هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» الذي أنجزه فريق ساسة بوست لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010 و2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يُلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.

أصدرت محكمة كويتية في منتصف 2019 قرارًا بإطلاق سراح سيدة أعمال روسية تدعى مارشا لازاريفا، بعد أن احتُجزت قرابة سنة ونصف. وقد جاء قرار المحكمة بعد حملة سياسية وإعلامية حرَّكتها شركات ضغط سياسي عملت للإفراج عن مارشا، وفي ختام الحملة انضم لها العديد من شخصيات إعلامية وسياسية وفنية، وانتهت بقرار بالإفراج عنها. في هذا التقرير نستعرض جهود مارشا والشركات التي استأجرتها.

من هي مارشا لازاريفا؟ ولماذا قُبض عليها؟ 

في 2006 جاءت سيدة الأعمال الروسية، مارشا لازاريفا، إلى الكويت، لتؤسس شركة «كي جي إل – KGL» المختصة بالتنمية والاستثمارات في قطاعات البنية التحتية واللوجستيات والنقل، والنفط والغاز والطاقة، وغيرها من القطاعات المتنوعة في الأسواق الناشئة في الشرق الأوسط وآسيا، وتمكنت في وقت قصير من الدخول في شراكات استثمارية في مشروعات تابعة للحكومة الكويتية.

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، ألقت السلطات الكويتية القبض على مارشا، ووجهت لها محكمة مدنية في الكويت تهمة اختلاس 166 مليون دولار من صندوق رابطة الكويت والخليج للنقل، التابع لوزارة المواصلات الكويتية.

وبحسب تقرير لـ«أريبيان بزنس»، فقد قدَّم عيسى الكندري، وزير المواصلات الكويتي، بلاغًا ضد مارشا يفيد بأن سيدة الأعمال الروسية حصلت على نصف مليار دولار، مقابل أعمال لم تنفذها، من خلال التعاقد بين رابطة الكويت والخليج للنقل، وشركة «كي جي إل-KGL»، التي تملكها مارشا لازاريفا، فضلًا عن الاختلاس مباشرة من الصندوق.

في مايو (أيار) 2018، حكمت المحكمة في القضية الأولى بمعاقبة مارشا بالسجن 15 عامًا مع الأشغال الشاقة. وفي مطلع 2020، صدر قرار آخر من المحكمة بسجن مارشا لمدة سبع سنوات أخرى مع الأشغال الشاقة، فضلًا عن تغريمها 72 مليون دولار أمريكي، ولكن بحسب صحيفة «القبس» الكويتية، ذهبت مارشا للسفارة الروسية واحتمت بها من الحكم الجديد، باعتبار السفارة أرضًا أجنبية.

من اتصالات الشركة مع وسائل إعلام أمريكية لصالح مارشا لازاريفا. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.

هل حوَّل الضغط السياسي مسار القضية؟

سبق لمارشا لازاريفا أن عملت في الولايات المتحدة، وتحصَّلت على الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بنسلفانيا، والأهم من ذلك أنَّ لها ابنًا يحمل الجنسية الأمريكية. وفي 8 يوليو (تموز) 2019، وقَّعت شركة «كي جي إل-KGL» عقدًا مع شركة «ماراثون استراتيجي – Marathon Strategie»، لتنفيذ حملة إعلامية لإخراج مارشا، ولكن الشركة بدأت عملها لصالح مارشا قبل هذا التاريخ.

انتهجت «ماراثون» استراتيجية محبوكة؛ إذ أشارت حملتها إلى اعتقال مارشا «المسيحية الأرثوذكسية» في الكويت، وربطت القضية بـ«المعاملة المتردية» لمسيحيي الكويت، بدلًا من تقديم القضية من منظور قانوني وسياسي، أو استثماري فحسب. ونشرت الشركة بيانًا إعلاميًّا تتحدث فيه عن اعتداءات على حقوق الإنسان وحقوق المسيحيين.

وقدمت شركة «ماراثون» مجموعة مختلفة من أنشطة الضغط الإعلامي والسياسي تضمَّنت: مشاركة بيانات، ومقالات، وقطع مصورة وفيديو مع العديد من الصحف والمنابر الإعلامية الأمريكية، للتأثير في الرأي العام في الولايات المتحدة.

وذكرت ملفات وزارة العدل الأمريكية أن العلاقة بين الطرفين انتهت بعد 16 شهرًا من التعاون، وتحديدًا يوم 11 فبراير (شباط) 2020، ومقابل خدماتها حصلت على 252 ألفًا و938 دولارًا أمريكيًّا، وفقًا لوثائق الشركة بوزارة العدل الأمريكية.

شركة تعمل من الإمارات تشارك في الحملة

وفي الأول من مايو (أيار) 2019، وقَّعت شركة «كي جي إل-KGL» عقدًا مع شركة «جولف ستيت أناليتكس – Gulf State Analytics». لم تذكر ملفات وزارة العدل الأمريكية مدة العقد أو متى انتهى، ولكنها تذكر أن الشركة تلقت مبلغًا ماليًّا قدره 7 آلاف و500 دولار، لإنتاج محتوى إعلامي عن قضية مارشا، مع تركيز على ما قد تحدثه القضية من أضرار للاستثمار الدولي في الكويت وحقوق المستثمرين.

وبالفعل صرَّحت الشركة عن نشرها ثلاثة مقالات تتحدث عن القضية، حُذف اثنان منها على الإنترنت، وتبقَّى الأخير بعنوان: «القضاء الكويتي يضرُّ بوضع الاستثمار الدولي بالبلاد»، وكاتبه هو ثيودور كاراسيك، وكُتب في تعريفه: مستشار أول في الشركة، الموصوفة بأنها شركة استشارات جيوستراتيجية، تعمل في دبي بالإمارات. ويبدو أن 7 آلاف دولار كافية لتحصل على تحليل جيوستراتيجي يتوافق مع احتياجاتك الشخصية.

المقال الثاني متوفرٌ في وثائق وزارة العدل، وكتبه أيضًا ثيودور كاراسيك، والمقال الثالث كتبه جورجيو كافيرو، المدير التنفيذي للشركة.

وسرعان ما آتى استئجار الشركات أُكله، فقد ضمت الحملات الإعلامية شخصيات مثل شيري بلير، زوجة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، والتي تضامنت مع مارشا ووصفت حكم المحكمة الكويتية بأنه «غير عادل»، وظهرت مرةً في مقابلة إعلامية مع قناة «سكاي نيوز» الإنجليزية تحدثت فيها عن مارشا، بالإضافة إلى مقطع مصوَّر آخر لها.

اسم ثقيل آخر من المتضامنين: لويس فري، رئيس سابق «لمكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي (إف بي آي)»، الذي سافر إلى الكويت ليشهد بعدم أهلية الأدلة المقدمة ضد مارشا.

ومن بين المؤيدين البارزين الآخرين للقضية كان نيل بوش، نجل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب. اسم مهم آخر هو إد رويس، النائب الجمهوري والرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، وأخيرًا: بام بوندي، المدعي العام السابق لولاية فلوريدا.

كما ذكرنا آنفًا، أمرت محكمة كويتية بالإفراج عن مارشا في منتصف 2020، فهل كان الإفراج عنها قرارًا قضائيًّا كويتيًّا خالصًا؟ أم مدفوعًا من الضغط الذي ولَّدته الحملة الإعلامية الدولية؟ لا أحد يعرف.

هذا التقرير جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.