات الجزاء بإتقان كامل. كان أهم ما يميز باجيو أعصابه الفولاذية بجانب مهارته الفريدة، كان باجيو هو المثال الحي على طريق لعب صانع الألعاب في الكرة الحديثة، كان أفضل رقم 10 على الإطلاق، حتى أن إنتاجيته كانت أفضل من مارادونا آنذاك.

إن هذا الرجل تتغنى الملائكة بقدمه.
ألدو أجروبي، مدرب فيورنتينا

وحدث ما يحدث دائمًا للفرق التي تشبه فيورنتينا، العرض الذي لا يمكن رفضه، عرض بـ19 مليون دولار قُدِّم من قبل يوفنتوس مقابل باجيو ليصبح أغلى لاعبي العالم في سوق الانتقالات. لم تستطع إدارة فيورنتينا أن ترفض، ولكن جماهير فلورنسا لم تقبل الأمر أبدًا. انطلقت ثورة في الشوارع، أعمال شغب، ومحاولات لاقتحام النادي، الأمر الذي أدى إلى إصابة أكثر من 50 مشجعًا من جماهير فيورنتينا، كان عشاق الكرة يدافعون عن حقهم في المتعة، حقهم في أن يمتلكوا ذيل الفرس، حقهم في أن يذهبوا إلى ملعب أرتيميو فرانتشي ليحظوا بمتعة أكيدة، دون النظر إلى الفوز أو الهزيمة. لماذا يكون دائمًا نصيبهم من الكرة هو الفتات؟ فلتذهب ملايين اليوفنتوس إلى الجحيم، فملك فلورنسا سيبقى بها، ولكن المال يتحدث دومًا بصوتٍ أعلى من الكل، حتى ولو كان صوت مدينة بأكملها يهتف بعشقٍ صادق.

الأحد السابع من إبريل/ نيسان 1991، اليوفنتوس يقابل فيورنتينا في الأرتيميو فرانتشي، فلورنسا تشاهد ذيل الفرس مرة أخرى، ولكن بقميص البيانكونيري، فيورنتينا يتقدم بهدف، ثم يدخل باجيو من يسار الملعب يراوغ لاعبين، فيمسك أحدهما بيديه داخل منطقة الـجزاء، ويحتسب الحكم ركلة جزاء؛ الجميع ينظر إلى باجيو.

لن أفعلها يا جوليو، قل لهم أي شيء، باجيو لا يخون من تغنى باسمه خمس سنوات، هؤلاء يحبون الكرة أكثر من أنفسهم. لن تأتي الضربة مني أبدًا، لا يهمني يا صديقي، فليعاقبونني كما يشاءون، لن أجرؤ على فعلها أبدًا، قل لهم إن ماركو يعرف كيف أسدد ركلات الجزاء، قل لهم أي شيء.

قالها باجيو لـجوليو سيزار، رافضًا أن يسدد ركلة الجزاء، خسر يوفنتوس، وتم استبدال باجيو، الذي مر بجانب جماهير فيورنتينا، فهو يعرف بعضًا من تلك الوجوه، ألقوا إليه كوفيات الفريق التي أتوا بها، لم يستطع أن يتركها أو يمر بجوارها دون اكتراث، التقطها من الأرض، ولم يستطع أن يحبس دموعه. كانت تلك الركلة الأولى في تكوين أسطورة ذيل الفرس.

في أعماق قلبي، أنا دائمًا أفضّل الأرجواني؛ لون قميص فيورنتينا.

لعب باجيو ليوفنتوس خمسة مواسم، أحرز فيها 78 هدفًا، كان الأفضل في إيطاليا على الإطلاق. إلا أن الموسم الأخير، الذي تلا الإخفاق في كأس العالم، تولى قيادة السيدة العجوز السيد مارشيلو ليبي، أكثر مدربي كرة القدم قسوة، وأكثرهم قوة شخصية على الإطلاق. أصيب باجيو، وعندما عاد، بدأ ليبي يعتمد على الشاب الواعد أليساندرو ديل بييرو. ليس من السهل أن تغير خطط ليبي، حتى ولو كنت باجيو. تفهمت إدارة اليوفنتوس الأمر، وعرضت على باجيو التجديد، ولكن مع تخفيض نصف الراتب، عُرِض عليه أن ينضم إلى ريال مدريد، أو مانشستر يونايتد، ولكن هناك رجلاً إيطاليًا خبيرًا بمثل هذه المواقف، سيلفيو بيرلسكوني بالطبع. أصبح باجيو لاعبًا بالميلان، أما إذا كنت تسأل لماذا فضّل باجيو الميلان؟ كان كل ما يريد أن يفعله، بعد ضياع ركلة جزاء كأس العالم 94، أن يحقق لقبًا لإيطاليا، أراد ألا يبتعد عن أعين المنتخب الإيطالي.

عانى باجيو من بعض الإصابات، الأمر الذي جعل كابيللو مدرب الميلان يشركه في بعض المباريات، ولكنه لم يقتنع أبدًا بأنه يستطيع أن يلعب 90 دقيقة كاملة. ثم تولى بعد كابيللو، تاباريز، وأشرك باجيو كمهاجم ثانٍ خلف جورج وايا، ثم جناح أيسر، ثم خط وسط مدافع! تستطيع أن تتخيل بالطبع إلى أين ذهبت العلاقة بين الاثنين. خرج باجيو من حسابات تاباريز تمامًا، وأصبح حبيس مقاعد البدلاء، فاختار الذهاب إلى بولونيا لكي يستطيع أن يلحق بكأس العالم 1998، ذلك بعد أن قضى داخل ميلان ثلاثة مواسم، محرزًا اثني عشر هدفًا فقط.

أن تمتلك باجيو، وتجلسه على مقاعد البدلاء، ذلك ما لم أفهمه أبدًا في حياتي.
زين الدين زيدان

ذهب باجيو إلى بولونيا، وفي موسم واحد استطاع أن يحرز 22 هدفًا ليلحق بالفرقة المشاركة بكأس العالم 1998.

كانت المباراة الافتتاحية لإيطاليا في كأس العالم ضد منتخب تشيلي، الذي كان يمتلك ثنائي الأباتشي -مارسيلو، سالاس- لعب باجيو أساسيًا، وأرسل بقدمه تمريرة ساحرة إلى كريستيان فييري ليفتتح الأهداف، ولكن من الصعب أن تمر مباراة دون أن يحرز الأباتشي أهدافًا، أحدهما أو كلاهما، فتعادل سالاس لتشيلي، ثم أحرز مرة أخرى ليصعب الأمر على إيطاليا، ثم أرسل باجيو عرضية لتصطدم بيد مدافع تشيلي، ويطلق الحكم صافرته معلنًا عن ركلة جزاء في الدقيقة 84!

يا الله! إيطاليا تصمت مرة أخرى، العالم كله صمت هذه المرة، الجميع يريد لباجيو أن يحرز تلك الكرة، أن يتخلص من هذا الكابوس العنيد، أن يحرر نفسه من ركلته الضائعة، أحرز باجيو الكرة، وكرر نفس الأمر أمام أصحاب الأرض في ربع النهائي، إلا أن فرنسا فازت بركلات الترجيح أيضًا، كم يكره باجيو ركلات الترجيح.

لم أستطع أبدًا أن أنسى تلك الركلة الضائعة، أربع سنوات، وصورتي وأنا أضيع تلك الركلة لا تفارق خيالي، فقط ذهبت، وقلت لنفسي أحرزها لكي تستريح.
باجيو متحدثًا عن ركلة الجزاء أمام تشيلي.

لعب بعدها باجيو موسمين للإنتر، وأحرز 11 هدفًا، ثم بولونيا أربعة مواسم، وأحرز 45 هدفًا، وكان كل موسم يحلم بالانضمام للمنتخب ليرد الدين لإيطاليا.

ما زلت أملك ما لا يملكه الآخرون.. هل يستطيع فييري أن يفعلها؟ زامورانو أو حتى فتاك المدلل ريكوبا، هل ترى هذا الهدف يا مارشيللو؟ فعلتها من قبل مع كابيللو وتاباريز، صرخ في وجهي: إنه لم يعد هناك أي مجال للشعراء في كرة القدم الحديثة. كنت أستطيع الذهاب إلى مدريد أو اللعب تحت أمره، فيرجسون في أولد ترافورد، لكنني لست زولا، فأنا ما زلت مدينًا للأتزوري. كنت أدرك أنني ما زلت باجيو حتى ولو بألوان الروزوبلو، وما زلت باجيو مع الليونيزا، وفي معقل ديلي ألبي بتمريرة من الفتى الذي تركته أيضًا، ولم يتخطّ الثالثة والعشرين، بيرلو.. أخطأت يا ليبي. كنت أستحق التواجد في هولندا هذا العام. هذا الدين يجب أن يرد.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.