هناك عاملان رئيسيان شكَّلا السياسة الإسرائيلية خلال العقد الأخير؛ الأول هو سيطرة اليمين المتطرف على مقاليد الحكم، متمثلًا في بنيامين نتنياهو (القابع في كرسي رئيس الوزراء منذ عام 2009) وائتلافاته الحكومية المكونة بالأساس من قوى اليمين الديني المتطرف. الثاني هو حالة السيولة التي عانى منها إقليم الشرق الأوسط منذ قيام ثورات الربيع العربي عام 2011، والتي مثلما حملت تهديدات خطيرة لإسرائيل، فإنها حملت فرصًا كبرى، تمثلت في تشكيل تحالفات إقليمية جديدة، اصطفت بجانب إسرائيل في مواجهة أعدائها الاستراتيجيين في المنطقة.

وعلى مدى العقد الأخير كانت إسرائيل ترى أن إيران هي عدوها الأول في المنطقة، لذلك سخَّرت جميع أدواتها السياسية الصلبة والناعمة لمواجهته، وقد جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2017 متماهياً مع الرؤية الإسرائيلية بشأن إيران، ولم يكن مستعداً فقط للتراجع عن الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل المشتركة الشاملة)، الذي وقعه أوباما عام 2015، ولكن دعمه لإسرائيل وصل إلى مراحل وقرارات تاريخية لم يبلغها أي رئيس أمريكي منذ عام 1948.

أمَّا اليوم، ومع وصول رئيس أمريكي جديد (جو بايدن)، يرغب في الارتداد عن سياسات ترامب تجاه إيران، ويعلن صراحةً أنه يسعى لاستعادة الاتفاق النووي، تشعر إسرائيل بأنها على وشك خسارة مكسبها الأهم خلال العقد الماضي، ألا وهو «محاصرة إيران».

حادث «نطنز»: ملاحظات أساسية

وفقاً لبيان رسمي إيراني، فقد تعرَّض مصنع تخصيب اليورانيوم في «نطنز» لعمل «إرهابي»، في صباح الأحد، 11 إبريل/نيسان 2021، وذلك بعد الإعلان عن «انقطاع التيار الكهربائي» بالمنشأة النووية.

وقد لا يبدو انقطاع التيار الكهربائي أمراً خطيراً، لكنه قد يكون كذلك إذا حدث في مفاعل لتخصيب اليورانيوم. فأجهزة الطرد المركزي (الموجودة في مفاعل نظنز) هي عبارة عن آلات رقيقة مرتبطة ببعضها ضمن سلسلة تعاقبية تُسمى بـ «كاسكيدز»، ويتم تخصيب غاز اليورانيوم فيها عن طريق تدويره بسرعات عالية جدًّا باستخدام دوَّارات (محركات تدوير). ويكون الضغط على المواد الخارجة منها كثيفًا وضمن عملية غاية في التعقيد من الناحية التقنية. وقد تتسبب أي مشكلة صغيرة في خروج جهاز الطرد المركزي عن السيطرة، مع اصطدام أجزاء بعضها ببعض وإتلاف سلسلة كاملة من أجهزة الطرد المركزي.

ويعد ضمان وصول مصدر الطاقة إلى جهاز الطرد المركزي بشكل متوازن تماماً أمراً حيوياً، الأمر الذي يعني أن أي تخريب في إمداد الطاقة هذا قد يتسبب في نتائج كارثية.

وقد اتهمت طهران إسرائيل صراحةً بمسئوليتها عن الحادث، وذلك على لسان وزير خارجيتها «محمد جواد ظريف»، حيث قال:

الصهاينة يريدون الانتقام من الشعب الإيراني للنجاحات التي حققها في مسار رفع العقوبات، قالوا علناً إنهم لن يسمحوا بذلك، لكننا سننتقم من الصهاينة.

ووفقاً لمعطيات الحادث وردود الأفعال يمكن أن نخرج بملاحظتين أساسيتين:

1. الانكشاف الأمني في إيران وخاصة مفاعل «نطنز»

حاولت إيران تقديم نفسها كواحدة من الأنظمة الأمنية شديدة الدقة، وهو ما يتناسب مع كونها دولة «مارقة» في نظر المجتمع الدولي، مُحاطة بالأعداء الراغبين في اختراقها وتدمير مشاريعها التسليحية.

ولكن يبدو مؤخراً أن هذه الصورة تتعرض للاهتزاز والشك بشكلٍ ملحوظ، فهذا الحادث جاء بعد يوم واحد من كشف إيران عن «133 إنجازاً نووياً»، من بينها إنتاج وتشغيل مجموعة أجهزة الطرد المركزي المتطورة من الجيل السادس المكونة من 164 جهازاً في «نطنز»، بالإضافة إلى تشغيل مجموعة ثلاثينية من الجيل الخامس أيضاً في المنشأة نفسها. بما يعني أن المنشأة النووية بالفعل كانت منكشفة للهجمات السيبرانية الإسرائيلية من قبل، وأن الرد السريع والفوري بمجرد تدشين أجهزة الطرد المركزي الجديدة هو رسالة للإيرانيين بأن أيادي الإسرائيليين داخل المنشأة النووية بالفعل.

وحتى إذا افترضنا أن هذا الترابط الزمني هو محض صدفة، فإن الحوادث السابقة تؤكد فرضية الانكشاف الأمني الإيراني؛ والبداية كانت عام 2009، عندما نجحت إسرائيل في إرسال فيروس «ستاكسنت» إلى قلب مفاعل نطنز لتُصيب أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، مما تسبَّب في إخراج ما يقرب من 1000 من أجهزة الطرد المركزي عن الخدمة، وهو ما أعاق عمل المفاعل وعطَّل عمله لشهور.

وقد تكرر هذا الهجوم في يوليو/أيلول 2020، عندما تعرَّض مفاعل نطنز أيضاً إلى هجوم سيبراني تسبَّب في إيقاف عمليات التخصيب الجارية في هذا المفاعل. ناهيك عن اغتيال «محسن فخري زاده» أحد أهم العلماء في نطنز في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، في قلب إيران.

وحول سؤال: لماذا تُركِّز إسرائيل هجماتها على مفاعل نطنز؟ فالإجابة أن المنشآت النووية الإيرانية في نطنز هي القاعدة الأساسية لبرنامجها للطرد المركزي لليورانيوم، وفيها يتم تركيب معظم أجهزة الطرد المركزي، كما أن الاتفاق النووي المُوقع عام 2015 أقرَّ أن نطنز هي المنشأة الوحيدة في إيران التي سيتم فيها تخصيب اليورانيوم.

2. رد الفعل الإسرائيلي والتسريبات الاستخباراتية

في مواجهة الاتهامات الإيرانية المعتادة، بعد أي عمل تخريبي تتعرض له طهران، غالباً ما كانت تلتزم إسرائيل بالصمت، وتكتفي بموقف المتفرج من بعيد، ولكن يبدو أن الأمر مختلف هذه المرة.

ففي اليوم التالي لحادث نطنز، وعقب إشارة أصابع الاتهام إلى إسرائيل، خرج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتصريح يحمل دلالات عدة، خاصةً أنه جاء في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الدفاع الأمريكي «لويد أوستن»، حيث قال إن إسرائيل لن تسمح لإيران أبداً بصنع أسلحة نووية، وأضاف:

لم تتخلَّ إيران قط عن سعيها لحيازة أسلحة نووية والصواريخ التي تطلقها … ولن أسمح لإيران أبداً بامتلاك القدرة النووية لتنفيذ هدف الإبادة الجماعية والقضاء على إسرائيل.

ليس هذا فحسب، بل خرجت تسريبات استخباراتية إسرائيلية إلى الإعلام –للمرة الأولى- تتحدث عن مسئولية «الموساد» عن حادث نطنز، ونقلت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية «كان» أن الموساد نفَّذ هجوماً إلكترونياً تسبَّب في ضرب المفاعل. وأضافت أن الضرر في المفاعل أكبر من المُعلن. وهو الأمر نفسه الذي أكَّدته تفصيلياً صحف «جيروزاليم بوست» و«هآرتس» الإسرائيلية.

بين الاستراتيجية والتكتيك: التحركات الإسرائيلية تجاه إيران

لا غرابة في أن تكون إسرائيل هي المتهم الأول في أي عمل «تخريبي» يُصيب إيران وعناصر برنامجها النووي، فهي العدو الأول والأكبر لطهران في المنطقة، والمواجهة بينهما هي مواجهة مباشرة وعلنية.

ورغم ذلك، فمن المهم أن نضع الحادث الأخير على مساره الصحيح لربطه بأحداث الماضي، ومحاولة رسم ملامح المستقبل، خاصةً أن المواجهة بين الطرفين تعيش ظروفاً خاصة، من جهة في ظل رغبة أمريكية في العودة للاتفاق مع إيران، ومن جهة أخرى، لأن إسرائيل صار لها ظهير سياسي عربي في المنطقة يصطف بجوارها ضد إيران بشكل علني ومباشر.

ولفهم دلالات وأبعاد الحادث الأخير، يجب وضعه في ثلاثة أطر رئيسية:

1. «استراتيجية» إسرائيل تجاه إيران

بناءً على التقديرات الأمنية الإسرائيلية عام 2004، بأن إيران إذا أرادت حقاً تصنيع أسلحة نووية، فإنها ستنجح في النهاية، دار سؤال مركزي في الأوساط الأمنية هناك: كيف يمكن إيقاف المشروع النووي الإيراني؟

«مائير داغان»، رئيس جهاز «الموساد» حينئذ، رأى أن الحل الاستراتيجي، القابل للتطبيق، في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، هو «إبطاء» عمل البرنامج النووي حتى لا يصلوا إلى مرحلة امتلاك أسلحة نووية. وقدَّم داغان خطة من عدة نقاط ركزت على العمليات السرية والنوعية، مثل: استخدام القدرات التكنولوجية لإسرائيل في شن هجمات سيبرانية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وتنفيذ عمليات اغتيال لعلماء الذرة الإيرانيين، والحرب النفسية التي تتمثل في إظهار إيران كدولة ضعيفة ومُخترَقة غير قادرة على حماية منشآتها وعلمائها، وغير قادرة أيضاً على الرد على الاعتداءات الإسرائيلية ضدها. وهذ الخطة التي بدأت بالفعل مع فيروس «ستاكسنت» عام 2009.

ومع وصول نتنياهو إلى كرسي رئاسة الوزراء عام 2009، يبدو أنه خطَّط أكثر من مرة لتوجيه ضربات عسكرية مباشرة إلى قلب إيران، وهو الأمر الذي رفضه داغان، ومن بعده «تامير باردو» (رئيس الموساد من 2011 إلى 2016)، فهُما رأيا أن مثل هذه الضربات ستقود إسرائيل إلى حرب إقليمية شاملة، لا يمكن توقع نهايتها أو عواقبها على إسرائيل. وبدلاً من ذلك استمر رجال الموساد في الضغط على الحكومة لتبني استراتيجية «إبطاء» عمل البرنامج النووي إلى هذه اللحظة.

2. «تكتيك» تعطيل العودة إلى الاتفاق النووي

يبدو أن إسرائيل قد استنفدت أولى أوراق اللعب لديها في سبيل تعطيل العودة الأمريكية إلى الاتفاق النووي، فلا هي نجحت بنفوذها في إثناء البيت الأبيض عن العودة، ولا حلفاؤها الخليجيون نجحوا في الوصول إلى المأرب نفسه، لذلك اتجهت إلى التكتيك الأكثر تعقيداً، وهو ممارسة الضغوط العسكرية على إيران.

وفي كل مراحل التصعيد العسكري الإسرائيلي، فإنها تستهدف بالأساس استفزاز إيران للانخراط بشكل أعمق في عمليات عسكرية إقليمية، تُعقِّد من مهمة الرئيس الأمريكي «جو بايدن»، وقد تصل إلى مرحلة «تخريب» أي اتفاق مستقبلي بين واشنطن وطهران.

ولا عجب أن حادث مفاعل نطنز جاء بعد أيام قليلة من عودة الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات مع إيران، في تطور هو الأبرز منذ تولي بايدن مقاليد الحكم، حيث أُجريت الجولة الأولى من محادثات غير مباشرة بين الطرفين في فيينا في الأسبوع الأول من إبريل/نيسان 2021، ويبدو أن الولايات المتحدة قد عرضت في هذه الجولة رفع جزء من العقوبات، في إطار إبداء حسن النية، وتسهيل عملية المفاوضات اللاحقة.

3. توقيت الحادث بالنسبة لنتنياهو

في الوقت الذي ذكرت فيه صحيفة «نيويورك تايمز» أن ما حدث في المفاعل النووي الإيراني نطنز، تم من خلال إدخال عبوة ناسفة في وقت سابق وتم تفجيرها عن بعد، لمح محلل الشئون الحزبية في صحيفة «هآرتس» «يوسي فيرتر»، إلى أن نتنياهو قد يكون منْ يقف وراء التسريبات الأخيرة، حول دور إسرائيل في ضرب المفاعل، وربما يكون وراء التسريبات أيضاً عن عملية «مُفترَضة» للكوماندوز البحري لضرب سفينة الشحن الإيرانية «سافيز» في الأسبوع الأول من إبريل/نيسان 2021.

ويرى المراقبون بشكل عام أن نتنياهو بهذه التسريبات يرفع الستار عن سياسة «الضبابية» التي اعتمدتها إسرائيل في كل ما يتعلق بالحرب مع إيران، سواء عبر ضرب أكثر من 12 سفينة إيرانية منذ العام 2019، أو التصعيد الأخير تجاه برنامجها النووي.

وهي أمور تكتسب أهمية شخصية لدى نتنياهو، فالأخير يُدرك خطورة وضعه القضائي في تهم الفساد التي يُحاكم فيها حالياً، بجانب وضعه السياسي المُعقَّد الذي حرمه من الحصول على الأكثرية داخل الكنيست في الانتخابات الأخيرة، وربما يحرمه من تشكيل الحكومة أيضاً.

لذلك يحاول نتنياهو مغازلة الرأي العام بعمليات تمنحه الشرعية، وربما تُدخِل إسرائيل في مواجهات عسكرية محدودة، يكتسب من خلالها المزيد من الزخم السياسي، الذي فقده خلال أزماته الأخيرة.

خيارات محدودة: كيف ترد إيران على إسرائيل؟

إن لعبة نتنياهو لاستفزاز إيران مكشوفة للغاية أمام الرئيس الإيراني «حسن روحاني»، الذي يُسابق الزمن، قبل انتخابات الرئاسة في يونيو/حزيران 2021، لإحراز تقدم في العودة للاتفاق النووي ورفع العقوبات، لتعزيز موقع التيار الإصلاحي في مقابل مرشحي التيار المحافظ. إضافة إلى أن الاقتصاد الإيراني لا يحتمل مزيداً من العقوبات.

بالتالي لا تريد إيران حالياً خوض حرب مباشرة وشاملة مع إسرائيل في ظل يقينها بأن مثل هذه الحرب لن تبقى مجرد مواجهة بين الطرفين، بل ستتوسع إلى مواجهة أكبر مع الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. كما أنها لا ترغب في توجيه ضربات عسكرية كبيرة لإسرائيل، من شأنها أن تكشف عن جميع قدرات طهران التكنولوجية والعسكرية، بل تدخر هذه القدرات إلى اليوم الذي تصبح فيه حرب التدمير المتبادل مع إيران خياراً لا مهرب منه.

وبجانب ذلك، يبدو أن القدرات السيبرانية الإيرانية لن تقدر على مجابهة نظيراتها الإسرائيلية، إذا ما أرادت طهران أن ترد الضربة الأخيرة بضربة مماثلة، أو أن تُدير حرباً سيبرانية محدودة في الظلام تجاه تل أبيب.

لذلك فإن المعطيات الحالية تدفع إيران إلى خيارين، قد يتم استخدامهما بشكل متوازٍ:

الخيار الأول: تصعيد الحرب البحرية غير المعلنة مع إسرائيل

في 13 إبريل/نيسان 2021 تعرَّضت السفينة الإسرائيلية لنقل السيارات «هايبريون راي» لمجموعة من الانفجارات بالقرب من ميناء الفجيرة. وهو ما تم فهمه على أنه «بشائر» الرد الإيراني على حادث مفاعل نطنز، ولكن الواقع أنه حلقة جديدة من مسلسل الحرب البحرية المحتدمة بين طهران وتل أبيب منذ عام 2019.

فالهجوم على السفينة الإسرائيلية يأتي في إطار الرد الإيراني على ضربة إسرائيلية مماثلة وجهتها إلى سفينة الشحن الإيرانية المعدلة «سافيز»، في 6 إبريل/نيسان 2021، وهي السفينة التي يُشتبه في أنها تُستعمل كمركز لجمع المعلومات الاستخباراتية ومستودع عائم للأسلحة.

ومنذ عام 2019 احتدمت هذه المواجهة غير المعلنة على الجبهة البحرية، ويرجع ذلك إلى زيادة جهود تهريب النفط الإيراني غير المشروع، بهدف تمويل حزب الله اللبناني، وتسهيل العمليات الخارجية لـ «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني.

وقد تجلت طبيعة هذه الحوادث الانتقامية أكثر فأكثر في عام 2021. ففي 25 فبراير/شباط تسبب انفجاران في إحداث ثقوب في ناقلة السيارات الإسرائيلية «إم في هيليوس راي» أثناء عبورها خليج عُمان. وفي 10 مارس/آذار تعرَّضت ناقلة الحاويات الإيرانية «شهر كورد» لهجوم بجسم متفجر عند اقترابها من ميناء اللاذقية السوري. وجاء الرد الإيراني الواضح في 25 مارس/آذار، عندما تعرَّضت سفينة الحاويات الإسرائيلية «لوري» لهجوم بينما كانت في طريقها من حيفا إلى الهند في وسط بحر العرب. ومن ثَمَّ جاءت الضربة الإسرائيلية التي استهدفت، في 6 إبريل/نيسان، سفينة «سافيز».

قد تُعلي إيران من وتيرة هذه الحرب خلال الأيام المقبلة، وكذلك ستعمل على توسيع مسرحها، فلن تتوقف فقط على منطقة شرق المتوسط قبالة السواحل السورية، وإنما ستمتد إلى مدخل الخليج مروراً بالبحر الأحمر، بما يُهدد أمن دول الخليج، والذي ربما يكون عامل ضغط على إسرائيل، في ظل علاقات التحالف والتطبيع التي تجمع إسرائيل بدول الخليج حالياً.

الخيار الثاني: تسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم

بعد يوم واحد فقط من ضرب مفاعل نطنز، وفي نفس يوم ضرب السفينة الإسرائيلية «هايبريون راي»، أعلنت إيران، في 13 إبريل/،نيسان، أنها ستبدأ في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي خطوة تُقرِّبها من الوصول لنسبة تخصيب 90% المناسبة لصنع سلاح نووي.

وقد قال «عباس عراقجي»، كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، وهو يعلن عن التخصيب بنسبة 60 %، إن إيران ستُشغِّل 1000 جهاز طرد مركزي متطور في نطنز. ونقلت «وكالة أنباء فارس» (شبه الرسمية) عن المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية «بهروز كمالوندي» أن هذا القرار جاء بإيعاز من رئيس الجمهورية «حسن روحاني».

ورغم وصف واشنطن لهذا الإجراء بـ «الاستفزازي»، فإنه اتُّخذ وكأنه رد مباشر على الهجوم الإسرائيلي، فمن جهة تبعث إيران برسالة إلى تل أبيب بأن هذه الجهود لن تُثنيها عن مواصلة برنامجها النووي، بل ستكون بمثابة المُحفِّز للتسريع من وتيرة العمل به، مما يُصوِّر جهود إسرائيل –أمام الرأي العام- وكأنها ذات نتائج عكسية. ومن جهة أخرى، تضع نفسها في خانة رد الفعل أمام واشنطن، وتجعل من سلوكيات إسرائيل وكأنها المُعرقل الأول لمفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي.

وبذلك فهي تُصدِّر الضغوط إلى واشنطن، التي ترغب هي الأخرى في استعادة الاتفاق النووي، وإغلاق الملف الإيراني ولو مؤقتاً، وتضعها في مواجهة إسرائيل، علماً بأن العلاقة بين واشنطن وتل أبيب حالياً ليست في أحسن أحوالها.

ولكن تبقى هذه التقديرات مرتهنة بوجود «حسن روحاني» وتياره الإصلاحي في مؤسسة الرئاسة، لأن وصول التيار المحافظ إلى الرئاسة في يونيو/حزيران 2021، ربما يقلب المعادلة رأساً على عقب، ويفتح المجال أمام خيارات جديدة، قد تكون أكثر جراءة.