خلال المواسم الخمسة الأخيرة، ارتفع نسق الأخطاء التحكيمية بشكلٍ مبالغ فيه، ووصل إلى درجة أصبح معها نجم الشباك الأول عقب كل المباريات والأحداث الكروية الكبيرة. باتت محركات البحث تضج بأسماء حكام أكثر حتى من أشهر اللاعبين، وهنا تظهر المعاناة الدائمة في الفصل بين المعاني وبعضها.

تخلط الأكثرية بين الخطأ البشري الذي يندرج تحت منظومة سليمة تقوم على العدالة وتقوى بالنظام، وبين الخطأ الذي يدمر تلك المعاني تمامًا. تلك الأكثرية تحاول وضع أخطاء اللاعبين في تنفيذ خطة ما أو إحراز فرصة معينة، في نفس الدرجة مع الخطأ الذي يقوم به حكم اللقاء وربما يضيع بسببه كل المجهودات التي قام بها اللاعبون خلال دقائق المباراة أو حتى عمر الموسم بالكامل.


نجوم شباك الأخطاء التحكيمية

بداية شهر حزيران/يونيو لعام 2018، انقلبت الأوساط الرياضية الغانية بسبب مقاطع فيديو انتشرت من صحفي محلي، لم تُعرف هويته للحفاظ على حياته، طالت حوالي 100 مسئول وحكمًا غانيًا يتلقون رشاوى وهدايا من جهات غير معلومة. أحد هؤلاء كان المساعد الدولي الكيني «رانجي ماروا» والذي كان مفترضًا أن يتواجد ضمن فريق المساعدين بكأس العالم، لكنه اعتذر وانسحب تأثرًا بتلك الفضيحة التي ظهر وجهه واضحًا فيها بشكل لا يمكنه نفيه.

قبل ذلك بأيامٍ قليلة، استبعدت جامعة كرة القدم السعودية الحكم الدولي «فهد المرداسي» من إدارة لقاء نهائي كأس الملك، والتوصية للاتحاد الدولي باستبعاده من قائمة الحكام المتجهة إلى كأس العالم بعد أن أكدت بعض المصادر وجود محادثات هاتفية يطلب فيها مبالغ مالية من أحد طرفي المباراة النهائية. وعليه قرر الاتحاد الدولي استبعاد طاقم التحكيم السعودي بأكمله الذي يتكون من «المرداسي»، «عبد الله الشلوي» و«محمد العبكري».

وبالرغم من وجود مقابل مادي جيد جدًا لهؤلاء الحكام يصل إلى 70000 دولار لحكام الساحة و25000 دولار لطاقم المساعدين، إلا أن ذلك لم يمنع الأمثلة المذكورة من الوقوع تحت طائلة الرشوة والهدايا غير القانونية. والطبيعي الآن الاعتقاد بأن ما تم اكتشافه ما هو إلا قمة الجبل الجليدي، على حد تعبير مجلة «فوربس» الشهيرة، فالقائمة النهائية المستدعاة للمونديال لم تخلُ من أعضاء تشوبهم الكثير من الشوائب، فإن لم تكن سوابق رشوة أو فساد، فهي وقائع أخطاء غريبة جدًا لا يمكن إغفالها.

الاسم الأبرز على الإطلاق هو التركي «شاكير» الذي لطالما احتل مواقع البحث عقب كل مباراة كبرى يديرها داخل دوري أبطال أوروبا، ومن بعده تأتي أسماء أقل شهرة كالهولندي «بيورن كويبرس» الذي أدار مباراة العودة بين ريال مدريد وبايرن ميونخ في نصف نهائي البطولة الأخير، وكان هناك جدل مثار حول ركلات جزاء لم تحتسب أثرت بكل تأكيد، وكذلك الإسباني «أنتونيو ماتيو لاهوز» الحكم الوحيد المستدعى من الليجا التي شهدت خلال الموسم الماضي أكبر لغط تحكيمي ممكن خلال عمر المسابقة كله.

كل هؤلاء وغيرهم قد تسبب في بلبلة كبيرة خلال أغلب المعارك الكبرى التي أداروها تحكيميًا، ومع ذلك كان وجودهم في المونديال لا شك فيه وتم بالفعل. يسمح لنا ذلك بسهولة أن ننتظر استمرار أدائهم التحكيمي السيئ خلال المونديال.


هل نستخدم التكنولوجيا أم تستخدمنا؟

اهتمت شبكة الـ«بي بي سي» بنقل تصريحات للحكم الجامبي «بكاري جاساما» يتحدث خلالها عن تطبيق تقنية التحكيم بالفيديو «VAR» خلال منافسات كأس العالم القادمة في روسيا. الحكم الأفريقي، الذي لا يختلف عن زملائه في إثارة الجدل،أكد أن هذه التقنية من شأنها أن تساعد الحكام في تجنب الفضائح الكبرى، لكنها كذلك لا يمكن أبدًا أن تمنع حدوث الأخطاء. في الواقع ذلك التصريح يُلخص تطبيق هذه التقنية منذ أن بدأت وحتى الآن.

في تقرير آخر نشرته نفس الشبكة الإنجليزية، ألحقت به دراسة أجرتها إحدى الجامعات البلجيكية حول هذه التقنية تضمنت 1000 مباراة تمت إدارتها بمساعدة الخاصية «VAR». انتهت تلك الدراسة إلى أن نسبة القرار الصحيح ارتفعت بالتطبيق من 93% إلى 98.8% وهي نتيجة جيدة فعلًا لكن إجمالًا.

هنا التصريح الأبرز المقتبس من تلك الدراسة هو الأفضل للتعبير عنها، حيث أكد الباحثون أن تلك الخاصية قد نجحت بالفعل في تحقيق «هدفها الواسع» وهو تقليل نسبة الخطأ، لكن إن خضنا في التفاصيل سنجد أن النسبة الإجمالية وصلت إلى 98.8% لكن بمعدل ارتفاع 5.8% فقط من الأصل، يُرجعنا ذلك إلى نقطة البداية وهي أنه لو كانت نسبة القرار الصحيح أقل من 93% لما وصلنا إلى هذه النسبة العالية النهائية، الأمر كله متروك لحكم اللقاء قبل أن يعود إلى التكنولوجيا الجديدة.

المتوسط المأخوذ من 1000 مباراة تمت دارستها خلال ذلك البحث ربما يصل بنا إلى ناتج نهائي محفز لكنه يهمل أو يجعلنا نغفل الأخطاء بين السطور. التقرير نفسه الذي تضمن تلك الدراسة ذكر وقائع عدة حدثت في نفس الموسم وبوجود نفس التقنية لكنها لم تقدم جديدًا أو تساعد في قتلها، كان ذلك يتم إما لصعوبة الرؤية وسوء زاوية التصوير أو أن الحكم لم يهتم أو لم يتجه لحكام الفيديو من الأساس.

إذن مما سبق نستنتج أن هذه التقنية ما هي إلا مساعد فقط، لا يمكنها أن تصلح الأمور أو أن تجعلنا نعيش في «يوتوبيا» تحكيمية. الفيفا قد لجأت لذلك الخيار من أجل أن تستعيض به عن التطوير في مستوى الحكام الذي بات واضحًا للجميع ما وصل إليه مؤخرًا، وفي الواقع لن يقدم ذلك جديدًا.

حسب ما جاء في تقارير الفيفا، فإن المسموح به لتدخل حكام الفيديو هو 4 حالات؛ إما تسجيل الأهداف، التسلل وغيره، ركلات الجزاء المحسوبة وغير المحسوبة، الكروت الحمراء المباشرة، وأخيرًا منع اللبس في هوية اللاعب مرتكب الخطأ أو الحاصل على أحد الكروت. هنا قرار حكام الفيديو استشاري، إما أن يأخذ به حكم اللقاء مباشرة أو أن يستعيض عنه بتوقيف اللعب ومشاهدة اللقطة في الإعادة، أو إهمال كليهما. الأمر تقديري بحت، وما دام هناك عودة لتقدير الحكم فهناك مساحة ما للخطأ لا يمكن حصرها في دراسة.


الجمهور هو المدافع الأول

إن كنت أحد مشجعي ألمانيا، ورأيت كرة «لامبارد» تتخطى خط المرمى ومع ذلك لم يحتسبها حكم المباراة ولا أي من مساعديه، كم من الندم أو الأسف كنت ستشعر به تجاه تلك اللقطة؟ في حين آخر لو كنت في موضع الأرجنتيني الذي رأى «ماراداونا» يضع كرته باليد متعمدًا داخل المرمى الإنجليزي، هل كنت ستتمنى أن يلغى ذلك الهدف؟

كل منا يقع تحت طائلة الظلم التحكيمي، إما لصالحك أو لصالح الخصم، هنا اختبار صعب لمدى تصالحك مع نفسك، أو للمدى الذي يمكن معه عقلك أن يخرج أسبابًا للدفاع عن ذلك الحكم المخطئ لم تكن لتخطر ببال الأخير أصلًا. الفيفا أكدت حين اختارت هؤلاء الحكام بالأسماء أنها قدمت لهم العديد من الدورات التدريبية على النظم الحديثة وعلى كيفية تطبيق اللعب النظيف والعادل، لكن سبق واتفقنا على أن مساحة الخطأ البشري واردة، فقط الجمهور هو من يحولها من خطأ بشري إلى كارثة أو فضيحة والعكس، كل حسب احتياجاته.

الحقيقة أننا جميعًا نحتاج لأن نصف الأخطاء التحكيمية بوصوفها الطبيعية التي تقع عليها بحيادٍ تام وبعيد كل البعد عن أي انتماءات. الموضوع أصعب حينما يتعلق الأمر بمنتخب بلادك وليس فقط فريقًا عاديًا تنتمي له، ولكن كلما كنت أكثر صدقًا بينك وبين ذاتك كلما انعكس الأمر على الواقع والحياة التي نحياها.

ربما لن ينقذ ذلك مسيرة المونديال التحكيمية المنتظرة، لكن الأكيد أنه سيصلح ما هو قادم من بطولات دولية كانت أو محلية. بالرغم من كل هذه الأموال التي تصرف ولا يصلك منها شيء، تظل أنت الخلية الأولى والأهم لقيام ذلك الكيان الضخم المسمى بكرة القدم، ومنك وإليك ينصلح كل شيء.