بعد أسبوعين كاملين من الاختفاء الغامض أعلن التلفزيون رسميًّا وفاة الرئيس. أسبوعان كاملان سرت فيهما التكهنات حول إصابة جون ماجوفولي بفيروس كورونا المستجد، وأن اختفاءه لتلقي العلاج وللحجر الصحي. أجل، لم يتم تأكيد تلك الشائعات، والخبر الرسمي أن وفاته عن عمر 61 عامًا سببه أمراض قلبية، لكن تظل الرواية الشعبية الأشهر، والتي يبدو أنها هى التي ستبقى، أن وفاته جاءت جراء إصابة بكوفيد-19.

هذا الإصرار من المعارضة على ربط وفاته بالفيروس يرجع إلى أن ماجوفولي كان واحدًا من أبرز المشككين في وجود فيروس كوفيد-19، ودعا شعبه أكثر من مرة لمواجهة الجائحة الوبائية المزعومة بالدعاء والصلاة وبخار الأعشاب المحروقة.

وآخر مرة ظهر فيها الرئيس كانت في 27 فبراير/شباط 2021، ثم اختفى بعدها. رئيس الوزراء أصر الأسبوع الماضي على أن الرئيس يتمتع بصحة جيدة، وأنه، أي الرئيس، يزاول مهام عمله بجدية. بينما أصر زعيم المعارضة على أن مصادره الموثوقة نقلت له خبر إصابة الرئيس بكورونا، وأنه سافر ليتلقى علاجه في كينيا، وجاء خبر الوفاة ليُرجح كفة مزاعم المعارضة.

رغم أن ماجوفولي قد قاد تنزانيا نحو نهضة ملحوظة، وعمل على ربطها بجيرانها، ونظَّم العديد من البنى التحتية فيها، فإن إرثه سيظل مرتبطًا بتعامله مع جائحة كورونا، فلم يُغلق البلاد ولا حثَّ على الإجراءات الوقائية ولا عمل على شراء اللقاحات لشعبه، بل اعتقل كل من تحدث عن الوباء، أو حتى نقل إشاعات إصابة بالفيروس.

رئيسة لأربع سنوات قادمة

مات الرجل بعد أن قضى عامًا واحدًا في ولايته الرئاسية الثانية التي فاز بها عبر انتخابات مشكوك في صحتها. أعلنت خبرَ الوفاة نائبته سامية حسن صولوحي، أو سولوهو كما تنطقها بعض الصحف العربية، وأعلنت كذلك الحداد الوطني وتنكيس الأعلام لمدة 14 يومًا.

وكما ينص الدستور فإن نائبة الرئيس يجب عليها أن تؤدي اليمين الدستورية كرئيسة جديدة للبلاد حتى انتهاء مدة الرئيس المتوفى، ومدة الحكم في تنزانيا خمس سنوات، قضى منها ماجوفولي عامًا، ليتبقى لسامية 4 سنوات كاملة كرئيسة دستورية للبلاد بصلاحيات كاملة.

وأدت سامية اليمين يوم الجمعة 20 مارس/ آذار 2021 في مجلس الدولة بدار السلام، بعد أن كانت نائبة الرئيس لأول مرة عام 2015، واُنتخب مرة ثانية وفقًا للدستور العام الماضي. وبأدائها اليمين تصبح سامية أول امرأة تتقلد منصب الرئاسة في أفريقيا عامةً، وفي شرق أفريقيا خاصةً.

وإذا وضعنا إسلامها وحجابها في المعادلة فستصبح سامية أول امرأة مسلمة محجبة تقود بلدًا أفريقيًّا، وقد أدت اليمين الدستورية مرتدية حجابها المعتاد، ويدها اليُمنى على القرآن، متعهدةً بالحفاظ ودعم دستور البلاد والحفاظ على مصالح الشعب التنزاني الذي يعرفها شعبيًّا باسم ماما سامية.

وكان خطابها قريبًا لخطابات الأمهات، فقد بدأته بقولها إن اليوم ليس جيدًا بالنسبة لها، وإنها تتسلم مهام الرئاسة وفي قلبها جرح جراء فقد ماجوفولي. وأردفت أنه على الجميع التكاتف معًا للعمل على توحيد الأمة، وأن الوقت قد حان لتجاوز الخلافات والمضي قُدمًا.

مجموع سيئ في الثانوية

سامية من مواليد عام 1960، في منطقة زنجبار ذات الحكم شبه الذاتي، وأغلبيتها من المسلمين، 99% هي نسبة المسلمين فيها. والدها كان مُعلمًا، وأمها ربة منزل، وتخرجت من المدرسة الثانوية بدرجات سيئة، كما صرَّحت هي بذلك سابقًا، لذا حصلت على وظيفة كتابية في مكتب حكومي في عمر السابعة عشرة.

وقبل أن تصبح نائبة للرئيس كانت وزيرةً للدولة في مكتب نائب الرئيس، وتُعتبر الوجه المُفضل لتنزانيا حتى إنها باتت واجهة تنزانيا في كل الاجتماعات الدولية، مثل اجتماعات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي، ومجموعة شرق أفريقيا.

ومن الواضح أنها دخلت المعترك السياسي منذ قرابة 20 عامًا مضت، فقد تم انتخابها لأول مرة كعضو في البرلمان عام 2000 في زنجبار. وفي تلك الفترة عيَّنتها رئيسة زنجبار أماني عبيد كرومي وزيرةً لها، كما فازت عام 2010 بأغلبية ساحقة للانضمام للجمعية الوطنية، وبعد 4 سنوات من ذلك الفوز انضمت إلى مجلس الوزراء.

لذلك لم يكن مفاجئًا أن يتم انتخابها لتصبح رئيسةً للهيئة المكلفة بكتابة الدستور الجديد للبلاد. كل تلك النجاحات يرافقها نجاحات في حياتها الأسرية أيضًا، فهي زوج حافظ أمير أحد مسئولي قطاع الزراعة في تنزانيا، ولديها ثلاث بنات أشهرهن ابنتها موانو، كونها البنت الوحيدة التي اتبعت خطى والدتها السياسية، وموانو حاليًّا عضو في مجلس النواب التنزاني.

سامية حسن نالت لقب ماما سامية دلالةً على احترام المحيطين لها، واكتسبته بهدوئها خاصة في اجتماعات صياغة الدستور. فقد اُشتهرت باحتوائها نوبات الغضب التي كانت تصيب الفرقاء السياسيين، وتوجيه الطرفين المتناقضين لما تريده هي. وعلى النقيض مما قد توحي به كلمة ماما، فإن سامية تناقض ماجوفولي في العديد من الصفات، أبرزها أنها لا تُظهر مشاعرها تجاه أحد وهي أكثر تأنيًا وروية.

تفاؤل حذر

وصفها العديد من أعضاء البرلمان بأنها أكثر سياسية بُخست حقها في تنزانيا. لكن ها هي الفرصة قد أتت لها بدون سابق إنذار، لتُظهر سامية قدراتها الحقيقية في إدارة البلاد. ولا يعرف أحد هل سوف تستمر سامية في اتباع نهج سلفها المتشكك في التعاطي مع فيروس كورونا، أم أنها سوف تسارع لاتخاذ إجراءات وقائية تأخرت كثيرًا في تنزانيا.

وقد سارع الإثيوبي تيدروس أدهانوم غيبريسوس، رئيس منظمة الصحة العالمية، بتوجيه رسالة تهنئة إليها، قائلًا إنه يأمل في أن  يستطيعا العمل معًا لمواجهة فيروس كورونا.

واختلافها عن ماجوفولي لم يكن سرًّا، فعلى الرغم من أنها كانت مؤيدةً له، كما يجب على نائب الرئيس أن يكون، فقد كان لها العديد من الجولات المنفردة. ففي عام 2017 زارت زعيم المعارضة، توندو ليسو في المستشفى بعد أن نجا من محاولة اغتيال. الصادم في زيارتها أن العديدين توقعوا تورط الدولة رسميًّا في حادثة اغتياله، فسببت الزيارة ارتباكًا في الأوساط الإعلامية والشعبية.

ولم تقف أمام ليسو حين عاد العام الماضي ليشارك في الانتخابات، لكنه رحل لاحقًا وقال إنه تلقى العديد من تهديدات القتل.

درست سامية الإدارة العامة في تنزانيا،ثم تخرجت في جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة، وهي حاليًّا ضمن قائمة قصيرة تضم 8 نساء أفريقيات كن على رأس بلادهن في فترات متباعدة من عام 1994 حتى وقتنا الحاضر. ورغم رمزية تلك الأمور فإنها تفتقر إلى التأييد الواسع على مستوى النخب السياسية، وإذا كانت تريد أن تستمر إلى ما بعد عام 2025، أو تُكمل الأربع السنوات القادمة فحسب، فإنه من الواجب عليها الحصول على دعم تشاما تشا مابيندوزي، الحزب الحاكم في البلاد.

خاصةً أنه من المتوقع أن تواجه ضغوطًا من حلفاء ماجوفولي ورجاله الأقوياء في المخابرات وغيرها من مفاصل الدولة الحساسة التي يسيطرون عليها، وإنهم سوف يحاولون توجيه قراراتها. لذا فلا ينبغي توقع الكثير من التغيير عن نهج ماجوفولي، لأن سامية ستجد معارضة قويةً، كما أنها ربما تستغل السنوات الأربع الحالية لمجرد بناء قاعدة لها.