كالعادة تدخل للبحث عن فيديو معين على يوتيوب فينتهي بك المطاف، تشاهد أروع اللقطات التي لم تشاهدها لميسي بتعليق عصام الشوالي، يراوغ ميسي عَيني كما يراوغ المدافعين؛ ليهرب مركز الإبصار إلى الفيديوهات المقترحة المتراصة على أحد جوانب الشاشة، ضمن الفيديوهات أجد كليب «مازال» لسميرة سعيد دون أن أعرف الرابط بينه وبين ما أشاهد لكني أضغط عليه بشكل لا إرادي لأراه للمرة الأولى.

مازال… مازال

لولا وجود اسم سميرة على الفيديو كليب لما عرفتها وحسبتها إنسانة أخرى، وهذه هي مشكلتي معها بالمناسبة، ففي كل مرحلة تتغير لتصبح أنثى أخرى وتقتل داخل مخيلتي الأنثى السابقة التي أحببتها وتعلقت بها، ولهذا السبب كان حبي لها ناقصًا، فالجزء الذي تقتله عمدًا بظهور شخصيتها الجديدة، يبدو لي محاولة للتخلص من الماضي؛ لتبدو متجددة كما تعتقد وتكسب أرضية وشعبية إضافية لدى معجبين جدد.

لكنها في الوقت نفسه قد تخسر بعض المملين من أمثالي والذين لا يحبون التغيرات العنيفة التي تعصف بأي شيء، حتى لو كان الأمر متمثلًا في سميرة سعيد نفسها. أحاول الاستمتاع بالكليب لكن عدم قدرتي على الاندماج معه تجعل العقل يسرح في ذكرى قديمة حرّكتها «الديفا»، وهو اللقب الذي أطلقه المحبين على سميرة سعيد.

القلب وما يريد… والعين وما تشوف

أتذكر تلك الأغنية التي سمعتها صغيرًا على شريط كاسيت، أتذكر نفسي فور انتهائها أضغط على زر إرجاع الأغنية مُجددًا، وأتذكر أيضًا أنني لم أسمع غيرها حتى أعلن شريط الكاسيت عصيانه، أخرجت الشريط من مكانه وبدأت في إعادة الأشرطة الداخلية التي خرجت ربما لضيقها من الاستماع إلى ذات الأغنية.

أسمع الشريط يستغيث بصانعه، يتمنى لو لم يخترع هذا المهندس الشريط السمعي الذي تم استنساخه حتى وصلت نسخة منه إلى يدي.

أخيرًا يعود الشريط كما كان، أُشغِّل الشريط مُجددًا وأسمع الأغنية، تلك الأغنية التي ظلت عالقة بذهني لسنوات، ولعلها أكثر الأغاني التي أحبها بشكل عام، ربما للحنها المميز بالنسبة لي أو لسبب آخر، لا أدري ولا أرغب في ربط محبتي للأغنية بسبب معين، صحيح أنني عندما كبرت أصبحت أبحث عن الأشياء التي أحبها وأنتظر من وراء هذا البحث متعة إضافية شبه مضمونة، فإذا قرأت لكاتب رواية وأحببتها أبحث له عن أعمال أخرى، وكذلك الأفلام، أبحث للبطل عن أعماله، والمخرج والمؤلف أيضًا.

وكان يدهشني دائمًا محاولات المبدعين للتخلص من ماضيهم وتغيير جلودهم بالظهور بشكل مختلف عن السابق وكأنهم يرون في هذا تحديًا ونجاحًا جديدًا، ولعلي لن أستثنى من ذاكرتي إلا «كريستوفر نولان» و«مصطفى شعبان» حسب ما أتاحت لي ذاكرتي المتواضعة، فالأول منشغل دائمًا بالزمن ويحاول جعله محورًا دائمًا لأعماله، والثاني يقوم بالدور نفسه كل عام.

يقفز في ذهني «محمد رمضان» ويطلب مني عقلي وضعه في النمط نفسه إلا أني أرفض مُتعللًا بنهاية مسلسله «موسى» التي لم ينتصر فيها على الظالم للمرة الأولى منذ أن بدأ التمثيل، ليحاول هو الآخر تغيير جزءٍ من الإطار المحيط به.

حينما صارحت أحد أصدقائي المقربين عدم قبولي لتلك التغيرات، أخبرني أن رفضي لأي جديد يرجع لتعلقي بالماضي الذي أحبه وأرفض الخروج منه، فهو يرى أني لا أحب أغنية «القلب وما يريد» لأنها أفضل ما غنته سميرة، لكن لحبي للفترة التي صدرت فيها الأغنية، وبالمثل يمكن القياس على كل الأشياء.

قوّيني بيك… قوّي قلبي عشان يعيش

الوقت يتشابه… والوحدة التي تلازم الفراق تمنحني وقت كبير للتفكير في كل ما قيل لي، حتى لو صباح الخير، وصحيح أنني شخص يرفض التغييرات العنيفة كما أكّدت في البداية ولم أتغير بعد، إلا أن استيعاب آراء الآخرين أمر جيد في أغلب الأحيان، والآن في أحد أوقاتي غير المعلومة فكّرت في كلام صديقي عن النوستالجيا والحنين لزمن ما، فمن الوارد أني ما زلت متعلقًا بالكاسيت ذي الشرائط وأفتقده بكل ما فيه من عيوب، لكن هل يؤثر ذلك الحنين على اختياراتنا عمومًا؟

أراجع خبراتي الصغيرة فأجد أمثلة تدل على هذا، قريبتي المتعلقة بوالدها والتي تزوجت شخصًا يكبرها سنًا وبه بعض ملامح الأب وفي هذا امتداد لعقدة «إليكترا»، الولد الذي درس ما كانت تتمناه والدته لإلحاحها عليه لتحقيق حلمها الشخصي دون وعي منه بذلك… وغيره وغيره من الأمثلة التي قد تعطي بعض المصداقية لتلك الفرضية.

يمكن إيجاز الأمر أننا نعيش في دائرة لا تنتهي من الحنين… الحنين لزمن قديم… لحبيبة وحيدة سمعت معك أغنيتك المفضلة… لأصدقاء لعبت معهم الكرة في فناء مدرسة، ذلك الحنين الذي يصيب 99% منّا ولا يتركهم يستمتعون بالحاضر إلا بعد مروره بفترات طوال؛ ليكون العمر بعدها «ما يساويش» كما قال «أمير طعيمة» في هذه الأغنية.

أفيق من أفكاري مُحاولًا الاستمتاع بما تبقى من كليب «مازال… مازال» فلا أستطيع للأسف. أخاطب شاشة التابلت مُطمئنًا: بعد سنوات كثيرة سأعود إليك وأكتشف فيك ما لم أكتشفه الآن، وفعلًا بعد مرور سنوات أجدني أتقبل «مازال… مازال» لكني لم أستسغ بعد الأغنية الجديدة «مون شيري».

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.