قولوا للسعودية إننا نريد أن نأمرهم ببترول مجاني للسنوات العشر القادمة، وإلا فلن نحمي طائرات البوينج 747 الخاصة بهم. ادفعوا!
رجل الأعمال «دونالد ترامب» على تويتر، سبتمبر/ أيلول 2014.

بكل المقاييس ليست زبونًا عاديًا

صحيح أن المملكة العربية السعودية منذ قيامها، بل وقبل قيامها الرسمي في 1932م، كانت تعتمد على السلاح الغربي عمومًا والبريطاني خصوصًا، وتم تتويج تلك العلاقة الوطيدة بين الطرفين عام 1985 بأكبر صفقة سلاح في تاريخ بريطانيا، والمعروفة باسم «اليمامة»، وذلك حين قامت المملكة بالتعاقد على 120 مقاتلة من طراز تورنادو، و50 طائرة تدريب متقدم من طراز هوك و50 طائرة تدريب أوّلي من طراز PC-9 مقابل 43 مليار جنيه إسترليني.

نعم، الرقم كما قرأته؛ 43 أمامها 9 أصفار جهة اليمين. لكن مع بدء الغزو العراقي للكويت، تحولت بوصلة الأموال السعودية للغرب قليلًا، فأصبحت واشنطن هي المركز المفضل للأموال السعودية بدلًا من لندن، وبدأت الصفقات الأمريكية تتوالى على المملكة.

1. أنظمة الباتريوت باك-2 وباك-3 للدفاع الجوي.

2. دبابات الإم1 إيه2.

3. مدرعات البرادلي القتالية.

4. المزيد من مقاتلات الإف-15.

5. المزيد من طائرات النقل من طراز سي-130.

6. صواريخ التاو المضادة للدبابات.

تجاوزت فاتورة المشتريات السعودية من شركات التسليح الأمريكية في السنوات القليلة التي تلت عاصفة الصحراء حاجز الـ 30 مليار دولار. وفي سبتمبر/ أيلول 2010 كانت واشنطن على موعدها مع اليمامة الخاصة بها، وذلك حين فازت بأكبر صفقة عسكرية في تاريخها، بلغت 60 مليار دولار. كان عماد هذه الصفقة مقاتلات الإف-15 إس إي، ابتاعت السعودية منها 84 مقاتلة، إضافةً إلى تطوير 72 مقاتلة إف-15 إس لدى السعودية للمعيار إس إي -أصبحوا 70 مقاتلة في النهاية بعد تحطم مقاتلتين في حادثين منفصلين- بالإضافة إلى 70 مروحية هجومية من طراز أباتشي لونج بو، و72 مروحية بلاك هوك، و36 مروحية ليتل بيرد.

اشتملت الصفقة أيضًا على كمية ضخمة من الذخائر الموجهة، وأعمال التأهيل والتطوير للقوات الجوية السعودية والحرس الوطني لاستيعاب تلك الأسلحة. وبالمناسبة جزء كبير من الصفقة كان مخصصًا للحرس الوطني، الذي يعتبر مؤسسة مسلحة مستقلة عن وزارة الدفاع.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي مايو/ آيار 2017، وأثناء زيارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب للمملكة، أعلن الطرفان عن صفقة عسكرية أسطورية بلغت 350 مليار دولار، منها 110 مليارات دولار لصفقات ستدخل حيز التنفيذ فورًا والباقي سيتم التفاوض عليه خلال السنوات العشر القادمة كجزء من رؤية المملكة لما يسمى بالسعودية 2030.

وفي حين كانت صفقة الـ 60 مليار التي تم توقيعها أيام الملك عبد الله مع إدارة الرئيس أوباما واضحة ومحددة التفاصيل لدرجة أن أعداد الطلقات الخاصة بمدافع الأباتشي كانت مسجلة ومعروفة، إلا أن الصفقة الجديدة مختلفة بالكلية، فهي صفقة مبهمة غير واضحة.


صفقات دعائية ليست أسطورية

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»

تختلف الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا في أن لها نظامًا واضحًا وصارمًا وشفافًا لمبيعات السلاح الخارجية التي يطلقون عليها اختصارًا FMS أو Foreign Military Sales. فوكالة الدفاع للأمن والتعاون -وهي وكالة داخل وزارة الدفاع- تعلن موافقتها على الصفقة وأنها لن تُحدث تغييرًا في موازين القوى بما يضر المصالح الأمريكية الإستراتيجية، ثم يتم رفع الأمر للكونجرس والذي إن وافق تدخل الصفقة حيز التنفيذ. ولوكالة الأمن والدفاع «DSCA» موقع على شبكة الإنترنت يتم إعلان الصفقات من خلاله بصورة شهرية.

لدى اطلاعنا على موقع الوكالة إلى جانب المجلات العسكرية الأمريكية، وجدنا أن الصفقة تشتمل على الآتي:

1. 48 مروحية من طراز CH-47 شينوك مقابل 3.51 مليار دولار.

2. 150 مروحية من طراز إس-70 سيتم تجميعها في المملكة مقابل حوالي 6 مليارات دولار.

3. نظام الثاد للدفاع الجوي ضد الصواريخ الباليستية مقابل 15 مليار دولار، ويشتمل على 44 قاذفًا و360 صاروخًا و7 رادارات AN/TPY-2.

4. 115 مروحية من طراز UH-60 مقابل 3.8 مليار دولار.

5. 153 دبابة من طراز إم1 إيه2 ابرامز مقابل 1.15 مليار دولار.

6. رادارات الـ AN/TPQ-53 مقابل 662 مليون دولار.

7. بعض الأنظمة الخاصة بمراقبة الحدود مقابل 520 مليون دولار.

8. 4 فرقاطات متعددة المهام MMSC مبنية على أساس سفن القتال الساحلي الخاصة بشركة لوكهيد، والمعروفة باسم «فريدوم» مقابل 6 مليارات دولار.

9. بعض الذخائر الجديدة الموجهة من شركة «رايثيون» خاصة قنابل البايفواي-2، وصواريخ تاو-2بي المضادة للدبابات مقابل 670 مليون دولار.

كما أن الطرفين في مرحلة متقدمة من المفاوضات بخصوص طائرات الدورية البحرية متعددة المهام من طراز بوينج بي-8 بوسيدون. وبهذا يكون مجموع كُلفة الصفقات التي تم الاتفاق عليها فعلًا حوالي 37 مليار دولار، فضلًا عن صفقة أخرى معلقة خاصة بطائرات الدورية البحرية لن تزيد في أفضل الأحوال على ثلاثة مليارات دولار؛ أي أن مجموع صفقة الـ 350 مليار الأسطورية التي أعلن عنها الطرفان أقل كثيرًا من الصفقة التي تم توقيعها في عهد الرئيس أوباما.

ليس هذا فحسب، فرغم أن ترامب والنظام السعودي قدّما لشعبيهما تلك الصفقة «الأسطورية» باعتبارها نتاج مجهودات ترامب الفردية الذي اعتبرته المملكة صديقًا مقربًا لها على عكس الرئيس الأمريكي الأسبق باراك حسين أوباما، إلا أن المتابع للوضع عن قُرب يعلم أن هذا غير حقيقي بالمرة.

فصفقة سفن القتال الساحلية مثلًا وافق عليها الكونجرس في أكتوبر/ تشرين الأول 2015؛ أي قبل صعود ترامب للحكم بأكثر من عام كامل. الاختلاف فقط كان في الأمور المادية. صفقة مروحيات الشينوك تم توقيعها ودخلت حيز التنفيذ في ديسمبر/ كانون الثاني 2016؛ أي في أواخر عهد الرئيس أوباما، كذلك صفقة دبابات الإم1 إيه2، تم توقيعها قبل هذا التاريخ.

وهنا تتقافز العديد من الأسئلة؛ ما هي مكونات الصفقة الأسطورية ذات الـ 350 مليار دولار، منها 110 مليارات دولار سيدخلون حيز التنفيذ فورًا، في حين أننا بالرجوع لسجلات وزارة الدفاع الأمريكية لم نجد صفقات بأكثر من 37 مليار دولار؟

ما هي حقيقة الصفقة التي أعلن عنها ترامب أثناء زيارته للمملكة مايو/ آيار الماضي؟ خاصةً أننا نعلم أنه في ظل تدني أسعار البترول وانغماس السعودية في المستنقع اليمني لثلاث سنوات لم تعد السعودية تلك الدولة الغنية التي كانت موجودة منذ عشر سنوات، وعلى الأرجح لن تتحمل أن تدفع تلك الأرقام الكبيرة في شكل نقود سائلة.

ما هو سر الاحتفاء المبالغ فيه بالرئيس دونالد ترامب من قِبل العائلة المالكة السعودية، رغم إعلانه أكثر من مرة أن السعودية بقرة حلوب وقتما يجف ضرعها سيذبحها؟

وأغلب الظن أنه لا توجد أي صفقة عسكرية كبرى مختلفة عما جرى في الأعوام التي تلت عاصفة الصحراء، بل أكاد أجزم أن الصفقات التي سيجري تنفيذها في فترة الرئيس ترامب ستكون أقل من الصفقات التي تم تنفيذها في عهد بوش الأب وكلينتون وباراك أوباما. والأمور في الحقيقة لا تخرج عن كونها دعاية إعلامية من نظام ترامب وحليفه السعودي لأغراض سياسية بدأت تتضح شيئًا فشيئًا.