في حياتنا اليومية نشاهد الكثير من الآباء والأمهات، نرى علاقتهم المختلفة بأبنائهم، نجد أشكالاً كثيرة لتشبث الأطفال بذويهم، فنجد منهم من لا يترك أمه أبدًا ولا يبتعد عنها، ومنهم من يرتبط بجدته أو معلمته في الروضة أو والده.. ويختلف شكل هذا التعلق من طفل لآخر، وإذا كان التعلق متبادل الطرفين أم من قِبل الطفل فقط.. لنرَ معًا مفهوم التعلق وأنماطه.


ما هو التعلق؟

هو ارتباط عاطفي ينشأ بين شخص وآخر، أو بين الناس وبعضهم البعض، في مكان واحد وزمان واحد، وهو سلوك اجتماعي يقوم به الطفل لرغبته في أن يكون بالقرب من أحد أقربائه، وغالبًا تنشأ هذه العلاقة بين الأم والطفل نظرًا لتقاربهم الشديد من قبل الولادة. يبدأ تعلق الطفل بشخص ما بين الشهر السادس والشهر التاسع، قيتعلق الطفل بالشخص الذي يلبي احتياجاته ويهتم به ويشعره بالسعادة.

عرف «بولبي» التعلق بأنه: «ارتباط نفسي دائم بين البشر»، ويعتبر التعلق مظهر من مظاهر النمو النفسي لانه يعتبر مصدر حيوي من مصادر تكوين شخصية الفرد في المستقبل.

بداية ظهور التعلق تبدأ في ابتسام الرضيع لأمه بصورة أكثر من الغرباء، وهذا يحدث في عمر الثلاثة أشهر، وبعد ثلاثة شهور أخرى قد يبكي عندما تتركه أمه، وبعد أشهر قليلة يتدرب على البقاء بجوارها في جميع الأوضاع، ووجد ان علاقة الارتباط المبكر هذه تبني داخل الانسان خمسة اشياء هامة جدًا:

  • تضع حجر الاساس لقدرتنا الاساسية على الثقة.
  • تعمل كمثال للعلاقات العاطفية المستقبلية.
  • تنمي قدرتنا على تنظيم التنبه و التعامل مع الضغوط و الصدمات.
  • تشكل احساسنا بالهوية و القيمة الذاتية و الكفاءة.
  • تضع حجر الاساس لاخلاقيات اجتماعية كالشفقة و التعاطف و الضمير.

أنواع التعلق:

هناك أنماط عديدة للتعلق متدرجة من الصحة إلى المرض، متى نشأت وتكونت،في هذا السن المبكر فانها عادة ما تستمر فيما بعد في العلاقات مع الاخرين،حيث انها تصبح جزءا ذاتيا في شخصية الطفل و الشخص البالغ ما لم يحدث تغير في سلوك الام نحو الطفل،او ان يتخذ البالغ فيما بعد موقفا استثنائيا حيال الانماط المضطربة في حياته المستقبلية.

التعلق الآمن:

وفيه يكون الطفل متأكدا من أن الأم أو من في محلها متواجد دائمًا ومتعاون. وهنا ينشأ طفل مرتاحاً ودوداً ومتعاوناً، طلق في الحديث، وذو مهارات مختلفة، يقول باولبي:

نتائج الحرمان من تكوين التعلق الآمن:

عند الأطفال من سن 3 سنوات:

  • غير مستقر.
  • لا يستجيب للأبتسامة أو المداعبة.
  • غير سعيد.
  • غالباً ما يعاني من قلة النوم.

عند الأطفال فوق 8 سنوات:

  • قلة التركيز في المدرسة.
  • يحبون افلام الرعب، وافلام الكرتون العنيفة.
  • الانطواء والعزلة الانفعالية، التباطؤ والكسل والتأخر الدائم.
  • تعمد كسر وتحطيم الاشياء الخاصة بهم وخاصة بالاخرين.

عند البالغين:

  • إحساس باحتياج مستمر إلى التعلق بشخص ما.
  • إحساس بالقلق المبهم وعدم الراحة.
  • الشعور بالرغبة في أن يترك بمفرده.
  • سلوكيات مضطربة.

التعلق غير الآمن:

وفيه يكون الطفل غير متأكد من أن الأم سوف تكون متواجدة ومتجاوبة ومتعاونة عند الأحتياج (اي يتعرض لحرمان جزئي من الأم، أو أن يكون اتجاه الأم غير ودود نحو طفلها)، حيث يعتبر الطفل محرومًا من الأمومة حتى لو كان يعيش مع أسرته إذا لم تكن لدى أمه القدرة على منحه رعاية الحب التي يحتاج إليها. بسبب هذا التردد في المعاملة وعدم تأكده من الشعور بالمحبة من أمه والود يكون مهدد بقلق الأنفصال عن أمه، وميال للتشبث الزائد بها ويشعر بالقلق حيال استكشافه للعالم الخارجي، وهناك بعض المواقف التي لو حدثت في الطفولة فإنها تسبب المرض والأضطراب:

  • التهديد بعدم منح الحب كاستخدام المخاصمة كأداة للتحكم في الطفل.
  • التهديد بالهجر (التخلي عن الطفل، بالأخص الأم).
  • جعل الطفل بمثابة كبش الفداء الذي يتحمل المشكلات التي معينة تمر بها الأسرة.
  • تشبيه الطفل بأحد الأقارب السيئين ومعاملته على هذا الأساس.

الأرتباط القلق:

الارتباط القلق لا يكون لدى الطفل فيه أي ثقة بأنه سوف يجد التجاوب و التعاون عند الأحتياج للرعاية، بل الرفض والصد. وعند درجة معينة يحاول الطفل أن يكتفي بنفسه عاطفياً فيحتفظ بوالديه بعيداً عنه، و يصير مختصراً و مقتضب الحوار الذي يصبح غير شخصي، منشغلاً بأنشطته و ألعابه الشخصية متجاهلاً أي مبادرات قد تنشأ من الوالدين.

وفيما بعد قد يصبح شخصاً نرجسي، ويشب في عزلة عاطفية ونفسية، وعدوانياً أو مضاد للمجتمع، ونجده أيضاً يسعى للفت الأنتباه بطريقة مفرطة.


تأثير التعلق على نمو الطفل:

يجب أن يجد الرضيع والطفل الصغير علاقة دافئة حميمة و مستمرة مع أمه كأساس جوهري لصحته العقلية، في هذه العلاقة يجد كل من الأم و الطفل الشبع والتمتع.

اتفقنا سابقاً على أن التعلق عملية مهمة جداً ولها آثارها على نمو الطفل «للمدى البعيد» أي يظهر تبعاته مستقبلاً في تعاملات الطفل المختلفة مع الآخرين، فإذا لم ينجح الطفل في تكوين علاقة إنفعالية إجتماعية وثيقة مع أمه أو الحاضن، فسوف يستحيل عليه أن يكون الثقة والأمان اللازمين للنمو السوي في المرحل التالية من مراحل نموه.

في العادة يخف سلوك التعلق لدى الطفل عندما يبدأ في استكشاف البيئة المحيطة به من ناحية، والتفاعل الأجتماعي مع الآخرين من ناحية أخرى، وليصل الطفل لهذه المرحلة من التفاعل يجب أن يشعر دائماً أنه محبوب وأن أمه لن تتخلى عنه وستتواجد بجانبه في أي وقت “الثقة في وجودها بجانبه” عندها يحصل الطفل على العلاقة الآمنة التي ستمكنه من العبور من هذه المرحلة الفاصلة في حياته بآمان.

للتعامل الآمن مع تعلق الأطفال في المراحل المبكرة، اقرأ هذا المقال:تمارين الثقة أو كيف ينفصل طفلك عنك بهدوء