أيام قلائل مرت على الذكرى رقم 105 لميلاد الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر ليُعلن بعدها وفاة خازن أسرار عبدالناصر. ووزيره لشئون رئاسة الجمهورية، وسكرتيره للمعلومات، سامي شرف عن عمر ناهز 93 عامًا. فشرف من مواليد عام 1929 بمصر الجديدة بالقاهرة. كان الرابع بين 6 إخوة، والثالث بترتيب الذكور. والده الطبيب محمد عبدالعزيز شرف، حاصل على شهادة الدكتوراه في الجراحة العامة من جامعة أدنبره بالمملكة المتحدة.

والده لم يكن دوره ثانويًا في حياته، بل يمكن القول إنه هو من فتح الباب للابن نحو دائرة الضوء. كان الدكتور عبدالعزيز شرف ذا أهمية كبيرة للدولة المصرية. فبجانب أنه عمل مفتشًا للصحة في عديد من المحافظات المصرية، كان الرجل ذا قيمة جعلت محمد نجيب، الرئيس الأول للجمهورية المصرية، ينعيه شخصيًا وبصورة رسمية لحظة وفاته.

التحق شرف بالكلية الحربية عام 1946. لم تكن هي أولى محطاته، بل بدأها بكلية الطب بناءً على رغبة والده، ثم تركها لكلية التجارة، لكن استقر الأمر به في النهاية حيث أراد من البداية، الكلية الحربية. تخرج فيها عام 1949. وعُيّن في سلاح المدفعية برتبة ملازم. وبعد أيام قليلة من قيام ثورة يوليو/ تموز 1952 التحق شرف بالمخابرات الحربية.

 في المخابرات أظهر نبوغًا في كافة المهام التي أوكلت إليه. فبدأ في سلم الصعود نحو القمة والوصول لتلقي أوامر متعلقة بأمن عبدالناصر شخصيًا، أو تلقي أوامر من الرئيس مباشرةً بمهام وُصفت في معظم الأوقات، بأنها مهام ذات طبيعة خاصة. إحدى تلك المهام التي أَشيع أنه كُلف بها هي مهمة قتل ملك مصر السابق فاروق الأول، لكن ينكرها سامي شرف بشدة.

اللقاء الذي غيّر كل شيء

أول لقائه مع عبدالناصرفي أواخر عام 1951 عندما التحق شرف بدورة عُقدت في مدرسة الشئون الإدارية تمهيدًا لترقيته إلى يوزباشي، نقيب حاليًا. كان عبدالناصر هو من يقوم بتدريس مادة التحركات والمخابرات. رغم إلغاء الدورة بعد 3 أسابيع بسبب حريق القاهرة وإعلان حالة الطوارئ، فإن الصداقة كانت قد نشأت بين الاثنين.

لكن لاحقًا اختاره عبدالناصر لإنشاء سكرتارية الرئيس للمعلومات. كانت تلك السكرتارية جديدة على الدولة المصرية، لكن ظروف نشأتها أعلمت الجميع أنها عين وأذن الرئيس. فعندما كان عبدالناصر مسافرًا لحضور مؤتمر باندونج، استدعى شرف وكلفه بإنشاء تلك السكرتارية. في تلك السكرتارية ترقى شرف فصار مديرًا عامًا، ثم وكيل وزارة، ثم نائب وزير.

لم تكن تلك هي الهيئة الوحيدة التي نشأت على يد سامي شرف، بل يُنسب إليه أنه أنشأ هيئة مراقبة الإدارات الحكومية، التي أصبحت حاليًا هيئة الرقابة الإدارية. يقول شرف إن عبدالناصر ابتعثه إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليدرس كيفية العمل بجانب الرؤساء، كما عرّج الرجل على الكرملين والهند والصين وفرنسا، ليعرف البروتوكولات الدولية في التعامل مع القادة.

 قبل وفاة عبدالناصر بفترة وجيزة صدر قرار بتعيينه وزيرًا للدولة، ثم وزيرًا لشئون رئاسة الجمهورية في أبريل/ نيسان 1970. تُعتبر وفاة عبدالناصر حدثًا فارقًا في حياة شرف. لا لمجرد ارتباطه القلبي بشخصية الزعيم الراحل، ولا بسبب المناصب التي كان مؤهلًا للترقي إليها في ظل وجود عبدالناصر، لكن لأن وفاة عبدالناصر فتحت أبوابًا على شرف لم يكن يتخيل أن يدخلها يومًا.

شرف في سجن السادات

بعد وفاة عبدالناصر طلب شرف من السادات أن يتقاعد، رفض السادات طلبه 3 مرات. لم يكن شرف يدري سبب رفض السادات، خصوصًا أنه شعر بفجوة بينه وبين السادات. لكن الإجابة أتته في 13 مايو/ آيار عام 1971 فقد كان شرف ضمن رموز حكم الرئيس عبدالناصر الذين جرى اعتقالهم بأوامر الرئيس التالي أنور السادات. عُرفت تلك الاعتقالات باسم اعتقالات مراكز القوى، ضمن ثورة التصحيح.

 حُكم في البداية على شرف بالإعدام، ثم خُفف الحكم لاحقًا للمؤبد، لكنه قبع شرف في السجن لمدة 10 سنوات. ففي السنة الأخيرة، عام 1980، جرى نقله وزملاؤه إلى سجن قصر العيني. ومن قصر العيني صدر قرار الإفراج عنه، وعن عديد من زملائه، دون وجود أوامر واضحة بذلك.

يحكي شرف لنا هذه القصة في مذكراته المكونة من 7 أجزاء، سنوات وأيام مع عبدالناصر، أنهم وجدوا باب السجن مفتوحًا، واختفى الضباط والجنود. كان المشهد مهيبًا لكنهم تراجعوا وأخذوا يتشاورون خوفًا من أن يكون الأمر فخًا. لكن في النهاية يقول شرف إنهم قرروا الخروج، ووضعوا في حسبانهم احتمالين، الأول هو اغتيالهم أو الذهاب لبيوتهم. يضيف لاحقًا بنبرة فيها انتصار خفيّ، أن الاحتمال الثاني كان الصحيح، فذهبوا جميعهم لبيوتهم.

إخلاص نادر لعبدالناصر

لكن الخروج من السجن لم يكن نهاية المشاكل التي واجهها الرجل. فكوّنه صاحب لقب خازن أسرار عبدالناصر جعله هدفًا لعديد من الجهات على اختلاف توجهاتها وأهدافها، لكن جميعهم يتفقون أنهم يريدون مزيدًا من المعلومات عن عبدالناصر. فمثلًا بعد الخروج من السجن قرر الرجل العودة للتعليم وانتسب للجامعة الأمريكية بالقاهرة للحصول على الماجستير في الإدارة العامة.

لكنه ترك الجامعة ونفض يده من الماجستير بسبب اكتشافه أن أحد أساتذة الجامعة كان على علاقة بالمخابرات الأمريكية وكان يضايقه طالبًا للمعلومات حول عبدالناصر. لكن كما يقول محمد فايق، مدير مكتب عبدالناصر ووزير الإرشاد القومي خلال الفترة من 1966 إلى 1970، أن شرف كان مخلصًا لعبدالناصر بدرجة لم يُقابل، أي فايق، مثلها أبدًا.

مضيفًا أن شرف لم يكن يغادر مكتبه إلا بعد أن يطمئن أن عبدالناصر قد خلد للنوم. لذلك يقول فايق إن الناصرية قد فقدت بوفاة شرف حارسًا قويًا وأمينًا.

يمكننا أن نستشف ذلك من مذكرات الرجل الموزعة على ما يقارب الألفي صفحة، فرغم طولها، فإن الرجل لم يضع فيها حديثًا عن شخصه هو، ولا نشأته، من أين أتى وكيف كانت حياته قبل الوصول لعبدالناصر. في حين أنه يُحدد في مذكراته أنه قضى مع عبدالناصر ما يقارب 155.520 ساعة، على مدار 18 عامًا قضاها في خدمة عبدالناصر.