في يناير الماضي، تمكن «روجر فيدرر» من إقصاء «رافاييل نادال» من نهائي بطولة أستراليا المفتوحة. حينها، ظن الجميع أن ذلك هو الإنجاز الأكبر الذي يمكن للاعب في تلك السن عائدًا لتوه من إصابة في الركبة، تحقيقه. لكن السويسري فاز مرة أخرى ببطولة ميامي للتنس، وقدم إجابة مختلفة تمامًا لسؤال المتابعين الدائم: «ماذا يحدث بعد سن الخامسة والثلاثين؟».


روجر،لن تسير وحيدًا

الانخفاض الذي كان متوقعًا في أداء فيدرر والذي بُني على بلوغه سن الخامسة والثلاثين، وكذلك الأثر السلبي المفترض وجوده نتيجة إصابته في الركبة والتي ضربته في النصف الثاني من عام 2016 الماضي، لم يظهر قط في ذلك العام. والنتائج العامة تؤكد أن المايسترو قد استغل كلا العاملين بشكل إيجابي لصالحه تمامًا؛ حيث كان سيصبح طبيعيًا جدًا بالنسبة للجماهير والعشاق إذا ما خسر «روجر » أي لقاء أو أي بطولة، وبالتالي فهناك حالة من انعدام الضغط الجماهيري عليه أو المطالبة بضرورة اعتلائه منصات التتويج؛ مما سيزيد من عامل الراحة والهدوء داخل نفس السويسري وهو ما يُفضله جدًا.

الأمر زاد إلى حدٍ أكثر من ذلك، حيث كان هناك ما يكثف من مساعدة فيدرر في المضي قدمًا في هذا الموسم، وهو المؤازرة الجماهيرية الكبيرة التي يلقاها من قبل كافة الحضور داخل أي ملعب. فناهيك عن التشجيع والترحيب الكبيرين اللذين وجدهما فور عودته من الإصابة ،واللذان كانا من الطبيعي أن يُزيدا من حماسة اللاعب أثناء حمله للمضرب، لكن التأييد الجماهيري الكبير، والذي يزيد ويتواجد في كل ملاعب الكُرة الصفراء، يجعل مهمة فيدرر أسهل كثيرًا في أغلب الأحيان.

عندما تلعب ضد روجر فيدرر عليك أن تعرف أنك لن تكون في صف الجماهير ولن تكون المفضل لديهم
نجم التنس الصربي نوفاك دجوكوفيتش.

يمكنك أن تلاحظ ذلك بشكلٍ واضح إذا ما عدت إلى الوراء قليلًا، في لقاء بطل بطولة ميامي المفتوحة أمام الأسترالي «نيك كيرييوس» في نصف نهائي ذات البطولة. طوال أحداث اللقاء، عانى كيرييوس من مضايقات جماهيرية شديدة، جعلته يخسر جانبًا كبيرًا جدًا من تركيزه داخل الملعب وربما لولا هذه المضايقات ما استطاع فيدرر الظفر بنتيجة اللقاء ولا بلوغ النهائي؛ حيث إن الأسترالي كان يُقدم أداءًا مبهرًا جدًا داخل أرض الملعب، مع ذلك الفارق الكبير في الاسم والخبرات بين كلا اللاعبين.

https://www.youtube.com/watch?v=z3RwlO7Tl30

ذلك الأمر يتكرر كثيرًا داخل أي ملعب، حتى إن البريطاني «أندي موراي» قد اشتكى من جماهير لندن ذات مرة، حين اختارت الوقوف بجانب فيدرر عن الأخذ بيد مواطنهم. ووصف ذلك الشيء بأنه غير طبيعي بالمرة، وبالتأكيد هو مُحق جدًا.


كسر العقدة ليس مُجرد حظ

قبل ذلك العام، كان الإسباني «رفاييل نادال» يمثل شبه كابوس نفسي لدى المايسترو الهادئ، لدرجة كان يظن معها البعض أن فيدرر يُهزم قبل أن تطأ قدمه أرض الملعب؛ فيتوالى في إهداء النقاط لمنافسه بالأخطاء المباشرة والسهلة، لكن ما حدث في بداية ذلك العام كان مُغايرًا تمامًا، وبعد ثلاثة ألقاب في ذلك العام، كان نادال خطوة من خطوات روجر إليها، يبدو أن العقدة قد انتقلت إلى الجانب الآخر من الشبكة. جانب الماتادور.

وللتحلي بالمنطقية في الحديث، لا يُمكن أبدًا وصف الفوز المتتالي للسويسري على نظيره الإسباني بالحظ أو الصدف، أو أن نضع جانب الجماهير بنسبة كبيرة في ذلك التحدي. ذلك لأن رافا هو الآخر يتمتع بتأييد جماهيري كبير جدًا، ربما ليس كفيدرر الذي لديه قبول غير عادي ومحبة غير طبيعية في أي مكان يذهب إليه، حتى جمهور بطولة مدريد السيئ لم يسبق أن ضايقه، لكنه يظل لاعبًا مفضلًا لدى الجماهير بقوة.

وعليه، فإن الفنيات كان لها عامل كبير جدًا في أن يكون نادال هو الخاسر في ثلاثة لقاءات متتالية أمام روجر، تسببت في الظفر بثلاث بطولات كان الأول الطرف الآخر في نهائيين منها.

http://gty.im/663896294

النقطة الفنية الأبرز التي كان يعتمد عليها نادال، ومن بعده كافة المنافسين الذين قد أعطاهم رافا الوصفة السحرية لإخماد قوة فيدرر، هي ضربة المضرب الخلفية عند روجر أو ما يُسمى بالـ«باك هاند». المايسترو السويسري أيمن: أي يستخدم يده اليُمنى، وهو المعاكس لمنافسه الكلاسيكي الأعثر، رافا. مما يجعل استغلال الأخير لسوء الباك هاند عند منافسه أمرًا هينًا جدًا ومربحًا في ذات الوقت.

الفترة التي غابها فيدرر عادت بالإيجاب عليه، حيث استطاع أن يُطور من نفسه في تلك النقطة الفنية بالتحديد، فباتت ضربة الباك هاند إحدى نقاط القوة عند السويسري، وأصبحت أحد أسلحته الهجومية، وليست فقط الدفاعية أو ما يتم استخدامها وقت الحاجة. ولسوء فكر نادال، فإنه استمر في محاولة استغلال تلك الثغرة السابقة عند منافسه، ومع بوء محاولاته بالفشل، تحولت النتائج إلى فوز لصالح صاحب الخمسة والثلاثين عامًا.


فيدرر أكثر هجومية

لا شك أن التقدم في العمر له العديد من المساوئ، حتى وإن كان في حالة استثنائية كحالة روجر، بالتأكيد أهمها ضعف اللياقة البدنية. وعليه كان لابد من تفادي أكبر قدر من تلك المساوئ حتى يستطيع تحقيق الإنجازات في ذلك العمر.

بالإضافة للتحسن الكبير على مستوى اللياقة البدنية من جانب المايسترو، لكن المدرب الحالي للسويسري، وهو الكرواتي «لوبيسيتش»، لا يُمكن أبدًا إغفال دوره الكبير في ذلك التحول الذي طرأ في مستوى اللاعب فوق أرضية الميدان، خاصة في الجوانب البدنية. حيث تمكن من الوصول إلى الطريقة الأمثل والتي تناسب عمر اللاعب وقدراته: وهي الهجوم وليس الدفاع.

بحسبة بسيطة، نجد أن وجود روجر في الأوضاع الدفاعية يعني الوقوع تحت رحمة المنافس. لاعب كالإسباني نادال كان يستغل ذلك جيدًا في مد عُمر التبادل بالكرات، وبالتالي فرص أكبر لأخطاء مباشرة وسهلة من قبل السويسري نتيجة الإرهاق البدني. لكن حاليًا، نجد أن المايسترو بات ينظر للهجوم بشكلٍ أكبر ومع تدعيم نقطة الباك هاند؛ أصبحت فرصه في تحويل ضربات قاضية «وينر شوتس» للمنافسين، أكثر سنوحًا. وهو ما يجعله ينظم عملية اللياقة البدنية بشكلٍ أكبر، طالما هناك قصر في وقت كل شوط يؤديه.

أعتقد أني أصبحت أكثر ثقة في ضربات الباك هاند، ما فعلته أنني أصبحت أتقدم وأسدد الكرة من أعلى ارتفاع، لكن حتى أفعل ذلك فإنك تحتاج إلى عمل مميز بالأقدام.
روجر فيدرر بعد تفوقه على نادال في إنديان ويلز.

بالإضافة للتفصيلة المهمة الخاصة بأرضية الملعب والتي راعاها المدرب الخاص بـفيدرر، حيث باتت الأرضية أسرع من السابق، وهو ما يناسب اللاعبيين الهجوميين أكثر من الدفاعيين كما أكد المدرب الشهير «باتريك موراتوغلو» والذي يعمل مع سيرينا ويليامز حاليًا، قبل انطلاق البطولة.


استقبال الإرسال بحدةٍ أكثر

الدقة، السرعة، اللياقة المنضبطة، بالإضافة إلى الثقة الزائد غير المُفرطة التي يتحلى بها روجر، كل هذه عوامل كانت ضرورية لنراه يعتلي منصات التتويج في كل هذه البطولات ونحن ما زلنا في مطلع الموسم. لكن إذا ما تم تدعيم كُل ما سبق باستقبال الإرسالات بشكلٍ جيد؛ مؤكد أن الأمور ستصبح أفضل وأفضل.

الوقت الذي استغرقه روجر للفوز على نادال أقل كثيرًا من ذلك الذي احتاجه لإقصاء «كيرييوس» من نصف نهائي البطولة. الفارق هنا يعود إلى حسن إستقبال فيدرر لإرسالات الماتادور والذي مكنه من كسر شوطي إرسال كانا في غاية الأهمية من أجل الظفر بلقب البطولة بعد مجموعتين فقط بواقع 6-3 و6-4.

http://gty.im/105977144

«لوبيسيتش» كان له دور كبير هُنا أيضًا. فيمكنك أن تلاحظ بسهولة تقدم روجر مترًا داخل الملعب بين الحين والآخر من أجل رد الإرسال بشكلٍ هجومي وبمختلف الضربات، وهو ما كان لا يحدث في السنوات السابقة حيث كان يتراجع للخلف، مما حوله للاعب دفاعي في استقبال الإرسال، وهنا تتكرر نفس الملاحظة فيدرر كان يخسر أهم ميزاته في جعل التبادل قصير وسريع.

لا يمكن لأحد التنبؤ في الوقت الحالي عما إذا كنا سنرى روجر يعتلي منصات التتويج مرة أخرى ذلك العام أم لا؟ لكن بعد قراره بالابتعاد عن الملاعب حتى مايو المقبل من أجل الراحة البدنية، يؤكد أن اللاعب لم يُبالغ في تقدير إمكانياته بعد تلك الانتصارات وهو ما يُعد ذكاء كبيرًا يجعل الجميع يرفع التوقعات لسقف عالٍ جدًا بخصوص المايسترو.

عمومًا، سنظل في انتظار إجابات إستثنائية من فيدرر لذلك السؤال الذي سيظل يتكرر: «ماذا يحدث بعد سن الخامسة والثلاثين؟».