كشابٍّ يوشك على الثلاثين سقط في عشق جيل برشلونة التاريخي الذي يطلق عليه «فريق الأحلام 2» وذاب حتى الثمالة في رونالدينيو ورفاقه، كان اسم وابتسامة صامويل إيتو كفيلين بإدخال البهجة والسرور مباشرة حتى بعدما رحل عن برشلونة، بل بعد اعتزاله كرة القدم.

اللاعب الذي صال وجال في ملاعب أوروبا، والذي يعد واحدًا من أفضل مهاجمي التاريخ دون جدال، ارتبط لدى المشجعين بصورة ذهنية تمثل دائمًا جانب الخير في القصة، سواء حينما كان يتلقى الإهانات العنصرية الأسبوع تلو الأسبوع في ملاعب أوروبا، ثم يرد بالأهداف، أو حين دخل في عراك مع بيب جوارديولا ومن بعده جوزيه مورينيو وهما يدربانه، وكان رده عليهما في الملعب أيضًا، حتى ابتسامته ذات الطابع الكرتوني كانت تشي دومًا بطيبة يؤطرها هذا الجسد الكاميروني المفتول.

ولذلك حينما دعيت إلى مؤتمر لرابطة الدوري الإسباني بأحد مولات القاهرة الكبرى موفدًا عن صحيفة آس الإسبانية، وعرفت أن هذا المؤتمر سيحضره كل من صامويل إيتو وفيرناندو مورينتس، كانت فرحتي غامرة بإتاحة الفرصة للقاء أحد أبطال الطفولة، وكنت متحمسًا لمشاهدة ذلك الخير المتجسد في إنسان وجهًا لوجه.

زادت حماستي بالتأكيد حينما عرفت أن موعدًا قد اتُّخِذَ لحوار صحفي مع إيتو على هامش المؤتمر مدته خمس دقائق، جهزت 4 أسئلة، واستعددت لالتقاط صورة تذكارية لا تُنسى مع إيتو لن أغيرها أبدًا عبر صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بي.

وفي أحد مولات القاهرة، كان اللقاء …

«اعتدت على ذلك هنا»

جالسًا على منصة المؤتمر التي صممت بأناقة كما لو كانت دكة بدلاء تحمل شعار «لا ليجا» وإلى جواره فيرناندو مورينتس، بدا إيتو ممتعضًا بعض الشيء من تزاحم الصحفيين وعدم تنظيم الأسئلة.

اعتدت على ذلك هنا!

كانت تلك أولى كلمات التعارف بين إيتو والصحفيين الذين كان معظمهم من المصريين في هذا المؤتمر، وعلى الرغم من أن إيتو لم يجانبه الصواب حين تحدث عن مأساة عدم تنظيم المؤتمرات الصحفية في مصر، فإن المنظر يومها لم يكن كارثيًّا جدًّا، وبدا أن بطل طفولتي كان يعد تلك الافتتاحية للمؤتمر ليلكم بها وجه الصحفيين المصريين.

ثم كان الاستفسار من إيتو عن اللغة التي يفضل أن يتحدث بها، فقيل له إن المترجمين الموجودين يتحدثون الإسبانية والإنجليزية، فتحدث تارة بتلك وتارة بالأخرى، ولم تكن هناك أي مشكلة في البداية سوى بعض التحفظ الواضح في حديثه، مقارنة بالانفتاح والبساطة التي بدا بها مورينتس.

ذكريات مصر المريرة

حتى ألقى أحد الصحفيين سؤالًا على إيتو، عن ركلة الجزاء التي أهدرتها الكاميرون في تصفيات كأس العالم 2006 أمام مصر في ياوندي، والتي لم يسددها إيتو وسددها بيير وومي، وكان تسجيلها كفيلًا بتأهيل الكاميرون إلى المونديال وحبس دموع إيتو التي انهالت على أرضية الملعب في مشهد أيقوني تسبب فيه منتخب مصر بضياع حلم المونديال من نجم برشلونة آنذاك.

الصحفي سأل إيتو عما إذا كان قد تهرَّب من تسديد ركلة الجزاء، فاستشاط إيتو غاضبًا، وقال له: «من يختلق هذه القصة كاذب، وإذا كان وومي نفسه قد قال هذا فهو كاذب!».

بدا جليًّا أن إيتو متوتر، وتأكد التوتر حينما بدأ في الإجابة على باقي الأسئلة من بعد هذا السؤال باللغة الفرنسية التي لم يكن لها مترجمون في القاعة آنذاك سوى بعض الصحفيين المنتمين للمغرب العربي، والذين تكفلوا بنقل ما يقوله إيتو لباقي الصحفيين.

كان الموعد بعد ذلك وفقًا لجدول الفاعلية، لالتقاط بعض الصور التذكارية مع إيتو ومورينتس وكرة الليجا الجديدة في المساحة الخاصة بذلك، سمح إيتو ببساطة بكل الصور وإن كان التوتر لم يفارقه، ولكن ما لم يسمح به أبدًا هو لمس أي شخص له، وبينما كان محاطًا بأفراد أمن اعتياديين، وجدناه فجأة يدفع صحفيًّا مصريًّا بحدة.

الإنصاف يقتضي أن نقول إن الصحفي أراد التقاط صورة «سيلفي» مع إيتو ممسكًا به بشكل مستفز، والإنصاف يقول إن هذا غير مسموح به، وإن أي شخص له القرار في تحديد كيف يتم أخذ الصورة معه، لكن هذا لا يمنع أخذ حدة رد الفعل في الاعتبار، خصوصًا في ضوء المؤتمر الصحفي المتوتر الذي سبق التقاط الصور.

انتقل إيتو ومورينتس ومسئولو رابطة الليجا ومن بينهم لاعب ريال مدريد الأسبق فيرناندو سانز المتوج بدوري أبطال أوروبا 1998 بعد إلى قاعة الحوارات الصحفية المقتضبة والمحددة مواعيدها سلفًا، وهنا كان الجزء الأكثر «لا احترافية» من إيتو.

جنة إيتو

بغض النظر عن كارثية التنظيم آنذاك، بانتظار أكثر من 30 صحفيًّا في الممر المؤدي إلى غرفة مقفلة يقف عليها مسئولو الرابطة محددين من يدخل ومن لا يدخل من خلال باب موارَب يمكننا أن نسترق من بين دفتيه النظر إلى إيتو ومورينتس بالداخل، رغم أننا أخذنا موعدًا لحوار صحفي بطريقة رسمية، فإن تصرفات إيتو نفسها لم تكن جيدة.

كانت فترة الحوارات المقررة بين الخامسة والخامسة والنصف مساءً، إيتو ومورينتس بالداخل والصحفيون بالخارج، وبالتأكيد أنت تعلم أن نجومية إيتو في الأوساط المصرية أكبر بكثير من مورينتس، للانتماء لذات القارة، والتاريخ الكبير الذي يجمع منتخبي مصر والكاميرون في مباريات لا تُنسى كان إيتو طرفًا في معظمها.

بات الامتعاض سائدًا على الصحفيين –وأنا منهم- بالطبع وهم ينتظرون فتح الباب وتحديد المحظوظ التالي لدخول الجنة التي بها إيتو ومورينتس على طريقة طوابير استخراج رخصة المرور، وحينما أتى الدور عليَّ بعد وقت طويل، كانت الساعة قد تجاوزت الخامسة والنصف، وفوجئنا جميعًا أن إيتو خصص معظم فترة الحوار لإذاعة كاميرونية، وفق ما أخبرنا به المسئولون آنذاك.

خرج من باب خلفي وغادر في تأطير لواحد من سلوكيات الأشخاص ذوي الشهرة التي رأيتها خلال سنوات عملي الصحفي، وأنهى بطل الطفولة أحلام إجراء حوار معه أو حتى التقاط صورة تذكارية، رغم أن كل الصحفيين بالخارج كانوا قد اتخذوا مواعيد رسمية مع الجهة التي يمثل أحد سفرائها لإجراء حوار صحفي معه، وأن هذا في عرف الصحافة ليس تفضلًا من الضيف، وإنما واجب ما دمنا قد تمت دعوتنا لتغطية المؤتمر وفق برنامج واضح ومعلن.

كان هذا مغايرًا تمامًا لسلوك مورينتس، الذي مكث حتى زهاء السادسة والنصف وأجرى حوارات مع كل الصحفيين الذين تسنى لهم دخول الغرفة أخيرًا وإجراء حوار صحفي معه، وقابل الصحفيين بمنتهى الود وبابتسامة وترحيب كبيرين.

يقول أحمد حمدي، مسئول رابطة ريال مدريد في مصر، والذي كان مدعوًّا للمؤتمر في تصريحات خاصة لـ«إضاءات»: «أتذكر كيف لم يكن إيتو لطيفًا يومها إلا حينما ظهر أحد مسئولي رابطة برشلونة، أي شيء له علاقة بمصر أو بأفريقيا كان يأخذ جانبًا بعيدًا عنها، كان ممتعضًا في أغلب الأحيان وغادر باكرًا ولم يدلِ بحوارات إلا مع إذاعة واحدة استغرق فيها ثلاثة أرباع الوقت المقرر، وكان عصبيًّا تجاه حاملي الكاميرات».

الآن أعذر جوارديولا!

خرجت بقناعة يومها بأن التلفاز يواري خلفه كثيرًا من الصفات الشخصية التي ربما لن تتخيلها لمجرد أنك أحببت بطل طفولة كان يمثل لسذاجتك الغرة معنى الخير متجسدًا في شخص، وأن الأشخاص الأكثر امتعاضًا من العنصرية، قد يكونون ممارسين لها دون أن يظهر ذلك للنور.

ولعل هذا الموقف قد فسر لي تلك الشحنة العصبية الواضحة التي تسِم إيتو «الإداري» حاليًّا، بعدما تولى منصبه الرسمي الأول رئيسًا للاتحاد الكاميروني لكرة القدم، المسئول عن تنظيم واحدة من أكثر نسخ البطولات الكروية كارثية عبر التاريخ، وفسر لي لماذا أصر جوارديولا على رحيل إيتو بعد موسم واحد فقط من تولي تدريب برشلونة، حتى لو تم الأمر بسيناريو لم يحترم تاريخ الكاميروني، عرفت كثيرًا مما لم أكن لأعرفه إلا بعد يوم كهذا.