بعد نحو أسبوعين على بدء الحرب الروسية في أوكرانيا وفرض عقوبات مشددة على موسكو، لم تقتصر العقوبات على الجانب الاقتصادي، بل تعدّتها إلى العديد من مناحي الحياة، كالرياضة والفن.

ويتناول هذا المقال أبرز الأرقام التي توضِّح تأثير العقوبات الغربية على الحياة الرياضية في روسيا.

كأس العالم 2022 من دون روسيا

بعد أيامٍ من اندلاع الحرب في أوكرانيا، استبعد الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» من تصفيات كأس العالم 2022 في قطر نهاية العام الجاري، أو على الأقل جمّدت مشاركتها في التصفيات، خصوصًا بعد بيانات لاتحادات كرة القدم في كل من بولندا والتشيك والسويد، أعلنوا فيه رفضهم لمواجهة المنتخب الروسي على خلفية العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.

استبعاد روسيا من كأس العالم يعني خسارة الاتحاد الروسي للمكافآت المالية المترتبة على المشاركة بالمونديال العالمي، ففي كأس العالم الذي أقيم في روسيا عام 2018، حصل الدب الروسي الذي وصل لربع نهائي البطولة على مبلغٍ قدره 16 مليون دولار. أمّا في مونديال قطر فالجوائز المالية ستزداد قيمتها، إذ إن الفائز بالمباراة النهائية سيحصل على نحو 50 مليون دولار مقارنة بـ38 مليون دولار في نهائي بطولة 2018. واستبعاد روسيا من كأس العالم في قطر يعني أن المنتخب الروسي لن يحصل على 10 ملايين دولار، هي من نصيب كل منتخب يلعب دور المجموعات، إلى جانب مليوني دولار للإعداد للبطولة.

الأندية الروسية تعد الخسائر

الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لم يتأخر عن خطوة استبعاد الفرق الروسية من المسابقات الأوروبية للموسم الحالي، أي أن نادي «سبارتاك موسكو» متصدر المجموعة الثالثة ببطولة الدوري الأوروبي لن يتمكن من لعب مباراته ضد لايبزيغ الألماني، وسيُقصى من البطولة، وبالتالي فإنه لن يتمكن من الحصول على الجائزة المالية نتيجة مشاركته في دور المجموعات وتصدره مجموعته متأهلًا لدور الـ16، وتبلغ قيمة الجائزة المالية له عن موسم 2021-2022 نحو 4.7 مليون يورو.

عدم المشاركة في دوري أبطال أوروبا كذلك سيُضيِّع على الأندية المكافآت المالية للمشاركة فيها، إذ إن البطولة الأوروبية الأعرق تمنح المشارك في دور المجموعات فيها ما يزيد على 15 مليون يورو.

الأرقام هذه تعني أن عدم مشاركة الفرق الروسية في البطولات الأوروبية لثلاثة فرق (فريق بدوري أبطال أوروبا وفريقان بالدوري الأوروبي) سيحجب 22.9 مليون يورو عن خزائن الأندية الروسية، من دون احتساب عوائد البث التلفزيوني أيضًا.

الدوري الروسي على المحك

العديد من الشركات الغربية ستلتزم بالعقوبات العالمية المفروضة على روسيا، وعلى ضوء ذلك فإن 30 مليون دولار هي تكلفة عقود الرعاية للملابس والمعدات الرياضية لشركات عالمية مثل: أديداس وبوما ونايك، لن تكون متاحة للأندية الروسية.

شركات عالمية كبرى ستسحب رعاياتها للأندية الروسية أيضًا، مثل شركة بيبسي وليز ونيسان وبيك (الراعية لنادي زينيت سانت ييترسبيرغ)، وشركة هيونداي الكورية وجوما الإسبانية (الراعية لنادي العاصمة سيسكا موسكو).

كل هذه المعطيات تعني أن 180 مليون دولار تُصرَف على الرياضات المحلية في روسيا سنويًا ستتضرر بعد حجم الانسحابات التي يفرضها الواقع الجديد على الرياضة الروسية.

الرعايات الروسية في أوروبا تبخرت

عقود ضخمة لشركات روسية في بطولات كرة القدم الأوروبية تم إلغاؤها بعيد اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، وعملاق شركات الطاقة الروسية Gazprom كان أبرز الضحايا في هذا المجال، إذ إن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم UEFA أعلن فسخ عقد رعاية الشركة الروسية لدوري أبطال أوروبا (المُبرم منذ عام 2012)، وتبلغ قيمة الرعاية للبطولة عن الموسم الواحد 33.5 مليون جنيه استرليني بحسبما أوردته صحيفة «الديلي ميل». كما أن فسخ العقد يشمل عدم رعاية الشركة لبطولة كأس الأمم الأوروبية «يورو 2024» المقبلة.

نادي شالكة الألماني فسخ عقد الرعاية مع غازبروم كذلك لينهي عقد رعاية بدأ في عام 2007، احتجاجًا على الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، وقد أزال بالفعل شعار الشركة عن قميصه ووضع اسم النادي وشعاره مكانه، ليقطع الطريق على العقد الذي كان مقررًا استمراره حتى عام 2025، ليخسر النادي قيمة الرعاية المقدرة بـ9 ملايين يورو، وكان من المقرر أن ترتفع لـ15 مليون يورو في حالة نجاح النادي في العودة للدوري الألماني الممتاز «البوندسليجا».

نادي إيفرتون الإنجليزي اتخذ قراره أيضًا، وفسخ عقود الرعاية مع الشركات الروسية USM وميغا فون ويوتا، وأزال النادي اللافتات الدعائية للشركات وشعار شركة ميغا فون عن قمصان الفريق النسائي لنادي، وهذه الإجراءات التي اتخذها النادي ستُكلِّف خزينته نصف مليون جنيه استرليني.

وبموجب العقوبات المفروضة على روسيا، فإن نحو 132 مليون دولار يتم صرفها سنويًا على كرة القدم خارج روسيا كاستثمارات هي مهددة بشكل فوري، وقد تم إلغاء نسبة منها بالفعل.

درة تاج الاستثمارات الروسية في كرة القدم (للبيع)

رومان أبراموفيتش، الملياردير الروسي المعروف بقربه من الرئيس فلاديمير بوتين، عرض النادي اللندني الذي يمتلكه (تشيلسي) للبيع بعد ملكية استمرت 19 عامًا، حقّق خلالها النادي اللندني دوري أبطال أوروبا مرتين والدوري الأوروبي مرتين، والدوري الإنجليزي الممتاز 5 مرات، وغيرها من البطولات العالمية والأوروبية والمحلية، ليسطر أبراموفيتش أنجح فترات النادي في تاريخه. لكن ذلك لم يشفع له بعد بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، ليتنازل أولًا عن إدارة النادي، ويعرضه للبيع من دون أن يطلب القروض التي يدين النادي له بها، وتبلغ 2 مليار دولار. نادي تشيلسي الذي حقق مبيعات قياسية عام 2019 قبل جائحة كورونا وصلت إلى 446 مليون جنيه إسترليني.

حكاية يبدو أنها وصلت إلى نهايتها بين المالك الروسي والنادي اللندني مع انتهاء شهر العسل بين أوروبا وروسيا وفرض عقوبات غير مسبوقة من قبل أوروبا والولايات المتحدة وشركائهم على روسيا.

كل هذه المعطيات والأرقام تُوضِّح حجم الأزمة التي ستعيشها كرة القدم الروسية على المدى القريب والبعيد، بخاصة في حالة عدم حلحلة الأمور بين روسيا والغرب واستمرار العقوبات على الكيانات الروسية. ملايين تتبخر وشراكات رياضية واقتصادية تُدمر، وكرة القدم باتت جزءًا من الوضع السياسي الراهن، إلا أن الفيفا أعلنت أنها ترجو أن تكون كرة القدم هي الدافع للسلام بين الدول مُجددًا.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.