لا يوجد عرض مُمتع دون بطل، ولا تُستثني كرة القدم كعرض ترفيهي عن تلك القاعدة. يعلم الجميع أنها لعبة جماعية وأن الفريق يفترض أن يكون البطل الحقيقي، إلا أن الجماهير لم تتوقف أبدًا عن التعلق بأفضل اللاعبين وتنصيبهم أبطالًا دون غيرهم.

في ريال مدريد، تعد عملية صناعة الأبطال سمة أساسية للفريق؛ بداية من جلاكتيكوس بيريز وصولًا للموسم الحالي حيث آمنت جماهير العاصمة أن مجد مدريد لن يضيع بفضل فينيسيوس جونيور بطلهم الجديد.

ولأن القاعدة الثانية في كرة القدم تقتضي أن تبلغ الإثارة ذروتها في كل مرة تطمئن الجماهير لوقائع الأمور، طالت لعنة الإصابات المُختار فيني وأعتقد الجميع أنهم بلا بطل حقيقي حتى ظهر جود بيلينجهام ويزاحمه في مشهد البطولة برازيلي آخر يلمع نجمه حينًا ويأفل أحيانًا اسمه رودريجو جوس.

المثير هنا أن صناعة نجومية رودريجو بدأت قبل حتى أن يولد، فهو ولد خصيصًا للعب كرة القدم. هل تبدو لك الجملة الأخيرة مبتذلة بعض الشيء؟ حسنًا نحن هنا نقصد المعنى الحرفي للجملة؛ فقبل أن يرى رودريجو النور قرر له والده أن يكون لاعب كرة قدم.

يمتلك رودريجو قصة تتعلق كل خيوطها بفكرة صناعة النجم منذ يومه الأول حتى يومنا هذا، ولنبدأ بيومه الأول بل وقبل ذلك بأيام.

لا يمكن له أن يولد في ديسمبر

في نهاية عام 2000 كانت السيدة دينيس تنتظر مولودها الجديد في أي وقت، إلا أن زوجها لاعب كرة القدم صاحب الستة عشر عامًا فقط «إريك جوس» كان يرجوها كل يوم ألا تضع مولودها قبل بداية السنة الجديدة، والسبب الوحيد أنه هكذا سيكون الأصغر في فئته العمرية والأطفال الذين يولدون في يناير سيكونون أكبر منه بعام تقريبًا، وبالنسبة للاعب كرة قدم صغير يحاول أن يكون الأفضل فهذه كارثة!

في تلك الأجواء وُلد رودريجو، علمه والده أن يستخدم قدمه الأضعف في ركل الكرة وألا يكتفي بقدمه اليمنى فقط، وظل طوال فترة طفولته يركض مرتديًا قميص السيليساو المزيف عليه اسم نيمار. وفي مباراته الأولى كناشئ نزل أرض الملعب من على مقاعد البدلاء لأن فريقه كان متأخرًا بنتيجة 0-2، ثم تغيرت النتيجة بفضل رودريجو حيث أحرز سبعة أهداف دفعة واحدة!

بطل جديد في المنزل

بمجرد أن بلغ رودريجو السادسة عشرة قرر والده التقاعد أخيرًا والتفرغ لصناعة هذا البطل، وفي نفس العام تم استدعاء رودريجو للمشاركة رفقة الفريق الأول لنادي سانتوس.

خلال موسم وحيد، أصبح رودريجو أساسيًا في صفوف الفريق، وبدأ تلقي عروض من أهم أندية أوروبا، وكان على وشك الانضمام لفريق برشلونة ولم يتبق شيئًا لإتمام الاتفاق إلا توقيع رودريجو وهنا تحديدًا ظهر الرجل الذي يظهر دومًا في الوقت المناسب؛ فلورنتينو بيريز الذي أتى برودريجو إلى ريال مدريد.

البطولة مكانها مدريد

في الحقيقة لم تكن رغبة بيريز هي عامل الحسم في صفقة رودريجو فقط رغم أن النادي الإسباني كان يتابع رودريجو منذ أن كان في الثالثة عشرة، إلا أن رغبة رودريجو كانت دومًا الانتقال لفريق دوري الأبطال، فقد كان يؤكد دومًا لوالده مع كل عرض ضخم أن هناك ما هو أفضل وهو الانتقال لريال مدريد.

انتقل رودريجو إلى مدريد في النهاية، لكنه لم يكن بطل القصة أبدًا. لم يستطع أن ينثر هذا السحر الذي امتلكه في البرازيل، ربما لأنه ذهب هناك صغيرًا وربما لأن الريال نفسه مر بفترات من التخبط آنذاك لكن ميزة ريال مدريد الأهم أنه في أحلك الظروف يقدم لك فرصة الخلود.

هذا ما حدث في دوري أبطال أوروبا لموسم 2021-2022 حيث استطاع رودريجو أن يدخل التاريخ بهدفيه ضد السيتي وأن يتحول إلى بطل تلتف حوله جماهير الريال وهو يحمل الفريق نحو بطولته المفضلة؛ ذات الأذنين.

انتظرت جماهير ريال مدريد أن يتحول رودريجو إلى بطل الفريق الأهم إلا أن هذا لم يحدث أبدًا.

إنه في الثانية والعشرين فقط

إذا قررت البحث في محرك البحث جوجل عن مركز رودريجو ستجد أول نتائج البحث هو سؤال بسيط حول فعالية رودريجو كجناح أيمن بل وستجد أسئلة حول مركز رودريجو الحقيقي في أرض الملعب.

في الحقيقية لقد التحق رودريجو بريال مدريد قبل أن يكون هوية واضحة، يمكنك فهم ذلك من خلال متابعة مباراته في سانتوس حيث تجده منطلقًا دومًا بالكرة من ناجية الجناح الأيسر والأيمن بل ولعب مهاجم وأرتدي الرقم 9 دون أن نفهم تحديدًا في أي المراكز يجيد.

يبدو رودريجو على الدوام لاعبًا غير متفهم للمساحات التي يجب أن يشغلها، إنه لاعب بإمكانيات الرقم 10 لكنه قضى معظم مسيرته في مدريد عالقًا في الجناح الأيمن، مع إتاحة الفرصة للاختراق والتسبب في مشاكل بسبب قدرته على المراوغة ومنح عدد من التمريرات القاتلة.

رغم كل ذلك لم تيأس منه جماهير ريال مدريد أبدًا، لأن جودته واضحة تمامًا ولأنه يظل مؤثرًا بشكل لا يمكن إنكاره طوال الوقت، لهذا تلقى دعمًا كبيرًا من جماهير مدريد  التي تؤمن أن هذا الرجل يتطور بشكل تدريجي ليصبح واحدًا من أكثر المهاجمين تنوعًا، وهو يفعل ذلك بسلاسة تامة.

الرهان والدلالات

يمثل رودريجو فكرة ضرورة تقبل الرهان على صغار السن، قرر مدريد أن يراهن على عدد كبير من هؤلاء وتفهمت الجماهير بالتجربة أن هذه الرهانات تحتاج إلى وقت ودلالات. يمكنك متابعة مسيرة مارتن أوديجارد لفهم تلك الفكرة.

انضم أوديجارد إلى ريال مدريد في سن السادسة عشرة، واختفى تمامًا بعد ذلك حتى عاد للظهور في سن العشرين رفقة ريال سوسيداد، ثم استغنى عنه الريال ليصبح أهم لاعبي أرسنال على الإطلاق وكابتن الفريق.

تلك هي التجربة أما الدلالات فجاءت من خلال الموسم الحالي، كان من المفترض إلى حد كبير أنه مع رحيل بنزيما سيتولى رودريجو منصب اللاعب رقم 9 في ريال مدريد حتى وصول مهاجم جديد أو لاعب مهاجم إضافي.

بدلاً من ذلك واستغلالًا لمجهود بيلينجهام المثمر، طُلب من رودريجو اللعب كجزء من خط الهجوم واستغلال أنصاف المساحات التي كان يفضل دومًا الانتقال إليها لإيجاد ثغرات في الدفاعات المتكتلة وهو ما نجح فيه رودريجو بالفعل.

دعنا لا ننكر أيضًا أن رودريجو يعاني بعض الشيء من توهج النجوم حوله، فبينما يتحسس طريقه في كل مرة يجد الآخرين قد توهجوا بالفعل. فعلها فيني من قبل والآن يفعلها بيلينجهام، وهكذا يجد رودريجو نفسه في كل مرة مضطرًا أن يبدأ بمهام جديدة استغلالًا لتوهج الآخرين.

لقد وُلد رودريجو ليلعب كرة القدم، غير أن كرة القدم نفسها تتغير وتتطور بوتيرة سريعة جدًا، لذا لن يصبح أبدًا رودريجو نسخة نيمار التي كان يفضلها في صغره لكنه يتطور مع الكرة في كل موسم وربما يحمل لنا نسخة جديدة لا تقارن بأحد خلال المواسم القادمة.