إن أبرز تهمتين يتم توجيههما للسلفيين بشكل عام هما: انفصالهم عن الواقع وقلة وعيهم به، وانحيازهم للحكام على طول الخط وإنتاج ما يسمى بفقه «طاعة ولاة الأمور». وإذا كانت التهمة الأولى، فيها الكثير من الصواب، فإن الثانية، تفتقر في رأيي إلى الإنصاف وتعتمد على صور نمطية خاطئة. وفي حال اضطررنا إلى تصنيف التيارات السياسية من حيث قربها أو بعدها من الأنظمة في مصر، فإن نسبة مؤيدي النظام ضمن معظم التيارات في مصر – باستثناء الإخوان – أكبر بشكل ملحوظ من نسبتهم داخل التيار السلفي. كما أنه حتى السلفيون المؤيدون للنظام ليسوا من المنتفعين ماديا من الأنظمة المتلاحقة في البلاد، بل يتعرضون – كأفراد – لتمييز واضح ضدهم على المستويين المادي والمعنوي.

وإذا كنا نعتقد أن حزب التجمع لا يمثل كل اليساريين في مصر، وحزبي الوفد والمصريين الأحرار لا يمثلان كل الليبراليين في البلاد، فإن سلفية «ولاة الأمور» والدعوة السلفية وحزب النور أيضا لا تمثل النسبة الغالبة من التيار السلفي لا في مصر، ولا حتى في العالم الإسلامي. لكن الصورة النمطية المرسومة للسلفيين تعود إلى السماح لشيوخ السلطة بالظهور في وسائل الإعلام، والتضييق على العلماء غير المرغوب فيهم، ففي السعودية – التي يفترض البعض أنها معقل السلفية «المدجنة» – هناك عشرات آلاف المعتقلين من بينهم عدد من كبار العلماء والدعاة السلفيين مثل عبد العزيز الطريفي وخالد الراشد وإبراهيم السكران وﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺍﻟﻌﻠﻮﺍﻥ وسعود القحطاني والقائمة تطول.

دعونا نبدأ من العشر سنوات الأخيرة في عهد مبارك، حيث بزغ نجم السلفيين، وكان النظام ينظر إلى التيار السلفي – الجانب المدجن منه – باعتباره وسيلة لوقف تمدد الإخوان من جهة، وتيارا يساعد على سد حاجات الفقراء من الطعام والدواء فيحمل عن الدولة بعضًا من مهامها من خلال نشاطه الواسع من جهة ثانية، بالإضافة إلى أنه كان يدعو الناس للاهتمام بتزكية أنفسهم والبعد عن السياسة.

لكن النظام اكتشف أن هذا التيار قد كبر بدرجة لا يمكن السماح بها، وأنه حتى لم يعد تحت السيطرة بالشكل الذي كان يأمله، فقرر أن يوجه له ضربة قوية في نهاية عام 2010، فأغلق القنوات السلفية، وشن هجمة موسعة ضد السلفيين في العديد من الصحف والمحطات التليفزيونية، حتى إن آخر خطاب لمبارك قبل ثورة يناير شهد هجوما على الفكر السلفي. ويعتقد البعض أن النظام دبر حادثة تفجير كنيسة القديسين خصيصًا للقضاء على الدعوة السلفية في الإسكندرية.

ومع اندلاع الثورة رفض قطاع كبير من شيوخ السلفية – خاصة الذين سمح لهم النظام بالظهور في القنوات الفضائية – ما سموه بـ «الفوضى»، لكن قطاعًا آخر مثل محمد عبد المقصود ونشأت أحمد وفوزي السعيد وشباب الجبهة السلفية، كان مؤيدًا للثورة على نظام مبارك. ومن حضر في ميدان التحرير كان يمكنه بسهولة ملاحظة وجود الشباب السلفي، حتى أن أحد الشيوخ ومع تزايد عدد السلفيين بعد 28 يناير طلب مني ألا أعود للميدان وأن أطلب من كل من أعرفه من شباب السلفيين ألا يحضر حتى لا تصنف الثورة باعتبارها إسلامية بسبب كثرة الملتحين في التحرير. لكن حتى هذا الوقت لم يكن لدى معظم السلفيين لا الشجاعة ولا والوعي الكافي لتأييد ثورة يناير، لكن بسبب ضخامة التيار كان الجزء الصغير المشارك في الثورة منه ظاهرًا بشكل ملفت.

وعندما حان وقت الانتخابات الرئاسية أيد السلفيون مرشح الإخوان المسلمين ومرشح الثورة وقتها ضد مرشح النظام أحمد شفيق، وإذا كان هناك عدد قليل من السلفيين فعل العكس فهذا لا يمكن سحبه على التيار الواسع. ولا ننسى أن قطاعًا كبيرًا من مؤيدي المرشح الرئاسي الذي رفضت أوراقه حازم أبو إسماعيل ينتمي بالأساس للتيار السلفي.

وبعد تولي الدكتور محمد مرسي الرئاسة بأشهر قليلة دعم حزب النور جبهة الإنقاذ، وهو ما رفضه قطاع واسع من مؤيدي الحزب، وأدى هذا السلوك وما شابهه إلى استقالة مؤسس الحزب عماد عبد الغفور مع عدد كبير من الأعضاء المؤسسين ليشكلوا حزب الوطن، في اعتراض واضح على السياسيات التي قادها داخل الحزب جناح الشيخ ياسر برهامي القيادي البارز في الدعوة السلفية.

وعندما تم عزل الرئيس مرسي في انقلاب الثالث من يوليو، كان ميدان رابعة العدوية مليئا بالسلفيين، وحضر على المنصة العديد من شيوخ التيار المشهورين، كما أن نسبة كبيرة من المعتصمين في ميدان النهضة كانوا من التيار السلفي. وأنا شخصيا تم اعتقالي من القناة التلفزيونية التي كنت أعمل بها في مدينة الإنتاج الإعلامي يوم الثالث من يوليو 2013، لكن أحدًا لا يذكر للسلفيين يومها سوى مشهد جلال مره ممثل حزب النور في بيان الانقلاب.

وكنوع من العقاب – من السلفيين قبل غيرهم – لم يحصل حزب النور في الانتخابات البرلمانية الأخيرة سوى على عدد قليل جدًا من المقاعد بعد أن انفض معظم أعضائه عنه وفقد شعبيته، رغم أنه لم ينافسه أحد من التيار الإسلامي في هذه الانتخابات.

الخلاصة أن أفراد التيار السلفي – حسب ما أعتقد – لديهم شعور بالغبن بسبب الاتهامات الموجهة إليهم، خاصة من جماعة الإخوان، ففي الوقت الذي تلتمس فيه الجماعة الأعذار لغيرهم من المنتسبين للتيارات الأخرى ويدعونهم للاصطفاف، ويفرقون بين من يقف مع النظام ومن يعارضه، نجد أن الخطاب الموجه للسلفيين يحتوي على الكثير من التعميم المجحف. كما أن جماعة الإخوان ليست في حاجة إلى المزيد من الأعداء، والسلفيون تيار واسع ليس من الحصافة أو المصلحة استعداؤه بشكل كامل.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.