عرفت أنني سأكون لاعب كرة قدم منذ أن كنت في بطن أمي، فهي دومًا تقول إنني كنت أركل كثيرًا!
تصريح سابق للبرازيلي روماريو.

كان على البرازيلي العجوز أن يتغلغل داخل الطرق الضيقة متفاديًا المئات الذين افترشوا الطرق هربًا من منازل الصفيح التي تفترسها الشمس دون رحمة لكي يصل للطريق الرئيسي. لا يلمح سحابة الغبار المميزة لمباراة كرة قدم الأطفال التي يراهن عليها في إجازته الأسبوعية هربًا من الملل. حسنًا، المباراة لم تبدأ إذن مما سيجعل الرهان أكثر تشويقًا. يجلس العجوز في الكرسي الشاغر المتبقي خارج حدود الملعب الترابي، يلاحظ أن المباراة بدأت بالفعل، فيسأل عجوزًا آخر بجواره:

* كم يبلغ الرهان، كروزيرو واحد أم اثنان؟ ** الرهان مختلف اليوم، هل ترى هذا الصغير الذي بحوزته الكرة، لقد راهن الجميع أنه سيسجل عشرة أهداف دفعة واحدة. * وماذا لو لم يستطع ماذا سيدفع لنا؟ ** يبدو أنه لن يدفع شيئًا، لقد مرت عشر دقائق فقط، وقد أحرز بالفعل ثمانية أهداف.

أدار الرجل وجهه نحو الصغير. طفل أسمر اللون يغطي العرق وجهه، أقصر من أن تحسبه قادرًا على التحكم بالكرة، لكنه يلتصق بها ولا يتركها أبدًا، يميل بجسمه يمينًا ويسارًا مرسلًا كل من يقابله في مهب الريح، ويبقى وحده وبحوزته الكرة، إنه لا يركل الكرة ليسجل الهدف، بل يرفعها بمشط قدمه فوق الحارس دون أن تتصاعد خلفه سحب الغبار المعتادة في الملاعب الترابية.

حدث العجوز نفسه بصوت عالٍ:

هذا الولد يستحق أن يتحصل على قيمة الرهان بأكمله حتى وإن بلغ عشرين كروزيرو، ليرد عليه مجاوره: لقد راهن بشيء مختلف، كأس من الكاشاسا مدفوع الأجر لمدة أسبوع حتى موعد المباراة القادمة. أدار العجوز وجهه المتعجب مرة أخرى للرجل بجواره، والذي أجابه دون أن يسأل: إنه يدعو نفسه روماريو، روماريو صنيعة الرب.

في اليوم الذي ولدت فيه، وضع الرب عينه عليَّ وقال: ذلك هو الرجل المنشود
روماريو متحدثًا عن نفسه.

الحديث عن روماريو يطول كثيرًا، فهو حديث عن ألف هدف، وعن كأس العالم، وعن البرازيل الفقيرة والصناعة الأوروبية، وعن الخمر والنساء والليالي الماجنة. لكن ما يربط مسيرة روماريو الكبيرة قيمة وزمنًا أنها سلسلة من المراهنات، يعشق روماريو المراهنة دومًا، يحب أن يقترب كثيرًا من الخطر. يؤكد الجميع أنه قد انتهى أمره إلى الأبد ليخرج من قلب الخطر بوجه مبتسم وعيون لامعة وقد فاز بالرهان كعادته.

بدأنا تلك الرهانات بقصة خيالية لروماريو الطفل، فدعنا نكملها من واقع رهانات روماريو التي شكلت أسطورة لص منطقة الجزاء.


رهان «سيول-أيندهوفن» الخاسر

بدأ روماريو قصته مع كرة القدم في ضواحي ريو دي جانيرو الأشد فقرًا، الفاڤيلا كما يطلق عليها البرازيليون. بدأ مع نادٍ محلي يدعى أولاريا وهو في الثالثة عشرة، ثم التقطه نادي فاسكو دي جاما قبل أن يكمل عامه التاسع عشر. لمدة ثلاث سنوات نشر روماريو سحره في أرض السحر نفسها، كانت البرازيل تعرف أنها قد وجدت ضالتها أخيرًا في هذا الولد القادر على تسجيل الهدف من أي فرصة، داخل منطقة الجزاء كان روماريو مرعبًا.

كان الرهان الأول على روماريو في أولمبياد سيول 1988. كان الجميع في البرازيل ينتظر توهج روماريو والرجوع بالميدالية الذهبية، توهج روماريو بالفعل وحصل على لقب الهداف بسبعة أهداف في ست مباريات، لكنه لم يرجع بالذهب حيث خسرت البرازيل المباراة النهائية أمام الاتحاد السوفييتي. روماريو نفسه لم يرجع للبرازيل هذا العام.

ذاك الرهان الخاسر لفت أنظار أوروبا إلى تلك الموهبة الفذة ليلتقطه نادي أيندهوفن الهولندي، والذي كان بطل أوروبا آنذاك، ليبدأ روماريو رحلته الأوروبية في هولندا. لمدة خمس سنوات استطاع روماريو أن يحرز لقب هداف الدور الهولندي ثلاث مرات، ويهدي فريقه لقب الدوري ثلاث مرات أيضًا. أما على المستوى الدولي فاستطاع روماريو أن يحرز للبرازيل لقب كوبا أمريكا، وأدت إصابته قبل كأس العالم 1990 إلى عدم تمكنه من اللعب خلال البطولة سوى دقائق معدودة.

تعامل روماريو مع كرة القدم الأوروبية بعقل برازيلي خالص، الجميع يتدرب على تكتيك المدرب والتحركات دون كرة ومحاولات فك التكتلات الدفاعية. أما هو فكان يعرف أنه سيحرز الهدف، فقط مرر له الكرة ودعه يتسلل داخل منطقة الجزاء ثم انظر إلى لوحة النتيجة، لقد أحرز الهدف بالفعل.

إنه أهم لاعب كرة قدم عملت معه، إذا رآني متوترًا قبل المباريات الكبيرة يأتي إلي ويقول: لا تقلق سأحرز اليوم وسنفوز، ما لا يصدق هو أن ثماني مرات من أصل عشر قال لي ذلك نجح بالفعل في إحراز الأهداف ونجحنا في الفوز.
«جوس هيدنيك» مدرب أيندهوفن السابق عن فترة لعب روماريو.

رهان كرويف: هل تريد هدفين؟ الأمر بسيط إذن

بحلول صيف 1993 قرر كرويف أن يحصل على خدمات البرازيلي الأفضل في العالم للعب بفريق برشلونة الإسباني ليجاور البلغاري ستويشكوف والهولندي كومان والدنماركي لاودروب فيما عرف حينئذ بفريق الأحلام. كانت قوانين الدوري الإسباني آنذاك تقضي بوجود ثلاثة أجانب فقط في تشكيل الفريق الأساسي داخل الملعب، وهنا كانت بداية التحدي.

استطاع روماريو أن يحرز لقب هداف الدوري الإسباني بثلاثين هدفًا في موسمه الأول، كما أحرز لقب الدوري الإسباني، إلا أنه تعرض لخسارة لقب أوروبا أمام الميلان الإيطالي.

كانت كرة القدم تقطع شوطًا واسعًا نحو تحولها لصناعة بحتة، سواء على مستوى البث التليفزيوني أو الالتزام التكتيكي على أرض الملعب، إلا أن روماريو بقي كما هو، برازيلي فقير حاز الدنيا كلها بفضل قدميه. كان روماريو على أرض الملعب لا يقارن، لكن خارجه فهو مثل أي لاتيني أسمر يعشق الليل والشرب والجنس ويعشق الرهان أيضًا.

ففي يناير 1994 توجه روماريو نحو مدربه كرويف وسأله حول مدى إمكانية أن يتغيب عن التدريب لمدة يومين للعودة إلى البرازيل والمشاركة في كرنفال ريو دي جانيرو الشهير. كان كرويف محبًا للرهانات تمامًا مثل روماريو، فكان الرهان: إذا سجل هدفين في المباراة القادمة فسيعطيه يومين يستطيع خلالهما متابعة الكرنفال. في اليوم التالي أحرز روماريو هدفه الثاني في الدقيقة 20، ثم تقدم نحو كرويف مطالبًا إياه بإخراجه من الملعب، فطائرته ستتحرك بعد ساعة واحدة.


رهان باريرا والمونديال

كان الأمر مختلفًا في البرازيل، فالعلاقة لم تكن جيدة مع مدرب البرازيل كارلوس ألبرتو باريرا، فكان استبعاد روماريو رغم تألقه رفقة برشلونة محل انتقاد ودهشة الجميع، خاصة مع تعرض البرازيل لتأزم موقفها في التصفيات المؤهلة لكأس العالم والمقام في أمريكا 1994.

كانت البرازيل في حاجه للفوز فقط أمام الأورجواي لكي تؤمن مقعدها في كأس العالم، تعرض المهاجم موللر خيار باريرا الأول إلى الإصابة، فكانت عودة روماريو حتمية. كان الرهان يبدو مباشرًا بين باريرا من جهة وبين روماريو مدعومًا بتشجيع الآلاف في استاد الماراكانا من جهة أخرى.

استطاع روماريو صاحب الـ 167 سم أن يقفز في الهواء ويسجل برأسية مميزة هدف المباراة الأول، ذلك قبل أن يراوغ الحارس مراوغة مهينة تمامًا محرزًا هدف المباراة الثاني، والذي ضمن صعود البرازيل لكأس العالم. إلا أن روماريو لم يكتفِ بذلك أبدًا، فالفوز بالرهان لن يقتصر على صعود البرازيل لكأس العالم، البرازيل لا تغيب عن كأس العالم، لكن الأمر يتطلب ما هو أكبر من ذلك.

استطاع روماريو أن يقدم أداءً مميزًا للغاية في كأس العالم ليصل بالبرازيل إلى منصة التتويج ويحمل الكأس الأغلى بين يديه.

يوهان كرويف عن روماريو.


رهان روماريو لنفسه على 1000 هدف

بعد عام واحد من الفوز بكأس العالم قرر روماريو فجأة العودة إلى البرازيل. كان الأمر مفاجئًا لمتابعي الكرة، إلا أن روماريو كان كعادته أذكى من الجميع، إنه يعرف أنه لن يجدي الأمر نفعًا في أوروبا أكثر من ذلك، هذا الرجل يبحث عن المتعة لا عن الفوز فقط، عاد روماريو من بوابة فلامنجو، ثم استمر نحو رهان طويل الأمد.

راهن روماريو الجميع أنه سيحرز هدفه الألف، ربما قرر روماريو أن يراهن نفسه لا أحد غيره، رهانًا طويل الأمد يعلقه بكرة القدم التي أعطته كل شيء، جاب روماريو البرازيل شمالًا وجنوبًا رحل إلى أمريكا وأستراليا وآسيا وعاد إلى البرازيل ليحرز هدفه الألف طبقًا لإحصائيات هو مصدرها، فهو طوال تاريخه لم يعترف إلا بقواعد وإحصائيات وكرة القدم صنعها هو وتمركزت حوله.


رهانات لم تكتمل

بدونه لم تكن البرازيل قادرة على الفوز بكأس العالم، هو واحد من أفضل لاعبي كرة القدم على هذا الكوكب في حقبة التسعينيات
أنا لم أكن رياضيًا أبدًا، لو كنت تدربت جيدًا كنت سأحرز أهدافًا أكثر، لكنني ربما لن أكون سعيدًا مثلما أنا الآن.

رغم تعدد رهانات روماريو التي صنعت أسطورته فإن هناك رهانات لم تكتمل أيضًا للبرازيلي القصير، فكأس العالم 1998 كان رهان روماريو الذي لم يكتمل، عندما قرر المدرب البرازيلي زاجالو أن روماريو لن يشارك في كأس العالم المقام بفرنسا رغم تأكيد روماريو جاهزيته وتألقه في الملاعب البرازيلية ودموعه التي تصدرت وسائل الإعلام العالمية من أجل أن يمنح فرصة اللعب في كأس العالم.

وبعد أربع سنوات تكرر الأمر على يد فيليب سكولاري بعد أن قرر استبعاد روماريو من المشاركة بكأس العالم 2002 لتتجدد دموع روماريو، ورغم التأييد الشعبي في المناسبتين فإن ذلك لم يكن كافيًا لكي ينال روماريو شرف الرهان الذي حتمًا كان سيفوز به كما كان يفعل دائمًا.