كسرت الحرب الروسية الأوكرانية 600 يوم، دون بوادر لوقف إطلاق النار او التوصل لتسوية بين الجانبين، حيث شهدت الأسابيع الماضية حالة من الضغط الروسي المكثف على جميع الجبهات القتالية.

وقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية توجيه ضربة مكثفة من خلال فرقاطة تابعة لأسطول البحر الأسود الروسي على البنية التحتية الأوكرانية، شملت مراكز الطاقة وخط للسكك الحديدية في الجبهة الجنوبية، بأربعة صواريخ من طراز كاليبر المجنحة. وفي العاصمة كييف وضواحيها، شنت روسيا ضربة واسعة النطاق باستخدام المسيرات؛ وذكر الجانب الأوكراني أن الغارة كانت الأكثر ضخامةً من حيث عدد الطائرات دون طيار، حيث جرى خلالها استخدام 75 درونز، مما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن 77 مبنى سكنيًا و120 مؤسسة دون كهرباء في ظل أجواء الطقس القارس.

تطورات الوضع الميداني

ميدانيًا، نجحت القوات الروسية منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في تحقيق مكاسب ميدانية وتحييد قدرات أوكرانيا بالأخص سلاح المسيرات.

ففي الجبهة الشرقية حول محور باخموت، «مفرمة اللحم» كما يطلق عليها، استطاعت القوات الروسية السيطرة على بلدة كروموف الصغيرة قرب باخموت والتي تعد المدخل الوحيد لها وتشهد معارك شرسة للسيطرة الكاملة على باخموت التي تمثل مدخلًا للمناطق الشرقية التي تسيطر عليها روسيا.

كما اقترب الجيش الروسي من إحكام سيطرته على مدينة أفدييفكا الاستراتيجية شرقًا، التي من خلالها تستطيع القوات الروسية تأمين ممر لنقل الأسلحة إلى جميع جبهات الشرق الأوكراني، حيث تتقدم القوات من جميع الجهات صوب هذه البلدة بعد قتال حولها مستمر منذ أسابيع. ووفقًا لتقارير ميدانية، تتقدم القوات الروسية ببطء، وقد تُحكم طوقها حول المدينة في الأيام القليلة المقبلة؛ إذ إن المسافة بين القوات الروسية المتقدمة من شمال المدينة وبالأخص في كراسناغورافكا، ستيبوفي، بيرديتشي، وتلك المتقدمة من الجنوب، أصبحت نحو 8 كيلومترات فقط. وأكد القائد العسكري الأوكراني المسؤول عن منطقة أفدييفكا، أولكسندر تارنافسكي، أنّ «العدو عزّز نشاطه إلى حد كبير في الأيام الأخيرة، ويستخدم مركبات مدرعة».

التقدم الروسي أثبت فاعلية أيضًا في خاركيف في الشمال الشرقي، وتُعد المدينة معقل الصناعات العسكرية الأوكرانية، بما في ذلك الدبابات والعربات المدرعة.

أما في الجبهة الجنوبية، فقد حققت كييف تقدمًا طفيفًا في محيط جنوب أوروزخين، وهي قرية في منطقة دونيتسك، ولكن سرعان ما نجحت روسيا في استعادتها خلال الأسابيع الماضية.

روسيا تستغل الحرب على غزة

في هذا السياق، يقول فوروجتسوف ستاريكوف، الباحث في مؤسسة فولسك الروسية بالأبحاث والتقارير العسكري، إن التصريحات الأوكرانية سواء العسكرية أو على لسان رئيسها فولوديمير زيلينسكي، تؤكد أن القوات الروسية استطاعت بدرجة كبيرة خلال الأيام الخمسين الماضية وهي مدة حرب إسرائيل في غزة، تحقيق تقدم ملموس على المستوى الميداني في عديد من البؤر الساخنة سواء شرقًا أو جنوبًا.

ويُضيف فوروجتسوف ستاريكوف، خلال تصريحاته لـ«إضاءات»، أن الغرب أيقن تمامًا أن الهجوم المضاد والرهان عليه أصبح لا يجدي نفعًا، بالأخص مع دخول الشتاء القارس وهبوب العاصفة الشديدة التي يطلق عليها «عاصفة القرن» في منطقة البحر الأسود، وهي العاصفة التي عطلت تحرك ما يصل إلى مليوني برميل يوميًا من صادرات النفط من كازاخستان وروسيا، وهو ما يؤثر سلبًا على أسعار الطاقة في أوروبا وهو ما تخشاه كييف، لأنه مع ارتفاع تلك الأسعار تزداد الأصوات التي تنادي بوقف الدعم إلى كييف واستعادة العلاقات مع روسيا التي تُعد المورد الرئيسي لتدفئة القارة العجوز.

ويرى الباحث الروسي في مؤسسة فولسك العسكرية أن الكرملين نجح في تهيئة الظروف الدولية لصالحه بعد اشتعال الأوضاع في الشرق الأوسط بالحرب الإسرائيلية في قطاع غزة. ويؤكد ستاريكوف في تصريحاته لـ«إضاءات» أن الكرملين يأمل في رؤية التخفيض المستمر المحتمل للمساعدات العسكرية الأميركية لكييف، وبخاصة أنظمة الدفاع الصاروخي والقذائف.

وتابع قائلًا إن «أزمة غزة ستؤثر بشكل مباشر على مجريات العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، لأن الغرب وواشنطن الآن في حالة تشتت، ولكن روسيا تعلم أن الدعم العسكري لن ينقطع وإنما سيتراجع، وهذا هو الهدف والاستراتيجية التي يراهن عليها الكرملين في الوقت الراهن».

هدنة غزة: أمل أوكراني

تخشى السلطات الأوكرانية أن يؤدي عدم تقدّمها ميدانيًا إلى توقف المساعدات الخارجية في ظل ارتفاع أصوات الشارع الغربي وداخل الكونجرس الأمريكي أيضًا، التي تطالب بوقف تمويل الحرب أو على أقل التقديرات ترشيد الدعم العسكري. في تلك الزاوية في تلك الزاوية، يقول إيفان يواس، مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، إنه التصعيد في الشرق الأوسط كان له بلا شك أثر سلبي للغاية على أوكرانيا.

ويُضيف إيفان يواس خلال تصريحاته لـ«إضاءات» أن التصعيد في غزة أدى إلى وضع بدأت فيه فيه عملية الدعم العسكري لإسرائيل تأخذ أولوية قصوى على حساب دعم كييف، وقد تجلى ذلك أولاً في المناقشات التي دارت في الكونغرس الأمريكي. ولذلك، فإن تحقيق الهدنة في غزة سيساهم في زيادة احتمال إرسال تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا.

ويشير إيفان يواس إلى مكسب أوكراني استراتيجي من هدنة غزة، وهو استقرار أسعار الطاقة في ذلك التوقيت الصعب، حيث تراهن موسكو على سلاح الطاقة منذ بداية حربها ضد أوكرانيا.

وتعمل واشنطن بشكل كبير، بحسب تصريحات الإدارة الأمريكية، في بناء القدرات العسكرية الأوكرانية التي ستساعدها على «ردع الهجمات في المستقبل البعيد»، علاوة على تقديم الدعم الذي يهدف إلى دفاع كييف عن نفسها في الوقت الراهن.

وخلال الساعات الماضية كشف بيان صادر عن وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن استبعاد توريد الأسلحة الفتاكة ضمن برنامج التعاون بين الناتو وأوكرانيا لعام 2024. وأوضح البيان أن «الناتو سيواصل تزويد أوكرانيا بالمساعدة غير الفتاكة التي تشتد الحاجة إليها».