كان كريستيانو رونالدو هو عنوان الصحف الأهم خلال الأسبوع الأول من بطولة اليورو الأخيرة. النجم البرتغالي هو هداف البطولة التاريخي حتى الآن بعد أن تخطى بلاتيني، وعادل رقم النجم الإيراني علي دائي كهداف تاريخي للمنتخبات، وهو ما كان كافيًا ليتصدر العناوين.

لكن رونالدو تصدر العناوين لسبب آخر، هو أنه أزاح زجاجتي كوكاكولا من أمامه في المؤتمر الصحفي الذي سبق مباراة البرتغال أمام المجر.

رونالدو له موقف معروف من المشروبات الغازية، وهو ينصح دائمًا بالابتعاد عنها وتناول الماء كبديل صحي، لكن ما إن أزاح كريستيانو الزجاجتين حتى اندلع الكثير من النقاشات حول فعلته، بعضها حول تسببه في خسائر فادحة لشركة كوكاكولا، وبعضها حول قانونية فعلته وإخلاله بقواعد الاتحاد الأوروبي، دعنا نبدأ.

أكبر مما يجب

أول ما يطرحه تصرف كريستيانو للنقاش هو إخلاله بالتعاقد المفترض بين الاتحاد الأوروبي والراعي، والذي ينبغي لكريستيانو الالتزام به بعيدًا عن معتقداته وتفضيلاته الشخصية، الشركة الراعية تدفع للاتحاد مقابل وضع منتجاتها في المؤتمرات الصحفية، وهو اتفاق عادل ومهم لاستمرار البطولات باعتبار الرعاة الممول الأول لها.

لكن الحقيقة أن كريستيانو بدا كأنه لا يهتم بذلك، ولا يخشى من أي رد فعل من جانب الاتحاد الأوروبي أو الشركة الراعية. رونالدو ليس وحيدًا في ذلك، بوجبا فعل الشيء نفسه حين أزال زجاجة «heineken» لرفضه تناول الكحول كمسلم، وقبلهما نعومي أوساكا نجمة التنس التي رفضت حضور المؤتمر الصحفي من الأصل بداعي الحفاظ على صحتها العقلية.

يعلم رونالدو وبوجبا بشكل يقيني أنه لا يمكن لا أحد معاقبتهما أو استبعادهما؛ لأن الاتحاد سيكون الخاسر الأكبر وليس هما، وكما صرح أحد كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي عن كريستيانو بعد تصرفه: «إنه قوي جدًّا، ولا يمكن لأحد أن يخبره بما يجب عليه فعله».

السبب في ذلك، طبقًا لسيمون شادويك الأستاذ بجامعة ليدز، أن القوة أصبحت في أيدي اللاعبين الآن أكثر من أي وقت مضى، وهم في وضع أقوى من الاتحادات والشركات الراعية معًا، ولذلك فإن أغلبهم يتصرف دون أن يهتم بأحد. 

مصدر هذه القوة مؤخرًا هي مواقع التواصل التي سمحت للاعبين بالتواصل المباشر مع المعجبين، وبات اللاعب بتغريدة واحدة قادرًا على التأثير على ملايين المتابعين، وبالتالي فإن كريستيانو يعلم أنه مدعم بنحو 300 مليون متابع عبر مواقع التواصل، ولا أحد يرغب في خسارة هؤلاء مهما أخطأ كريستيانو.

الوضع الحالي مرشح للزيادة بالطبع، وستنتقل السلطة بالكامل لأيدي اللاعبين مدعومين بحسابات فيس بوك وانستجرام، التي يملؤها ملايين الجماهير المتشوقة لمتابعة نجمهم المفضل، والأهم أنهم جماهير متحمسة لشراء المنتج الذي يعلن عنه مهمن كان، وهو ما تدركه الشركات وتسعى إليه.

لماذا يُستخدَم المشاهير في التسويق؟

تدفع الشركات مئات الملايين سنويًّا للإعلان من خلال المشاهير. تدفع ذلك وهي تعلم أنها ستستفيد أضعاف هذا المبلغ، لكن إلى أي حد يصل تأثير اللاعبين على الجمهور العادي؟ وهل يعقل أن يشرب شاب المشروبات الغازية أو يتركها لمجرد ترك لاعبه المفضل لها؟ هل سيتأثر قرارك في المفاضلة بين كنتاكي وماكدونالدز إذا علمت أن لاعبك المفضل يفضل أحدهما؟

الإجابة بكل بساطة: نعم. يمتلك المشاهير قدرة عالية في التأثير على قرارات الجمهور الاستهلاكية، ويميل الكثيرون بشكل لا إرادي لاقتناء الأشياء التي يعلن عنها المشاهير، لأنهم يشعرون بمصداقية أكبر تجاههم، نحن نتعامل مع المشاهير كأنهم أصدقاؤنا أو جزء من أسرتنا، لذلك نصدقهم بسهولة.

طبقًا لدراسة حديثة أجرتها جامعة أركنساس بالتعاون مع كلية مانشستر للأعمال في لندن، فإن المستهلكين، وتحديدًا الشباب الأصغر سنًّا، يتخذون القرارات فيما يتعلق بمظهرهم وتفضيلاتهم بناءً على المشاهير، وتنشأ بينهم وبين المنتجات علاقة وطيدة لا تزول مع الوقت.

طبقًا لأفيري بيكر، كبير مسؤولي التسويق في شركة «tommy»، فإن ارتباط الشركة برافائيل نادال، نجم التنس الاستثنائي، قد ضاعف مبيعات المنتجات التي أعلن عنها في غضون سنة واحدة. وطبقًا لبيكر أيضًا فقد نتج 78% من المحتوى الرقمي الداعم للمنتج على وسائل التواصل الاجتماعي من الوسط المحيط بنادال وجمهوره، في مقابل 22% فقط جاءت عن طريق العلامة التجارية نفسها.

لكن ربما السؤال هنا لماذا؟ لماذا يمتلك المشاهير هذه القدرة التسويقية الهائلة؟

نحن نحب المشاهير ونرغب في أن نصير ناجحين مثلهم، ولذلك لا إراديًّا نشعر أنهم ناجحون بفعل هذه السلوكيات أو المنتجات، إذا رأى طفل نجمه المفضل وهو يشرب مشروبًا ما أو يأكل من مطعم معين، فإن عقله يربط تلقائيًّا بين نجاح اللاعب وبين هذه المنتجات، لذلك يحاول استهلاكها حتى ينجح هو الآخر، أو على الأقل يصير جزءًا من جماعته.

شعور الانتماء قد يكون مهمًّا هنا، قد تشتري منتجًا فقط لأنك تريد أن تشعر أنك ونجمك المفضل تنتميان إلى الشيء نفسه، وتستهلكان الأشياء نفسها، هذا يشعرك أن بينكما رابطًا ما، حتى لو لم يدرِ هذا النجم بوجودك.

ورغم أن أغلبنا يعي تمامًا أن ما يحدث مجرد إعلان قد يكون خادعًا على الأغلب، فإننا نتأثر به، ويزداد تأثرنا إذا اطلعنا على المشاهير بشكل عفوي، وشاهدنا ما يفعلونه في الحياة العادية، وهو ما توفره مواقع التواصل.

هل تذكر موقف محمد صلاح مع كتاب «فن اللامبالاة»؟ مجرد صورة عابرة ظهر فيها النجم المصري وهو يحمل الكتاب، وما إن انتشرت الصورة حتى تَصدَّر الكتاب قائمة الأكثر مبيعًا في مصر، واتجه الآلاف فورًا لتحميله عبر الإنترنت. 

لنتأمل الموقف لحظة، لاعب كرة قدم يقرأ كتابًا ما في موضوع لا علاقة له بكرة القدم، ما الحدث المهم هنا؟ ولماذا يسعى الآلاف إلى اقتناء الكتاب بعد لحظات؟

صلاح مهما برز كلاعب كرة قدم كبير، فإنه بالطبع ليس أهلًا لترشيح الكتب، واختياره للكتاب قد يكون عشوائيًّا تمامًا، وهو لا يعرف عن الكتب أكثر مما تعرف أنت، وإذا أردت ترشيحات للكتب فهناك العديد من الأشخاص المتخصصين في ذلك، لكن هالة الشهرة جعلت الجميع يقتني الكتاب دون طرح هذه الأسئلة.

تلك الهالة التي تدفع البعض إلى سؤال اللاعبين عن آرائهم في الأمور السياسية والدينية والتأثر بتلك الآراء، رغم أن معلومات اللاعب السياسية وآراءه لا يشترط أن تكون بنفس قوته في مجاله، ونجاحه كلاعب كرة قدم لا يمنح رأيه أي أهمية إضافية.

من الملعب لسوق الأسهم

إذن، فاللاعبون يؤثرون في عملية التسويق بشكل فاعل، وتحسب لهم الشركات قدرهم، وإذا تأثرت إيجابًا بتصرفات اللاعبين فإنها تخسر بالتصرفات المعاكسة، لكن إلى أي مدى قد يؤثر النجوم اقتصاديًّا على الشركات؟ بالتحديد، هل كان تصرف رونالدو هو سبب هبوط سهم كوكاكولا بنحو 4 مليارات دولار؟

عند علماء الاقتصاد، فإن الإجابة قاطعة وواضحة، لا يمكن أن تتأثر شركة بحجم كوكاكولا والمنتشرة حول العالم لمجرد إزاحة زجاجتها في مؤتمر صحفي، حتى لو كان كريستيانو رونالدو هو من فعل ذلك.

لكن عند جمهور كرة القدم كانت هذه فرصة مناسبة للمغالطة واستغلال الحدث بشكل خاطئ، وانتشرت بالطبع الرواية التي تفترض أن كوكاكولا خسرت هذا الرقم بسبب تصرف رونالدو.

بنظرة سريعة إلى سوق الأسهم الأمريكية، فإن سهم كوكاكولا ينخفض منذ فترة، وفي الجلسة التي سبقت المؤتمر مباشرة كان السهم يواصل الهبوط، واستمرار الهبوط لم يكن له أي علاقة بالمؤتمر من الأصل.

 والأرقام المنتشرة عن قيمة السهم لحظة تصرف رونالدو هي أرقام غير دقيقة، لأنها لا تعبر عن السعر اللحظي الحقيقي للسهم، وذلك لأن إدارة البورصة لا تعلن الأسعار بشكل مجاني إلا بعد مرور نصف ساعة تقريبًا، ولذلك فالرقم المعلن كان للسهم قبل بداية المؤتمر من الأصل، لكن ارتباط الحدثين الزمني أوحى إلى الجميع أنه من الممكن اختراع علاقة سببية يحبها الجمهور.

لا يعني هذا أن حركة رونالدو بلا تأثير، لكن تأثير رونالدو يكون على جمهوره ومتابعيه بشكل أكبر، بحيث إنه من الممكن أن يتلقى متابعوه النصيحة ويقتصدوا في استهلاكهم للمياه الغازية، ومن ثَم قد تتأثر مبيعات كوكاكولا، وعندها يمكننا تحديد مدى هذا التأثير عبر متابعة أرقام مبيعات كوكاكولا التي تصدر بشكل ربع سنوي.

 لكن في اللحظة الحالية، لم يؤثر رونالدو على السهم مطلقًا. وإن كانت الصحف لم تخبرك، فإن السهم ارتفع قليلًا منذ أيام. قد تنفعك المعلومة إذا كنت تفكر في الاستثمار في الأسهم.