أسس «عبدالعزيز بن سعود» مملكةً مترامية الأطراف في النصف الأول من القرن الماضي، وأرسى أسسًا لضمان استمرار سلالته في حكم تلك المنطقة، كان منها آخر وصاياه لأبنائه الكثُر بأن يحكم كل منهم تلو الآخر بترتيب السن.

ويبدو أن تلك الوصية أخدت منحى آخر مع تزايد أعداد آل سعود، والشعور بثروة النفط وبسط كل فصيل منهم يده على أحد مصادر القوة في البلاد. فالدولة الغنية بالنفط تضمن لمن يحكم وسلالته قدرًا كبيرًا من المال، ومع نقص تلك الثروة النفطية يومًا بعد يوم يرى قائد كل فصيل من هذه القوى المتناحرة أنه الأجدر بما تبقى من تلك الثروة.

تلك الثروة ضمنت لمن يملكها أيًا من كان منهم قدرًا كبيرًا أيضًا من المشاكل التي تحتاج إلى قرارات مصيريه ذكيه مع باقي القوى داخل العائلة لاستمرار المملكة في شكلها وضمان بقاء «آل سعود» على رأسها على غير حال المملكتين السابقتين لها.


صراع العروش

لابد في البداية وأن نشير إلى أن العائلة انقسمت مع الوقت إلى أصحاب نفوذ ومصادر قوى في الدولة، وآخرين من الطبقة «العادية» في العائلة.

يشتد صراع تكسير العظام بين أصحاب النفوذ في ذلك الماراثون الذي بدأ مبكرًا، عندما تعاون الإخوة فيما بينهم على عزل أول أبناء الملك المؤسس -وكان المرض حُجتهم العلنية- وهو «سعود بن عبد العزيز»، الذي انغمس في مغريات ذلك المال وأساليب صرفه، حتى شِيع أن خزانة الدولة كان لا يتبقى بها شيء من المال يكفي لحياة البذخ التي كان يعيشها «سعود» نفسه.

مرّ ذلك الصراع الناعم سهلًا على العائلة، نظرًا لوقوفهم صفًا واحدًا في النهاية ضد «سعود» ومباغتته في عزله من الحكم وتولية «فيصل»، التالي في الحكم تراتبيًا بعده، بدعمٍ من علماء الدين لإضفاء الشرعية على حكم «الملك فيصل» الجديد.

وقتها كان قد انبثق من رحم هذا الصراع ما عُرف بـ «الأمراء الأحرار» (1958 – 1964). كما سمّوا أنفسهم تيمنًا بـ «حركة الضباط الأحرار» في مصر وكان في مقدمتهم «طلال بن عبد العزيز». سريعًا ما هربوا من السعودية إلى لبنان ثم إلى مصر. وبعد سيطرة «الملك فيصل» تمامًا على الحكم وإقصاء «سعود» توصل إلى حلٍ مع الأمراء الأحرار، مفاده أن يتخلوا عن مطالبهم المتمثلة في صياغة برلمان دستوري للمملكة والفصل بين العائلة الحاكمة وإدارة شؤون البلاد. وبعد الضغوط وسحب الجنسية من هؤلاء الأمراء تنازل طلال وأتباعه عن مطالبهم على أن يعودوا إلى المملكة ويبقوا تحت ظلال العائلة.

مضى الوقت على هذه المناوشات حتى وصول الملك السابق «عبد الله آل سعود» إلى الحكم بعد وفاة أخيه «فهد» وقد كان قد تذخر بالحرس الوطني، الذي بناه ليصير جيشًا داخل المملكة، يفرض من خلاله الحماية على أهم الوزارات كالإعلام والمالية بالإضافة لمستشاره المُقرب منه ومهندس تلك الحماية «التويجري»، لضمان حصته في الحكم وعدم إقصائه من السديريين الأشرس داخل العائلة.

الآن وقد صارت الأمور أكثر تعقيدًا من ذي قبل، فبعد تولي «سلمان» الحكم بدأ مباشرة في قضم أظافر كل معارضيه، فأطاح بنجل التويجري «خالد» من ديوان الحكم، ابن مهندس قلعة الحماية للملك الراحل عبدالله مباشرةً، وعزل مقرن الأخ غير الشقيق من ولاية العهد وأقصى الكثير من الأمراء من مناصبهم وأحلّ مؤيديه، ولم يترك سلمان إلا اثنين من ذوي النفوذ بعد هذه الحملة؛ «محمد بن نايف»، الذي كان يستند إلى وزارة الداخلية، وقد عزله في وقتٍ لاحق، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، و«مِتعب بن عبد الله»، نجل الملك الراحل والذي يستند إلى الحرس الوطني، الذي أسسه أبوه كما ذكرنا.

الملك سلمان الذي يسعى بكل ما أوتي من قوه إلى تعزيز موقف ابنه محمد ليكون الملك من بعده لم يبقَ أمامه سوى خطوة واحدة وهو «متعب بن عبد الله» رئيس الحرس الوطني الذي يتوجس بدوره من تلك المواجهة ويفضل أن يبدأ «ابن سلمان» في مقارعته في طريق ابن سلمان الممهد للحكم.

اقرأ أيضًا:ماذا تعرف عن التعيينات التي رافقت تصعيد محمد بن سلمان؟


كيف يتعامل أصحاب النفوذ مع الطبقة «العادية» من العائلة؟

يتلقى جميع أفراد العائلة -حتى الطبقة العادية- قدرًا جيدًا من المخصصات الشهرية لكل فرد، يتمناه أي مواطن على هذه الأرض. لكن يظهر من حين لآخر معارضون من تلك الطبقة التي لاقت تهميشًا داخل الأسرة في مناصب ذوي النفوذ، في حين أن أغلبهم تلقى تعليمًا جيدًا يخوّله لأحد المناصب في الدولة، ومنهم من يبغي حريةً خارج السرب، لكن أساس الاختيار في المناصب داخل «آل سعود» قائمٌ على الولاء والصلة من حيث الدم لا الأحقية المبنية على الكفاءة.

إعدام أميرة

قصة تلك الأميرة لم تكن المعارضة السياسية وإنما كانت الحرية في معارضةٍ لتقاليد الزواج داخل العائلة، أميرةٌ شابة عاشت في النصف الثاني من القرن الماضي وقد تضاربت الروايات عن تفاصيل قصتها. لكن أشهرها، أنها أحبت أثناء دراستها في لبنان ابن أحد الدبلوماسيين السعوديين حينها، وكانت تتوق للزواج منه، وعندما عادت إلى المملكة وقد كُشف أمر تلك العلاقة، قررت العائلة وقتها إنهاء الأمر بعد محاولة هروبها في زي رجل خارج المملكة بإعدام مشاعل ومن ربطتها به تلك العلاقة.

نُقذ ذلك الإعدام بحق مشاعل في منطقة غير المخصص لها ذلك، بطريقه لما تكن شرعيةً حتى، فحكم الزنا الذي لم يستند إلى المقومات الشرعية لم ينفذ حتى بطريقته الإسلامية على غير المتزوجة في الإسلام هو الجلد وليس الإعدام.

«شبكة بي بي سي»أصدرت وثائقيًا نشرته على موقع يوتيوب عن تلك الحادثة، حاولت العائلة منعه لكنها لم تفلح في ذلك فألغت بعض من صفقاتها آنذاك مع بريطانيا، كما حورب من شارك في بطولة ذلك الفيلم، وكان على رأسهم الممثلة المصرية «سوزان» التي جسدت دور مشاعل واضطرت بعدها لتغيير اسمها إلى سوسن بدر.

أمراء مخطوفون

مؤخرًا أصدرت «بي بي سي»وثائقيًا يتحدث عن ثلاثة أمراء فروا هربًا إلى أوروبا من وطنهم وطاردتهم العائلة وضيّقت عليهم الخناق حتى أصبحوا في النهاية تحت قبضتها.

  • سلطان بن تركي:

عندما وصل إلى أوروبا في رحلة علاجيه في الأساس وبدأ يجري مقابلات ينتقد فيها الحكومة السعودية. أدان سجل بلاده في مجال حقوق الإنسان، واشتكى من تفشي الفساد بين الأمراء والمسؤولين، ودعا إلى ضرورة تبني سلسلة من الإصلاحات. مما جعله في النهاية مخطوفًا ونزيلًا في أحد قصور الإقامة الجبرية في المملكة.

  • تركي بن بندر آل سعود:
عزيزي وائل، هذه البيانات لا ينبغي تبادلها إلا إذا تعرضت للاختطاف أو الاغتيال. أعرف أيضًا أنهم ينتهكون حقوقي وحقوق الشعب السعودي

كانت هذه الكلمات هي الأولى في كتابٍ سلّمه «بندر» إلى أحد أصدقائه. فبعد قصة من الخلاف على الإرث مع عائلته فرّ بندر بعد أن كان مسؤولًا رفيعًا في جهاز الأمن السعودي إلى أوروبا، وهناك بدأ ينشر بعد المقاطع على «موقع يوتيوب» وبعض التسجيلات لمحادثات هاتفية بينه وبين مسؤولين في الحكومة السعودية. إلا أنه في نهاية المطاف قد اختفى بعد وصوله في رحلة إلى المغرب.

  • سعود بن سيف النصر:

بعدما كتب أمير سعودي مجهول رسالتين دعا فيهما إلى انقلاب داخل العائلة الحاكمة بُغية خلع الملك سلمان، أيده علانيةً سعود، وكان هو الأمير الوحيد من الأسرة الحاكمة الذي فعل ذلك وربما هذا ما حدد مصيره. وبعد مرور أيام قليلة من نشر تغريدة جاء فيها: «أدعو الشعب السعودي إلى تحويل فحوى هاتين الرسالتين إلى ضغوط شعبية». صمت حسابه على توتير.

أمراء وراء الستار

يبدو أن بعض الأمراء قد فطنوا في نهاية الأمر إلى أن من يعارض داخل العائلة خاصةً مع الأحداث المتلاحقة الحالية والرغبة المُلحة من الملك الحالي إلى تسيير الأمور لإقرار ابنه على عرش المملكة مصيره كغيره من المختفين. ففصيل الملك الآن لا يفرق في بطشه بين قريب أو بعيد، بين ذوي النفوذ ومن دونهم في سلم العائلة، هي الآن معركته وحده للبقاء في الحكم وابنه من بعدها، وربما تتبدد فيما بعد وصية الملك المؤسس ويتحول الملك من أبناء عبدالعزيز لأبناء سلمان.

وليس أدلّ على خنوع الأمراء الحاليين من أن الأسماء المستعارة لهم داخل مملكتهم باتت هي الحل الوحيد لإبداء الرأي والمعارضة للحفاظ على أرواحهم من قصور الإقامة الجبرية في أفضل الأحوال.