تشهد حركة المقاومة الإسلامية «حماس» العديد من التغييرات على مستوى مكتبها السياسي وجناحها العسكري. تغييراتٌ تأمل الحركة من خلالها أن تحافظ على توجهاتها وكيانها في ظل أزمة عاصفة يمر بها قطاع غزة والمنطقة ككل. أزمة تساوي في ثقلها أن نسميها أزمة القرن ربما.بدأت بصعود «يحيى السنوار» إلى رأس المكتب السياسي في القطاع، وهو من الجناح المعروف بـ«الصقور» داخل الحركة، إلى الإشاعات المتتالية عن تكليف «روحي مشتهى» كضابط اتصال للحركة داخل مصر، ولن تنتهى التغييرات ربما عند التغيير الذي نناقشه اليوم وهو تصعيد «صالح العاروري»، الذي أشارت تقارير إلى تعيينه نائبًا لرئيس المكتب السياسي للحركة. من هو «العاروري» وما الذي نعرفه عنه وعن دوره داخل الحركة وخارجها؟


من هو العاروري؟

هو صالح محمد سليمان العاروري المكنى بـ «أبو محمد»، كان سابقًا عضوا في المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية-حماس، وهو من مواليد عارورة/رام الله عام 1966م. تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في فلسطين، كما حصل على بكالوريوس الشريعة من جامعة الخليل. التحق بالعمل الإسلامي في سن مبكرة في المدرسة ونشاط المساجد ثم قاد العمل الطلابي الإسلامي في الجامعة منذ العام 1985 حتى اعتقاله في عام 1992م. التحق بحركة المقاومة الإسلامية-حماس عام 1987م، وكان مشاركًا في مختلف أشكال مقاومة الاحتلال منذ انطلاقة الحركة. وما بين عامي 91-92 كانت البداية الفعلية لبزوغ اسم «العاروري»، حيث اشترك في تأسيس وتشكيل جهاز عسكري للحركة في الضفة الغربية عامي 1991-1992، ما أسهم في الانطلاقة الفعلية لكتائب القسام في الضفة عام 1992م.اعتقل منذ عام 1992 وحتى 2007 (15 سنة) بتهمة تشكيل الخلايا الأولى للكتائب في الضفة، ثم أعيد اعتقاله بعد ثلاثة شهور من الإفراج عنه، ولمدة ثلاث سنوات حتى سنة 2010م، حيث قررت المحكمة العليا الإسرائيلية الإفراج عنه مقابل ترحيله خارج فلسطين، وهو ما قبل به «العاروري». تم ترحيله إلى سوريا واستقر بها لثلاث سنوات، ومن ثم غادرها إلى تركيا في شهر فبراير/شباط عام 2012، وذلك عقب اندلاع الثورة السورية وتعثر العلاقات بين بشار الأسد وحركة المقاومة الفلسطينية. وفي سياق الأزمة التي شهدتها المنطقة مع بزوغ تنظيم الدولة الإسلامية في نهاية العام 2015، تعرضت الدولة التركية لضغوط أمريكية-إسرائيلية أدت بها إلى طرد «أبو محمد» من أراضيها ليصل إلى الدوحة. وفي هذا يقول مصدر من داخل حركة المقاومة الإسلامية «حماس» لصحيفة القدس إن «العارورى غادر تركيا منذ أشهر، لم يعد يقيم فيها كالسابق.

فهو فضل الخروج بذاته لرفع الضغط والإحراج عن تركيا التى تعرضت لحملة ضغط كبيرة من قبل الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، بحجة أنه يمارس أعمال مقاومة من داخل الأراضى التركية»،ولم يكد أن يصل «العاروري» إلى الدوحة ولما يستقر بها بعدُ، حتى استعرت الأزمة الخليجية-الخليجية، ووجهت الدول الأربعة اتهاماتها لقطر بدعم الإرهاب، فكان أن خرج «أبو محمد» إلى ماليزيا، ومنها إلى لبنان.


الحركة تُعلي من قيمة المصلحة بتصعيد العاروري

لم يستقر العاروري بتركيا التي تعرضت حكومتها لضغوط أمريكية-إسرائيلية من جراء استضافته، فاضطر للترحال إلى الدوحة ومنها إلى ماليزيا

حتى الإفراج عنه من السجون الإسرائيلية في مارس/آذار من العام 2010، لم يكن اسم «صالح العاروري» معروفًا على نطاق واسع، وإنما كان مجرد ناشط من ناشطي حركة «حماس»، لاحقًا أشارت تقارير إلى أن «العاروري» لعب دورًا في إتمام صفقة «وفاء الأحرار»، ثم تلاشت الأضواء المسلطة عليه بعد ذلك تدريجيًا.لعب الرجل في تركيا دورًا محوريًا في توفير الدعم المالي للحركة، حيث تشيرتقارير وزارة الخزانة الأمريكية إلى دوره في جمع الأموال من الدول العربية وتركيا وتمريرها إلى كتائب القسام في غزة، وفي التقارير الاستخباراتية الأمريكية يسمى «العاروري» بالقائد العسكري والممول المحوري للحركة، وهو ما سمح له بامتلاك النفوذ الكبير داخل المكتب السياسي للحركة بتحكمه في مسارات التمويل، وكذا نفوذ كبير داخل الجناح العسكري للحركة في الضفة بصفته أحد مؤسسيه.ويُنظر إليه أيضًا على أنه مطلق شرارة الحرب الأخيرة (2014) في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث أدى اختطاف 3 إسرائيليين وقتلهم بالضفة الغربية إلى اندلاع الحرب. ففي مؤتمر له بإسطنبول أقر «العاروري» بعملية الأسر والقتل، وأن من نفذوها كانوا جزءًا من حركة حماس. هذا الاعتراف الذي تنافى مع التوجه الرسمي للحركة، حيث قام المتحدث الرسمي «سامي أبو زهري» بنفي مسئولية الحركة عن اختطاف المستوطنين الثلاثة وقتلهم. تضارب التصريحات بين الحركة و «العاروري» أفقد الحركة مصداقية موقفها الأخلاقي أمام العالم ووضعها في حرج سياسي كبير.

وفي أغسطس/آب من العام 2014 تصدر «العاروري» الأخبار مرةً أخرى، حيث اتهمته السلطات الإسرائيلية بالمسئولية عن تشكيل خلية للانقلاب على الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» في الضفة الغربية. وهو الاتهام نفسه الذي ساقه «محمود عباس» ضد «العاروري» لاحقًا.في تركيا أسس «صالح العاروري» مكتبًا لحماس، ثارت حوله العديد من الشبهات التي تخص مدى استقلالية المكتب أو تبعيته للحركة، وفي ذلك يقول الصحفي الإسرائيلي «شلوم إلدار»: «يأخذ فرع حماس في تركيا قراراته بنفسه وبدون المشاورة مع قيادة حماس، وبدون الأخذ في الاعتبار تبعات أفعاله على الحركة ككل». وفي ذلك السياق يعود «شلوم إلدار» إلى حقيقة أن حادثة خطف المستوطنين الثلاثة عام 2014 والتي أدت إلى اندلاع حرب غزة كانت من تنفيذ مكتب حماس في تركيا دون علم الحركة نفسها، وهو ما أدى إلى تضارب التصريحات بين العاروري وحماس، التي فوجئ قادتها بعملية الاختطاف.يضاف إلى هذا أيضًا قيام «العاروري» بالتخطيط للانقلاب على «عباس» في الضفة بعيدًا عن سياسة حركة حماس وبدون علم قادتها، كل هذا وغيره يثير الأسئلة حول حقيقة استقلالية مكتب حماس في تركيا من عدمها وطبيعة عمل «صالح العاروري» ومدى ارتباطه بالحركة.يقول البعض إن «أبو محمد» يتحرك بطريقة تظهر التحدي لقيادة الحركة حين كان خالد مشعل على رأسها، ويمكن إرجاع هذا لأمرين؛ أولًا الأيديولوجيا، وهو أمر مستبعد حيث إن معظم التقارير تشير إلى أن «العاروري» يمثل الجناح البرجماتي داخل حركة حماس. وما يؤكد هذا بشدة حوار أجراه مع جريدة «التليجراف» البريطانية، واستهله بـ «حثّ» حماس على ترك التفجيرات ومحاولة الحديث إلى الدولة اليهودية، وأكمل قائلًا: «حماس ستضر نفسها إذا هاجمت المدنيين، في النهاية ثمرة العمل العسكري هي الحل السياسي، كل الحروب تنتهى بهدنة أو بمفاوضات».

لا يمكن عزو تصعيد العاروري إلا في إطار تغليب المنظور البرجماتي، في إطار المصالحة مع فتح وقنوات الاتصال المفتوحة حديثًا مع المخابرات المصرية

وأكمل قائلًا: «تطور الحركة الإسلامية من حركة ذات طبيعة عسكرية إلى حركة سياسية هو نتيجة مرضية»، و«نتيجة طبيعية»، فهل يبدو الرجل إذن رجلًا من رجال الأيديولوجيا أو من صقور حماس؟والمعروف أن من تختلط يده بأمور المال ترتفع يده عن الزناد، إذن لا يسعنا إلا النظر للخيار الثاني، وهو أن «العاروري» يرسم لنفسه مسارًا مختلفًا عن التوجه الرسمي للحركة بغرض إظهار نفسه كقائد عسكري وسياسي مختلف عن سابقيه. ويملك «العاروري» نفوذًا واسعًا ولا ريب، فقد نجح خلال سنوات قليلة في الصعود لهرم السلطة داخل الحركة، نفوذ مالي عن طريق شبكات التمويل التي يديرها لصالح الحركة ونفوذ عسكري عن طريق جناح الحركة داخل الضفة الغربية، وهو الجناح الذي أسسه بنفسه وعلى يده.لكن لم ينته نفوذ «العاروري» عند شبكات التمويل أو العلاقات داخل الضفة الغربية، ففي فبراير/شباط من هذا العام وأثناء وجوده في لبنان، أظهرت صور نشرتها وسائل إعلام إيرانية ومقربون من حزب الله اللبناني، أول اجتماع علني لقيادات من المكتب السياسي الجديد لحركة حماس مع مسئول إيراني بارز في العاصمة اللبنانية بيروت.ويظهر في الصور التي نشرت لـ «العاروري» إلى جانب القياديين «أسامة حمدان» و «علي بركة»، أثناء اجتماعهم مع المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني للشئون الدولية، «حسين أمير عبد اللهيان» الذي شغل سابقًا عدة مناصب في وزارة الخارجية الإيرانية.فما الذي يمكننا استنتاجه من التصعيد المفاجئ لرجل من رجال الظل في المكتب السياسي لحماس إلى واجهة الحركة؟نحن هنا أمام خيارات مفتوحة لتفسير هذا التصعيد، فأولًا يمكن أن يكون هذا التصعيد محاولة من حماس لتغليب الجانب السياسي والبرجماتي وتصديره إلى كل من حركة فتح والإسرائيليين، لموازنة المكتب السياسي لحماس في غزة وعلى رأسه يحيى السنوار. أما الخيار الثاني، ويطرحه تاريخ «صالح العاروري» الطويل، أننا أمام بداية انقلاب سياسي داخل حركة حماس، انقلاب قد يكون ضروريا لتواكب حماس متطلبات صفقة القرن، ورجالات الماضي لا يصلحون لمهام اليوم التي ستكون أكثر إيلامًا على الحركة ربما من كل الحروب التي خاضتها سابقًا.