إذا كنت من محبي متابعة أخبار سوق الانتقالات في أوروبا، فربما تكون قد اعتدت على عناوين مثل مرحبًا بك في نادينا، أو رحبوا بلاعبنا الجديد مع صورة اللاعب بقميص فريقه الجديد أو حتى مقطع فيديو مثير كمقطع انتقال سانشيز الى نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، والذي حاز على إعجاب أغلب محبي كرة القدم، فيما عدا جماهير أرسنال بالطبع.

أما عنوان كهذا «مرحبًا بكم في الليغا» فهو غير معتاد بالطبع، جملة تصلح للترحيب بالزائرين في مطارات البلدان المختلفة أكثر منها للإعلان عن انتقال لاعبين جدد لفرق مختلفة.

هكذا رحب الحساب الرسمي للدوري الإسباني على تويتر بتسعة لاعبين سعوديين أتموا انتقالهم للدوري الاسباني في شهر يناير من العام الجاري، وهو ما تزامن مع إعلان الهيئة العامة للرياضة السعودية والاتحاد السعودي لكرة القدم عن نفس الخبر، والذي يأتي كنتيجة للاتفاقية التي وقعت بين الاتحاد الإسباني والهيئة العامة للرياضة السعودية ممثله كما جرت العادة مؤخرًا في المسئول الأول عن الرياضة في السعودية «تركي آل الشيخ» في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لترويج اللاعبين السعوديين في الدوري الإسباني.

تركي آل الشيخ, السعودية, الهيئة العامة للرياضة
«تركي آل الشيخ» رئيس هيئة الرياضة السعودية

ربما توقع البعض أن تفضي الاتفاقية السعودية الإسبانية إلى إزالة المعوقات المعتادة بشأن احتراف لاعبي الخليج كسوق غير مستهدف لأوروبا في العموم عن طريق تسليط الضوء على لاعبي المنتخب السعودي وهو ما يتناسب مع وجود عدد من مدربي الفرق الإسبانية في مباراة ودية جمعت بين المنتخب السعودي والمنتخب البرتغالي في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.

وهو أيضًا ما علق عليه «فرناندو سانز»، المدير الإقليمي لرابطة الدوري الإسباني في الشرق الأوسط وقارة آسيا، قائلًا: «نبحث عن لاعب لديه الرغبة في اللعب بالدوري الإسباني، لم لا نري لاعبًا سعوديًا في يناير/ كانون الثاني القادم يرتدي قميص فريق إسباني؟»، لكن انتقال تسعة لاعبين دفعة واحدة أثار الشكوك حول هذه الصفقات فيما يتعلق بدوافع هذا الانتقال، هل تم هذا الانتقال بدوافع فنية كما يؤكد الطرف السعودي -حيث أكد آل الشيخ أن الأندية الإسبانية هي من طلبت التعاقد مع اللاعبين السعوديين- أم أن الأمر تم في إطار المنفعة المتبادلة لا أكثر.


صفقات فنية أم خضوع لرأس المال السعودي؟

شاهد ملخص لمسات صلاح مع فريقه، محرز يدق أبواب المجد مع ليستر سيتي، هل يبدأ رمضان صبحي أساسيًا للمرة الأولى، أشرف حكيمي يستحوذ على ثقة زيدان. تتصدر تلك العناوين الصحف والمواقع الرياضية في البلاد العربية التي تبحث جماهير كرة القدم بها عن أخبار محترفيها في الأندية الأوروبية بشغف شديد وهو ما يكسب تلك الأندية شعبية جارفه في تلك البلاد، فأصبح من المألوف أن ترى قميص ليستر سيتي في الجزائر أو ترى مقهى يكتظ بالمئات لمشاهدة مباراة بين ليفربول وأحد فرق الدوري الإنجليزي في القاهرة.

تلك الشعبية هي أحد العوامل المهمة في اقتصاد كرة القدم الحديث، تمامًا مثل الجولات الآسيوية التي يقوم بها كبار الفرق في أوروبا، لكن تبقى المعادلة لها طرف آخر هو الأهم والأكثر أولوية وهو الجانب الفني، فالجانب الاقتصادي مع عدم إغفال أهميته إلا أنه يبقى عاملًا ثانويًا يزيد ويتعاظم كنتيجة لزيادة الجانب الفني المضاف من قبل هؤلاء اللاعبين المحترفين .

هكذا قد يبدو الموقف الإسباني أوضح، فبجانب الاهتمام الجماهيري السعودي المتوقع بالدوري الإسباني فالعقود المبرمة لا تلزم الأندية بمشاركة هؤلاء المحترفين وعلى الرغم من تصريح «سانز» بأن الأندية الإسبانية هي التي ستتحمل قيمة الصفقات فمن المتوقع اأن تكون تلك القيمة زهيدة للغاية هذا إن دفعت من الأساس.

الخسارة الفنية ألقت بظلالها على الموقف الإسباني أيضًا حيث انتقدت رابطة اللاعبين الإسبان انتقال اللاعبين السعوديين للدوري الاسباني قائلة: «هذا النموذج التجاري الجديد يعطي الأولوية للجانب الاقتصادي على الرياضي، ويضحي بجوهر هذه الرياضة ويحبذ التجارة على حساب تعزيز وتطوير لاعبي كرة القدم». الأمر يبدو منطقيًا للغاية، فالأولى فنيًا هو الاهتمام باللاعبين الشباب في الأكاديميات الخاصة بهذه الأندية الإسبانية.


خسارة سعودية، لكنها ليست فادحة

ركزت الآراء السعودية الداعمة لتلك الصفقات على كونها خير استعداد لكأس العالم المقبلة، فتواجد لاعبين سعوديين في أندية الدوري الإسباني سيكسبهم الكثير من التطور والاحتكاك مع مستويات أعلى كرويًا. يبحث اللاعب دومًا عن اللعب بصفة أساسية حتى وإن اضطرته الظروف لترك ناديه واللعب في ناد أقل فنيًا وهو ما يفسر الكثير من انتقالات اللاعبين أصحاب الأسماء الكبيرة إلى أندية أقل شأنًا.

ويبقى السؤال: هل مجرد وجود لاعب كرة قدم في ناد أكثر تطورًا من الناحية الفنية، دون مشاركات يؤدي إلى ارتفاع مستواه، خاصة أن العقود المبرمة تتضمن إعارة لفترة ستة أشهر، وهي فترة غير كافية لتأقلم اللاعب خاصة العربي مع أي فريق أوروبي؟ لنأخذ اثنين من أبرز اللاعبين السعوديين المنتقلين للدوري الإسباني كمثال للخسارة الفنية التي تلقاها الجانب السعودي وهما:

«فهد المولد» المنتقل إلى نادي ليفانتي من الاتحاد السعودي و«سالم الدوسري» المنتقل إلى فياريال من نادي الهلال. المولد أو ميسي السعودية كما يلقبه السعوديون هو الورقة الرابحة في مشوار المنتخب السعودي نحو التأهل لكأس العالم وصاحب هدف الوصول في المرمى الياباني.

سالم الدوسري (يمين)، تركي آل الشيخ، وفهد المولد .

شارك فهد مع ناديه السعودي الاتحاد الموسم الماضي في 20 مباراة لعب 19 منها كأساسي ومباراة واحدة كبديل محرزًا 11 هدفًا، وصانعًا 5 أهداف خلال 1754 دقيقة، بينما لعب خلال النصف الأول من الموسم الحالي 9 مباريات، منها 8 كأساسي مسجلًا 3 أهداف وصانعًا هدفين خلال 666 دقيقة.

بينما لعب الدوسري متوسط ميدان المنتخب السعودي مع فريقه الهلال الموسم الماضي 17 مباراة منها 11 كأساسي محرزًا هدفين، بينما لعب 13 مباراة الموسم الحالي محرزًا 4 أهداف.

الأرقام توضح مدى أهمية اللاعبين بالنسبة لأنديتهم ومشاركتهم كأساسين بصورة مستمرة بينما لم يشارك فهد أو الدوسري مع أنديتهم الجديدة خلال فترة إعارتهم والتي قاربت على شهر ونصف، فقط ظهر اسم المولد ضمن قائمة ليفانتي مرة واحدة، فهل سيتأثر مستواهم فنيًا فيما يشبه بفترة المعايشة التي يقضونها مع فرقهم الأوروبية؟

تبقى الإشارة إلى أن التنافس يبرز عناصر جديدة قد تنضم للمنتخب السعودي في كأس العالم القادمة وإنقاص الدوري السعودي من نجومه وإحلالهم بصفقات من الدوري المصري والتونسي يضعف من هذا التنافس السعودي بالضرورة وهو ما يقلل فرصة ظهور وجه جديد من شأنه دعم الأخضر في كأس العالم.

يناير/كانون الثاني الحالي شهد هجرة جماعية عربية للدوري السعودي حيث انتقل كلا من: صالح جمعة، حسين السيد، أحمد الشيخ، عماد متعب، عمرو بركات، محمد عطوة، ومؤمن زكريا من مصر. كما انتقل أمين بن عمر، هشام السيفي، أيمن المثلوثي، الفرجاني ساسي، وفخر الدين بن يوسف من تونس. كما انتقل من المغرب أشرف بن شرقي، ومن الجزائر عبدالمؤمن جابو، ومن ليبيا مؤيد اللافي، وهو ما صاحبه بالضرورة قرار بزيادة عدد المحترفين في الدوري السعودي إلى 7 لاعبين.

ربما يشبه الأمر قرار المدير الفني التاريخي للمنتخب المصري «محمود الجوهري» قبل مشاركة منتخب مصر في كأس العالم 1990، بتعطيل الدوري وإقامة معسكر استعداد للمشاركة في كأس العالم، وهو ما تم انتقاده آنذاك، ثم تم الرضوخ وسط أحلام بمشاركة فعالة للمنتخب المصري في فعاليات كأس العالم، وهو ما لم يتحقق بالطبع لتثبت التجربة فشلها.


ماذا عن الاحتراف الحقيقي؟

سالم الدوسري, فهد المولد, تركي آل الشيخ, السعودية
سالم الدوسري, فهد المولد, تركي آل الشيخ, السعودية
ثقتي في لاعبينا لا حدود لها ودورنا جميعًا أن ندعمهم في هذه التجربة والتي ستكون بداية لمزيد من الاحتراف للاعبين السعوديين في الدوريات الأوروبية

تعليق «تركي آل الشيخ» على انتقال اللاعبين السعوديين للدوري الإسباني.

لا يقتصر الأمر على مرحلة الاستعداد لكأس العالم كما هو مخطط له من الجانبين فهاجس الاحتراف لدي اللاعب المحلي يبدأ في التبلور بوجود أمثلة ناجحة بالفعل استطاعت أن تبرهن على قدرة اللاعب المحلي على النجاح كمحترف في نادي أوروبي كبير، تلك الهالة من الاحتفاء بالمحترف الناجح تجذب نحوها الكثير من المحليين كما أن تجربة الاحتراف الناجحة أيضًا تجذب أنظار الأندية الأوروبية للسوق المحلي الذي خرج منه اللاعب وبرهن على قدرة مواطنيه على التأقلم والنجاح في الظروف الأوروبية.

بالنظر للاحتراف السعودي في إسبانيا والمتفق عليه من قبل المؤسسات سلفًا، يفتقد أهم عوامل الجذب للمحليين نحو الاحتراف، وهو قصة الكفاح والتدرج بين الأندية، والتي تشعر اللاعب المحلي بقدرته على السير في نفس الدرب وتحقيق مسيرة ناجحة مماثلة.

وإذا أخذنا المحترف العربي الأنجح حاليًا، وهو المصري محمد صلاح كمثال، سنجد أن رحلة كفاح صلاح وتدرجه بين أندية بازل، وفيورنتينا، وروما وصولًا لفريق بحجم ليفربول الإنجليزي، بما فيها الفترة غير الموفقة بنادي تشيلسي الإنجليزي أصبحت بمثابة خارطة طريق للاعبي الدوري المصري، بجانب لفت نظر الأندية الأوروبية إلى السوق المصري كسوق قادر على تصدير لاعبي كرة القدم إلى أوروبا، وهو ما نتج عنه احتراف أكثر من لاعب مصري وتمسكهم بخوض التجربة، كرمضان صبحي، أحمد حجازي، علي جبر، محمود تريزيجيه، والنني ليشهد المنتخب فترة هي الأكثر ثراء على مستوى المحترفين.

وهو ما كان سيتحقق على الجانب السعودي باحتراف لاعب واحد فقط بإمكانيات جيدة، مثل فهد المولد في أحد الأندية المتوسطة، والتي يستطيع خلالها اللاعب أن يبرز كموهبة يحتاجها الفريق بالفعل، وهو ما سيعطي فرصة بالضرورة لسعوديين محترفين أكثر في أوروبا، ربما يبدو طريقًا أكثر صعوبة لكنه أكثر نجاحًا بالتجربة.

يبقى في النهاية ضرورة الإشارة إلى أن لعبة كرة القدم حتى وإن أصبحت صناعة مهمة، يتحكم فيها السياسيون وأصحاب القرارات السيادية، والمصالح الاقتصادية، إلا أنها تحافظ على جوهرها الفني دائمًا. فعلى أرض الملعب يقبع الجميع في الظلام، ويبقى الضوء مسلطًا على لاعب الكرة والجماهير، لاعب الكرة وإمكاناته الحقيقية وهتاف الجماهير المحبة للعبة كرة القدم دون النظر إلى شيء آخر .