إذا كنت من عشاق استكشاف مواهب كرة القدم الشابة، فمن المؤكد أنك مررت بمحنة المبالغات من قبل، كم من مرة سمعت أن هناك موهبة شابة لم تتجاوز الثامنة عشرة قادمة لغزو العالم؟

خلال نهاية تسعينيات القرن الماضي تعلقت الآمال بمئات المواهب التي اقترنت أسماؤها بخلافة مارادونا، فما من لاعب تميز بقليل من المهارات تساعده على مراوغة الخصوم، ثم نجح في تسجيل بضعة أهداف، إلا وقيل بأنه مارادونا القادم حامل لواء الموهبة التي حُرمت منها ملاعب كرة القدم.

وفي بداية الألفية الجديدة تصاعدت وتيرة الخلافة هذه، خاصة مع انتشار الصحافة الإلكترونية، لنسمع مرارًا وتكرارًا بخليفة بيليه، وامتداد مارادونا، والوريث الشرعي لروبيرتو بادجو، حيلة أصيلة عادة ما يلجأ إليها المحرر من أجل جلب المزيد من القراءات، فإذا كُتِب خبر عن موهبة شابة في أحد الأندية تعد بمستقبل كبير لن يهتم أحد، أما عند إضافة مصطلح خليفة مارادونا أو بيليه الجديد، فالنتيجة ستختلف حتمًا.

وبمرور الأيام تطور الأمر، وصرنا نسمع عن طفل صغير يدعى بيترو توماسيلي قيل بأنه قادم لغزو أوروبا واستلام عرش العاصمة الإيطالية روما من ملكها فرانشيسكو توتي، رغم أنه لم يتجاوز الثامنة من عمره وقتها.


خليفة جديد في بريشيا

في بقعة ما بملعب نادي بريشيا الإيطالي، وقف أندريا بيرلو حائرًا بين الغضب والتوقف عن اللعب، والاستمرار في اللعب بغضب، لم يستغرق اللاعب الشاب حينها وقتًا طويلًا في التفكير، ليحسم قراره بالركض وافتكاك الكرة ومراوغة جميع من في الملعب، سواء كان يرتدي قميص الخصم أو قميص فريقه!

لحظات عصيبة رواها بيرلو في كتابه «أنا أفكر إذن أنا ألعب» لاحقًا، ليستعرض للعالم بداياته المُحرقة، وغيرة أقرانه في صفوف فريق شباب بريشيا، ورفضهم تمرير الكرة له رغم صراخه المتواصل طالبًا إياها، وذلك بسبب رؤيتهم لموهبته التي يصعب عليهم مجاراتها.

وفي ركن آخر من مدرجات الملعب حاول والده الحفاظ على أقصى درجات ضبط النفس ليتجاهل الأحاديث الجانبية مع أولياء أمور اللاعبين الصغار، والتي كانت تسخر من ابنه بمرارة شديدة وحقد كبير، فموهبة النجم الصغير كانت واضحة للجميع، وهو ما يتكفل بخسارة أي أمل في منافسته أو مجاراته على أرض الملعب.

مرت أعوام.. وحفر أندريا اسمه في سجلات التاريخ، ولم تدون تلك السجلات أي شيء يُذكر بخصوص من رفضوا مساعدته أو سخروا منه، وبدأت قصة جديدة بين جدران نفس الفريق الذي كان شاهدًا على بداية نبوغه.

القصة الجديدة لم تحتج إلى مجهود كبير لتلقيب بطلها بـ«بيرلو الجديد»، فالبطل الصغير لا يتشابه مع الأسطورة المعتزل في فريق الخطوات الأولى فقط، بل تتشابه ملامحهما وأسلوب اللعب، بل حتى تغيير المركز على البساط الأخضر.


أنهار الحِبر

قبل أيام أعلن المدير الفني روبيرتو مانشيني، مدرب منتخب إيطاليا، عن الأسماء المستدعاة من أجل خوض مباراة البرتغال في دوري الأمم الأوروبية، ومباراة الولايات المتحدة الودية، ليظهر في القائمة اسم اللاعب الشاب ساندرو تونالي.

اللاعب تألق بشدة رفقة فريقه بريشيا خلال جولات سيري بي الماضية، وهو ما عزز موقفه وزاد صورته إشراقًا بعد أداء كبير قدمه في بطولة أوروبا للشباب الصيف الماضي، والتي حقق خلالها الآدزوري مركز الوصيف بعد الخسارة أمام البرتغال في المباراة النهائية.

اللاعب الذي بدأ مسيرته في صفوف فريق بياتشنزا قبل أن يعلن النادي إفلاسه في عام 2012، ليتجه اللاعب صوب بريشيا، أسال أنهارًا من الحِبر تتحدث عن اهتمام كبير بضمه من جانب يوفنتوس وإنتر في إيطاليا، ومنافسة بين ماوريزيو ساري و بيب جوارديولا من أجل الحصول على خدماته ومنحه تأشيرة اللعب في البريميرليج.

تقارير على جديتها قد تحمل في طياتها بعض المبالغات، خاصة أن اللاعب لم يتجاوز الثامنة عشرة بعد، كما أن شهادة تعارفه مع الكرة الأوروبية لم تُكتب من خلال رهان كبير.


على خطى المايسترو

اللاعب الشاب بدأ مسيرته في مركز صانع الألعاب المتقدم، ولكن تم تغيير توظيفه ليحتل مركز الريجيستا، في تكرار متطابق لما حدث مع بيرلو في بداياته الكروية. تألق تونالي في هذا المركز، لما يحمله من سمات بدنية جيدة، وقدرة على الضغط على حامل الكرة ومهارة كبيرة في استخلاصها، إضافة إلى إجادته للتمريرات الهندسية الطويلة التي أسس بيرلو قواعدها، كما يجيد أيضًا تنفيذ الركلات الثابتة.

مهارات كبيرة افتقدتها ملاعب إيطاليا خلال الأعوام الماضية، وغاب عن تشكيلتها لاعب الوسط ذو المواصفات القياسية منذ اعتزال المايسترو، لتدخل حقبة سوداء توِّجَت بالإخفاق في التأهل إلى المونديال تحت قيادة فينتورا الذي استعان بدوره بمهاجمه لورينزو إينسيني في مركز الوسط أثناء مواجهة السويد في الملحق الأوروبي في لقطة لن تُمحى من ذاكرة المشجعين.


الصمود تحت شلال الإشادات

علّمنا التاريخ أن أي موهبة شابة ما زالت تخطو خطواتها الأولى على الملاعب، إذا ما تناولتها التقارير ونالت منها الإشادات، ثم شُبِّهت بخليفة فلان، وفلان الجديد، عادة ما ينتهي الأمر بها على دكة بدلاء أحد الأندية التي تكافح من أجل البقاء.

وعادة ما يأتي الضغط الإعلامي المبكر بنتائج عكسية تظهر أعراضها على جهاز اللاعب العصبي، فيخرج عن تركيزه ويسبح في فضاء الأحلام، وتدور به المواسم وتمر السنوات وهو لا يزال ساكنًا لم يغادر نقطة الانطلاق بعد.

سيناريو لا يتمناه أحد في إيطاليا لموهبة تونالي، خاصة مدرب الآدزوري روبيرتو مانشيني الذي أكد استمتاعه بالعمل مع اللاعب في معكسر المنتخب التدريبي، وتحديد نقاط معينة له والتركيز عليها من أجل تنمية بذرة موهبته في هذا التوقيت، حتى وإن لم ينل اللاعب نصيبه من المشاركة خلال مواجهتي البرتغال والولايات المتحدة، إلا أن تصريحات مانشيني أكدت أنه سيكون من بين أعمدة الفريق خلال الفترة المقبلة ضمن مشروعه من أجل إحياء شباب الآدزوري.

اقرأ أيضًا:أنا «أندريا بيرلو»: أفضل لاعب في العالم

بطولة يورو شبابية، وموسم في الدرجة الثانية الإيطالية، واستدعاء لمعسكر المنتخب الأول، إضافة إلى ملامح جسدية وكروية متشابهة مع بيرلو، هي كل ما يمتلك تونالي من مقومات حتى الآن، أما عن خلافته للمايسترو وشَغله لفراغ كبير خلّفه اعتزاله، ومشاركته كعمود أساسي في بناء جيل جديد في بلاد تشتاق إلى المواهب، فهذا ما ستحدده قراراته المقبلة، إما الاستمرار في اللعب ولو بكثير من الغضب كما قرر بيرلو سابقًا، وإما الاستسلام لدموع الحزن والاكتفاء بقصاصات ورقية تتحدث عن اهتمام كبار العالم به.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.