لم تكن زيارة الرئيس الأمريكي «جو بايدن» للمملكة العربية السعودية لحضور قمة الأمن والتنمية المنعقدة في جدة هي بادرة الحديث عن مزيد من التقدم في العلاقات الإسرائيلية السعودية، بل سبقتها عدة بوادر، وعدة تصريحات، أشارت إلى أن قطار التطبيع قد يصل إلى الرياض، بعدما حط رحاله في عدة عواصم عربية خلال العامين الماضيين، ليتبلور السؤال الملح على الساحة العربية الآن: هل تنجح الحكومة الإسرائيلية في إبرام اتفاق سلام (تطبيع) جديد مع السعودية؟ لتصبح الرياض سابع العواصم العربية التي تنضم لاتفاقيات سلام مع إسرائيل بعد الإمارات والمغرب والبحرين والسودان وقبلهما مصر والأردن.

بوادر ومؤشرات

في وقت سابق من العام الحالي أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي حينها، يائير لابيد الذي يتولى حاليًّا منصب رئيس الوزراء، في تصريحات نشرتها صحيفة معاريف سعي بلاده إلى توقيع اتفاق سلام مع السعودية، وأن هذا ربما لن يتحقق في عهده، ربما بعده بثلاثة وزراء خارجية، وقد يستغرق بعض الوقت، وأن الاتفاق لن يكون مفاجأة وقتها، مشددًا على أن مسألة التطبيع مع السعودية عملية منظمة وطويلة وحذرة وتحتاج لوقت وجهد، ولن يكون بالطريقة نفسها التي حدثت في توقيع اتفاقيات أبرام في 2020، فلن يستيقظ الناس ذات يوم ويفاجئون بالتطبيع، وشدد لابيد في تصريحات نشرتها تايمز أوف إسرائيل على أهمية التطبيع من أجل المصالح الأمنية للبلدين، وأن بلاده تعمل مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج من أجل التوصل لاتفاق سلام مع السعودية.

هناك بوادر كثيرة عن احتمال تحسن العلاقات بين تل أبيب والرياض، وربما تكون تمهيدًا للتوصل لاتفاق سلام، والمؤشرات كانت من الطرفين، الإسرائيلي والسعودي، قد نصفها بالمغازلة، أو تلك التي تسير في فلك المصالح السياسية والأمنية العليا للبلدين، ففي تقرير مفصل عن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، نشرته صحيفة «ذي أتلانتيك» الأمريكية في مارس/ آذار الماضي، تحدثت فيه عن ولي العهد، وما أحدثه في المملكة، وقالت الصحيفة الأمريكية إن ابن سلمان يسعى لبحث العلاقات مع إسرائيل وإن ما فعله الأمير الشاب في 2022 قد لا يصدقه العقل لو تحدثنا عنه قبيل عشرين عامًا، بمعنى أن بحث سبل تعزيز العلاقات مع إسرائيل أمر لم يكن ليصدقه عقل في السابق.

التطبيع بدأ من هنا

لم يكن الحديث عن إدراج السعودية ضمن قائمة الدول المطبعة منذ العام الماضي، أو الذي قبله، بوصفهما عامي التطبيع، لكن الأمر يعود إلى قبل ذلك بكثير ربما قبل عشر سنوات، وهو ما تحدثت عنه صحيفة «يسرائيل هيوم» المقربة من دوائر الاستخبارات الإسرائيلية في تقرير كتبه محلل الشئون العربية، يوآف ليمور، بعنوان «هكذا بُنيت وترسخت العلاقات السرية بين إسرائيل والسعودية»، وقال في مطلعه:

غانتس زار السعودية كرئيس للأركان، داجان وفريدو وكوهين كرؤساء لأجهزة الاستخبارات، نضجت الاتصالات التجارية وتحولت إلى صفقات، والآن نأمل أن تقود الولايات المتحدة عملية الانفراجة في العلاقات.

وتحدث التقرير عن زيارة مسئولين من إسرائيل إلى المملكة العربية السعودية خلال السنوات العشر الماضية، واشتملت الزيارات على رجال في مجال التكنولوجيا ورواد الأعمال ورجال الأعمال من أجل الحديث عن استثمارات سعودية في شركات وصناديق استثمار تابعة لإسرائيل، حتى إن رجال الأعمال وقتها سافروا إلى السعودية بجوازات سفر إسرائيلية، بحسب صحيفة «جلوبس»، ولفت التقرير إلى أن هناك العديد من الزيارات السرية التي لم يتم الإعلان عنها في سبيل تعزيز العلاقات بين البلدين.

وكان رئيس الموساد السابق، يوسي كوهين، هو مسئول ملف التنسيق في معظم تلك الزيارات والمقابلات، ومن ضمنها لقاء رئيس الوزراء الأسبق، بنيامين نتنياهو، مع ولي العهد محمد بن سلمان في مدينة نيوم، ووقتها تم تأجير طائرة خاصة لنتنياهو لنقله للمدينة للقاء ابن سلمان.

ولم يتوقف التقرير عند ذلك، بل أشار إلى زيارة العديد من مسئولي الدفاع والأمن في المنظومة الإسرائيلية إلى السعودية، على رأسهم بيني غانتس الذي كان يتولى منصب رئيس الأركان في عهد نتنياهو، فضلًا عن اجتماعات رجال الاستخبارات الإسرائيلية بنظرائهم في المملكة في عدة دول خليجية.

تصريحات كثيرة أطلقها مسئولون إسرائيليون حول أهمية الدور السعودي في المنطقة، خاصة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي يونيو/حزيران الماضي شدد وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي عيساوي فريج في مقابلة مع كاتي جنسن الذي يجري دومًا لقاءات مع كبار الوزراء والمسئولين الدوليين للصحيفة السعودية عرب نيوز السعودية على «مركزية» الدور السعودي لحل النزاع الفلسطيني، داعيًا جميع القادة العرب للانضمام إلى مفاوضات السلام، مؤكدًا على ضرورة التوصل لحل دائم في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بمشاركة المملكة وولي عهدها محمد بن سلمان الذي سيكون له دور مركزي في أي عملية سلام مستقبلية في المنطقة، بحسب تصريحات فريج.

وفي الإطار نفسه أعلنت إدارة بايدن أنها تضع خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين المملكة وتل أبيب في المستقبل، وهناك وجهات نظر لمحللين تُبين أن التطبيع مع إسرائيل قد يتماشى مع مساعي الأمير محمد بن سلمان لإعادة صياغة الدولة السعودية وتحقيق قبول غربي للأمير الشاب أو للمملكة، وهو ما ذهبت إليه ياسمين فاروق، باحثة زائرة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، حيث تقول:

ثمة سردية سعودية جديدة تصوِّر التطبيع مع إسرائيل كجزء من الدولة السعودية الجديدة المعتدلة قيد الإنشاء. وسيتماشى التطبيع راهنًا مع نهج ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المتمثِّل في «العلاج بالصدمة» ليُظهر لخصومه المحليين وللغرب أنه سيواصل اتخاذ أي تدابير تندرج برأيه ضمن إطار تحديث البلاد.

إيران ذريعة التطبيع

لا شك أن المصالح الأمنية هي الجامع الأكبر في ملف التطبيع بين السعودية وإسرائيل، فهناك عدو مشترك، يجمع الطرفين، وهو إيران، فلا يخفى على أحد فكرة تزعم إيران للمحور الشيعي في المنطقة، وتتزعم السعودية كذلك المحور السني، وأن كلا الدولتين يجمعهما نزاع ديني وطائفي وكذلك سياسي، فإيران لا تتوانى عن إثارة القلاقل للسعودية، سواء بدعم الميليشيات الإيرانية أو بعض الفصائل اليمنية من أجل تهديد مباشر للمملكة من الأراضي اليمنية وإطلاق الصواريخ على المدن السعودية من وقت لآخر.

هنا قد تجد إسرائيل ضالتها في تطبيع العلاقات مع الجانب السعودي؛ لأن المهدد لأمن إسرائيل والسعودية هو نفس المصدر، وهي إيران، التي تراها إسرائيل راعية للمقاومة ضدها ومزعزعة للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط الذي تراه إسرائيل مرادفًا لاستمرار هيمنتها المفردة عليه، وذلك من خلال الطموحات النووية الإيرانية. لذلك فتعزيز العلاقات بين تل أبيب والرياض من الناحية الأمنية لمواجهة نفس العدو هو من مصلحة الجانبين، وهو ما تلعب عليه إسرائيل من أجل التمهيد للوصول لاتفاق سلام.

المشهد السابق الذي تكون فيه إيران هي العامل المشترك الذي يجمع السعودية وإسرائيل، عبر عنه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في كلمته في قمة جدة، بأن بلاده لن تترك فراغًا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران، وأن بلاده ملتزمة بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، وهو ما أكده البيان المشترك المنشور في وسائل إعلام سعودية، حيث أكد بايدن التزام بلاده بدعم أمن السعودية والحاجة إلى ردع إيران.

وشجع مسئولون في البيت الأبيض على تكوين حلف دفاعي لمواجهة التهديد الإيراني في المنطقة في إشارة لتشجيع التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، حيث إن هناك تلميحات أمريكية تؤكد أن روسيا تراهن على إيران، بالتالي فإن هناك حاجة ملحة لتكوين حلف مضاد في وجه إيران وتهديداتها، ومن المقرر أن يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إيران الأسبوع المقبل بعد زيارة بايدن للسعودية.

التطبيع الوشيك

يبدو اتفاق تطبيع كامل بين المملكة العربية والسعودية وتل أبيب ماضيًا في طريقه، لكنه قد لا يحدث في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، بل ربما في حقبة مستقبلية قد تبدو قريبة، في ظل تمهيد ولي العهد محمد بن سلمان لمشروعه لدولة سعودية أخرى تتخلص فيها المملكة من هويتها التقليدية، وتقدم نفسها للغرب كبلد يمكن قبوله عالميًّا.

وقد يجد ابن سلمان في مواجهة المحور الإيراني ذريعة مناسبة لتمرير كثير من مشاريعه، وفرصة يمهد بها مسألة التطبيع للشعب السعودي الذي قد لا يقبل تلك الخطوة مثلما حدث في الإمارات التي سبقت السعودية نحو التطبيع، لذلك فإن الجانب الأمني ومسألة مواجهة إيران كمحور شيعي، وكعنصر مهدد للأمن القومي السعودي، هو سبيل الأمير الشاب لتمرير التطبيع.

والمساعي الأمريكية بدت حثيثة، وربما سياسة بايدن نفسها في التقرب من السعودية بعد تغيرات كبيرة في المنطقة إبان الحرب الروسية الأوكرانية، والحاجة إلى تعزيز أمن الطاقة، وسد الاحتياجات الغربية والأمريكية من الغاز، كلها أسباب تدعو لتغيير سياسة بايدن الذي كان قد توعَّد بجعل السعودية دولة منبوذة في المنطقة، لكن سياسته تغيرت بسبب التطورات الأخيرة في الحرب الروسية الأوكرانية.