مع احترامي لكل لاعبي منتخب مصر، لا يوجد لاعب واحد من هذا الجيل يستحق التواجد في تشكيل منتخب مصر 2006 إلا محمد صلاح.
ميدو متحدثُا عن عناصر منتخب مصر خلال بطولة الكان الأخيرة

كان هذا التصريح عقب الخروج المهين لمنتخب مصر من بطولة أمم أفريقيا 2019، قام ميدو بشكل سريع وبسيط بعقد مقارنة بين لاعبي الجيل الحالي ولاعبي جيل 2006، مؤكدًا أن صلاح فقط هو من يستطيع اللعب أساسيًا بجوار نجوم 2006.

لكن لماذا 2006 تحديدًا رغم أن هذا الجيل الذي أشار إليه ميدو استمر بنفس القوة وصولًا للفوز بكأس الأمم الأفريقية 2010؟ الإجابة ببساطة لأن ميدو لم يشارك مع هذا الجيل إلا في بعض مباريات الكأس الأفريقية 2006.

حدث الخلاف الشهير بينه وبين مدرب منتخب مصر حينئذ حسن شحاتة خلال مباراة السنغال، لم يأبه الأخير لنجومية ميدو محترف توتنهام آنذاك وقرر استبعاده خلال فترة تدريبه للمنتخب المصري إلا قليلًا.

حسنًا، لدينا الآن في جعبتنا ثلاثة أسماء: ميدو ومحمد صلاح وحسن شحاتة، كما أننا نملك فرضًا خياليًا قدمه لنا ميدو عن طيب خاطر، ماذا لو شارك محمد صلاح رفقة جيل مصر التاريخي جيل 2006-2010؟

بالاستعانة بميدو ومواقفه، دعنا نفكر سويًا: كيف كان سيبدو صلاح ومدى تأثير ذلك على منتخب مصر؟ وهل كنا سنرى صدامًا جديدًا مع حسن شحاتة؟

فومانشي: أسطورة مصر المتكاملة

نحن الآن في عام 2006، حيث كانت وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر في بداية عهدها على الإنترنت ولم يكن يعلم عنها المشجع المصري شيئًا، بل إن سعر اشتراك الإنترنت في مصر لسرعة 256 كيلوبايت كان مقدرًا بـ 95 جنيهًا في الشهر.

لم يكن ميدو عام 2006 مجرد محترف مصري يلعب في صفوف توتنهام، بل كان أسطورة مصرية متكاملة الأركان منذ خمس سنوات متصلة ماضية. ميدو لاعب أياكس الذي أجلس إبراهيموفيتش على مقاعد البدلاء، لكنه تعرض للاضطهاد هناك في هولندا لكونه مسلمًا ثم وبمجرد وصوله لمارسيليا أصبح أساسيًا على حساب دروجبا، حتى في روما هو معشوق الطليان وشعبيته تأتي خلف فرانشيسكو توتي بقليل.

كل ذلك كان مدعومًا بالنذير من مباريات توتنهام على القناة الثانية التي ظهر فيها ميدو بشكل جيد بالفعل، مع العلم أن الدوري الإنجليزي كان يبث حصريًا من خلال قنوات شبكة راديو وتلفزيون العرب ART فقط، ولذا فجمهور مصر على المقاهي كان فريسة لكل الأحاديث المفتعلة المصحوبة بلقاءات في لندن وروما وباريس مع ميدو الأسطوري.

حسنًا، فقط تخيل ما إذا كان صلاح قد حقق ما يحققه الآن خلال عام 2006، تخيل معي تحقيق لاعب مصري لقب أفضل لاعب في أفريقيا مرتين متتاليتين مع تحقيق دوري أبطال أوروبا عام 2006، كان الأمر سيصبح جنونيًا دون شك، على الأقل لن يظهر أحدهم ليعلن أن ماني أفضل وأكثر تأثيرًا في نتائج ليفربول، أو يتجرأ أحدهم ويقر بأن صلاح يعيبه أحيانًا الفردية وعدم التعاون.

صلاح كان سيبقى وحيدًا في خانة ما بعد الأساطير، إنه الرجل الذي يموت الإنجليز من أجل أن ينظر لهم فقط، يدعونه الملك المصري ويقبلون الأرض أينما حلت قدماه. ولا عجب أن نرى مشهدًا مماثلاً لمشهد فومانشي من الفيلم المصري الحاسة السابعة، يستقبل خلاله مدحت شلبي مكالمة تليفونية عبر قنوات مودرن سبورت من كريستيانو رونالدو، والذي يحذر ميسي من مواجهة محمد صلاح قائلًا: انتبه يا ميسي، إن صلاح وحش كاسر، نحن مجرد أطفال صغار تلهو بالنسبة إليه، إن مجرد التفكير في مواجهته يعتبر انتحارًا.

هناك أيضًا عامل مهم للغاية: أن معظم الانتقادات التي يتعرض لها محمد صلاح تكون بسبب صورة أو تغريدة قرر صلاح أن ينشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لذا وبدون شك صلاح الأسطورة الحالية كانت ستتضاعف هالته عشرات المرات إذا عاد بالزمن للعام 2006، خاصة إذا فرض عليه قلة الظهور وكثرت من حوله الأحاديث.

لكن ماذا عن الأثر الفني لمحمد صلاح في جيل 2006-2010؟

صلاح ورحلة داخل رأس حسن شحاتة

يعزي الكاتب جوناثان ويلسون قدرة مصر على الفوز ببطولة أفريقيا عامي 2006 و2008، واكتساح فرق أفريقيا بمختلف أسمائها لطريقة اللعب التي اختارها حسن شحاتة، حيث يوضح ويلسون في كتابه الهرم المقلوب أن اختيار شحاتة لطريقة 3-4-1-2 كانت مثالية في مواجهة طريقة 4-4-2 والتي كانت متبعة من قبل باقي الفرق.

أوضح ويلسون أن اللعب بثلاثة مدافعين يصبح فاعلًا عندما يلعب المنافس برأسي حربة، حيث يعطي للفريق زيادة عددية في الوسط. لذلك عندما غير منتخب الكاميرون طريقته لـ 4-2-3-1 في المباراة النهائية عام 2008 عانى منتخب مصر وفاز بهدف وحيد بفضل خطأ دفاعي الكاميروني سونج، بينما خسرت في مستهل البطولة بأربعة أهداف أمام مصر لأنها لعبت بطريقة 4-4-2.

ما يهمنا هنا هو طريقة لعب منتخب مصر والتي أوضحها نيلسون بالصور التالية:

دعنا نحاول تحليل ما سيسفر عنه تواجد صلاح من قلب رأس حسن شحاتة، نحن أمام اختيارين: الأول هو أن يغير شحاتة من طريقة المنتخب المصري ويعتمد على أجنحة صريحة طالما أنه يملك واحدًا من أفضل الأجنحة في العالم وهنا ستتغير تشكيلة منتخب مصر، حيث سيتم الاستغناء عن دور الليبرو متمثلًا في هاني سعيد وإعادة تشكيل عناصر المنتخب لتصبح الطريقة إما 4-4-2 أو 4-2-3-1 وهو ما يضمن لصلاح اللعب كجناح.

أما الاختيار الآخر هو اللعب بمحمد صلاح كمهاجم ثانٍ بجوار متعب أو زكي، وهو ما فعله كلوب مع محمد صلاح في بعض مباريات ليفربول بالفعل وأجاد صلاح لعب هذا الدور.

الاختيار الأول كان سيفقد منتخب مصر ميزته الأساسية في مواجهة فرق القارة، أما الاختيار الثاني كان سيحول مصر إلى منتخب أسطوري بالفعل بحصيلة تهديف أكبر وديناميكية أكثر مرونة ومرتدات من الصعب إيقافها.

هنا يبدو السؤال منطقيًا: أي الاختيارين كان أقرب لحسن شحاتة؟ والرد بسيط، الاختيار الثاني بالطبع. تكمن قوة حسن شحاتة في صحة قراراته المصيرية وتنفيذها دون النظر للأسماء أو هالة النجوم الذين يتعامل معهم، ولذا فلم يكن من المتوقع أن يغير حسن شحاتة من تشكيلته من أجل الجناح محمد صلاح.

هناك أثر فني آخر كان سيحدثه وجود صلاح خلال هذا الجيل. لا يشك أحد أن تألق صلاح أوروبيًا فتح الباب لإعادة تقييم اللاعب المصري والمراهنة عليه أوروبيًا، وهو ما ساهم في احتراف لاعبين مثل تريزيجيه وحجازي ورمضان والنني.

دعنا نتخيل أن تلك الأنظار المتفهمة لقدرة اللاعب المصري كانت موجهة لهذا الجيل، دعنا نتخيل فرص احتراف أكثر تناسبًا لأسماء مثل وائل جمعة ومحمد شوقي وحسني عبد ربه وعماد متعب ومحمد أبو تريكة وعصام الحضري.

الحقيقة أن بعض أسماء هذا الجيل حظيت بفرص احتراف غير جيدة النتائج مثل حسني عبد ربه وعمرو زكي وأحمد فتحي، إلا أن كل هؤلاء ذهبوا لأوروبا بعقلية اللاعب المصري التي غيرها محمد صلاح بالفعل في نفوس المصريين. ربما إذا ذهب هؤلاء وغيرهم من أبناء هذا الجيل بعد نجاحات صلاح لكان لهم شأن آخر خارجيًا.

أما عن الصدام المحتمل فالنتيجة معروفة

لنعد لبداية حديثنا والذي أشار إلى صدام ميدو شحاتة الشهير خلال مباراة السنغال، تمرد ميدو على مدربه وكانت النتيجة استبعاده نهائيًا من حسابات شحاتة، لكن ماذا لو كان صلاح بأسطوريته المفترضة عام 2006 هو من تمرد على شحاتة؟

الإجابه يعلمها الجميع، حسن شحاتة كان سيقرر القرار ذاته. لا عجب أننا كنا سنجد الأسطورة فومانشي المصرية يجلس بديلًا لصالح متعب أو زكي أو حتى يتم استبعاده من قائمة المنتخب لصالح لاعب من الاتحاد السكندري اسمه محمد ناجي جدو.

هذا الفرض الأخير تجلى بعد دعم صلاح لزميله في المنتخب عمرو وردة في الحادثة الشهيرة خلال بطولة أفريقيا الأخيرة، حيث تندر العديد بقوة شخصية حسن شحاتة الذي لم يكن ليقبل عودة وردة مرة أخرى للمنتخب حتى بعد دعم صلاح والمحمدي.

لكن هل قرار شحاتة كان سيتلقى الدعم الكافي من إستديوهات التحليل التي تزيد كل يوم ومشجعي السوشيال ميديا وانتقاداتهم اللاذعة؟ ربما لا، لكن على الأقل لم نكن لنخرج أمام جنوب أفريقيا في حضرة فومانشي بنفسه.