في الدقيقة 43 من عمر اللقاء الذي جمع بين فنلندا والدنمارك في بطولة «يورو 2020»، سقط لاعب الوسط، «كريستيان إريكسن»، قرب خط التماس دون أي التحام من لاعبي الفريق المنافس، في مشهد اهتزت معه قلوب الملايين حول العالم.

بالطبع أن تعلم تفاصيل تلك اللحظة بشكل كامل، ولكن ما بين التفاصيل هي حالة الإشادة منقطعة النظير التي حصل عليها زميله في المنتخب الدنماركي سيمون كايير، الذي كان أول من هرع باتجاه إريكسن حسبما نقلت الكاميرات.

تلك الحالة من الإشادة، لا بد أن تطرح سؤالًا منطقيًا: لماذا أشاد العالم بـ«كايير»؟ هل هو من أنقذ حياة زميله؟ أم الطبيب الذي لحق به على أرضية الملعب وقرر نقله على الفور إلى المستشفى؟

أسئلة لن تجد لها إجابة قاطعة حقًا، ولكنها ستفتح الباب أمام الفكرة الأشمل من ذلك المشهد، ألا وهي: «إصابات الملاعب المميتة»، وكيف لخطوات أولية بسيطة أن تكون سببًا في إنقاذ لاعب كرة قدم مصاب داخل الملعب؟

توقف القلب

يعد مصطلح «توقف القلب»، ليس بالدقيق طبيًا، رغم أنه الأكثر شيوعًا، وعادة ما يرتبط بأمراض مثل: السكتة القلبية، التي بدورها تتنج عن توقف القلب عن ضخِّ الدَّم والأكسجين إلى الدماغ والأعضاء الأخرى والأنسجة؛ نتيجة مشكلات كهربائية في عضلة القلب.

وغالبًا ما تحدث أثناء التمرين أو المباريات التي تتميز بـ «رتم سريع»، حيث يتعين على القلب أن ينبض بسرعة أكبر لضخ الدم في جميع أنحاء الجسم، ولا يشترط ظهور أي أعراض سابقة على اللاعب.

وبحسب دراسة أجريت على أكثر من 11 ألف لاعب في سن 16 عام، وعلى مدار 20 عامًا خلال مسيرتهم الرياضية، كان لدي 42 شخصًا أمراض قلبية يمكن أن تسبب الموت المفاجئ، ولم تظهر عليهم أي أعراض قبل الدراسة.

30 من أصل 42 لاعبا خضعوا لعملية جراحية أو علاج آخر لعيب في القلب وتمكنوا من العودة للعب كرة القدم ، لكن الـ12 الآخرين توقفوا عن اللعب.
إحدى نتائج الدراسة

يفسر الأمر خضوع اللاعبين خلال توقيع الكشف الطبي لقياسات بخاصة بمعدل ضربات القلب، وضخ الأكسجين وغيرها، التي تتحكم عادة في قرار الأندية في توقيع مع صفقاتها المحتملة من عدمه.

بلع اللسان

الإصابة الأخرى التي قد تُسبب أيضًا الموت المفاجئ للاعبين داخل الملعب، هي «إعاقة اللسان لمجرى التنفس»، والتي يطلق عليها اصطلاحًا اسم «بلع اللسان»، ككلمة أكثر شيوعًا في الأوساط غير الطبية.

طبيًا، يستحيل أن يقوم أي إنسان بابتلاع لسانه، ولكن اللسان يمكن أن يتحرك لأعلى منطقة الحلق في حالة فقدان الوعي، مما يتسبب في إغلاق مجرى الهواء «التنفس»، وبالتالي منع عمليتي الشهيق والزفير بشكل طبيعي، مما قد يؤدي إلى الوفاة في الحال.

وترتبط إصابة «بلع اللسان» عادة، بالاصطدامات القوية في الرأس أو الارتجاجات، أو الالتحامات التي تؤدي إلى فقدان الوعي بشكل أساسي، حيث يأتي كنتيجة ثانوية له، وتوجد بشكل أكثر شيوعًا في رياضات مثل: كرة القدم الأمريكية والهوكي.

وتظهر تلك الإصابة جليًا، في الواقعة التي شهدتها مباراة محلية بالدوري الأوكراني في مارس / آذار 2014، حين اصطدمت قدم حارس فريق دنيبروبتروفسك «دينيس بويكو»، برأس قائد خصمه كييف «أوليج جوسيف»، مما أدى إلى انزلاق لسانه، قبل أن يتسبب أحد اللاعبين في عملية إنقاذه على الفور.

فقدان الوعي

إصابة ثالثة، قد تكون مرتبطة بالإصابتين السابقتين أيضًا، سواء كنتيجة لـ«توقف القلب»، أو سبب لـ«بلع اللسان»، إلا أنها قد تحدث لأسباب مختلفة أيضًا مثل: انخفاض مفاجئ في ضغط الدم، انخفاض في معدل ضربات القلب، وتغيرات في كمية الدم في مناطق الجسم.

وقد تُرجع أسباب الإغماء أو ما يعرف بـ«فقدان الوعي المؤقت»، إلى عوامل أخرى مشابهة للحالات المذكورة سلفًا، مثل الارتجاجات والصدمات في الرأس، إلى جانب الالتحامات البدنية داخل المستطيل الأخضر.

90% من حالات الارتجاج تحدث دون فقدان الوعي. في بعض الأحيان ، يبدو اللاعبون بخير في البداية ويستمرون في اللعب، فقط حتى تظهر الأعراض في اليوم التالي.
تقرير طبي

ويعد فقدان الوعي المتعلق بارتجاج المخ، هو الأكثر خطورة، إذا ليس بالضروري أن يتعرض اللاعب للإغماء فور اصطدامه أو ارتجاج رأسه، وقد يتسبب تراكم الاصطدامات على فترات طويلة خلال مسيرته الكروية في مشاكل صحية أكبر.

وتشير الدراسات إلى أنه لا يوجد حتى الآن، اختبار دقيق بنسبة 100% لتشخيص الارتجاج في المخ، على عكس العظام المكسورة أو الجرح النازف، فليس من السهل دائمًا رؤية إصابة الدماغ، على عكس قياسات القلب والأمراض المزمنة.

الإسعافات الأولية: كيف تنقذ حياة اللاعب؟

تعد الإصابات الثلاث المذكورة هم الأشهر في عالم كرة القدم؛ بل والأكثر تأثيرًا على حياة اللاعبين، لذا فالخطوات الأولى في التعامل معها لا بد أن تكون دقيقة للغاية فأهميتها مماثلة لكل الخطوات التي ستليها، والهادفة لإنقاذ حياة اللاعب المصاب.

لا تختلف خطوات الإسعافات الأولية في أي إصابة عمومًا، إذ تبدأ بالبرتوكل «ِABC»، حيث يشير كل حرف من الاختصار إلى خطوة كالتالي:

  • حرف «A» هو اختصار لـ«Airway»، ويقصد به التأكد من أن مجرى التنفس مفتوح تمامًا ولا يوجود ما يعيقها، وبالتالي توقف عمليتي الشهيق والزفير كما في حالة الإصابة بـ«بلع اللسان».
  • حرف «B» هو اختصار لـ«Breathing»، ويقصد به التأكد من أن اللاعب المصاب يتنفس بشكل طبيعي، من خلال وضع الأذن بجوار الفم والأنف، إلى جانب ملاحظة حركة الصدر لأعلى وأسفل؛ فإذا كان الشخص فاقدًا للوعي ولكنه يتنفس، يجب قلبه على جانبه، والتأكد من أن رأسه ورقبته وعموده الفقري في محاذاة، ومراقبته حتى وصول الإسعاف والطبيب المعالج.
  • حرف «C» هو اختصار لـ«CPR» أو «الانعاش الرئوي»، وهي إحدى الطرق المتبعة في حالة فقدان المصاب للنفس تمامًا، حيث يقوم المسعف بالتأكد من نومه على ظهره ثم يضع كعب إحدى يديه في منتصف صدره ويده الأخرى في الأعلى، ويضغط لأسفل بقوة وسلاسة (الضغط حتى ثلث عمق الصدر) 30 مرة، ثم بعدها يعطيه نفسين بالفم، ثم 30 ضغطة من جديد ولمدة 5 مرات خلال دقيقتين حتى تعود عملية التنفس للاعب المصاب.

وفي حالة عدم الاستجابة من قبل اللاعب للخطوات الثلاث السابقة، فإن المسعف المختص يقوم بعمل الصدمات الكهربائية للقلب عن طريق أجهزة الـ «Defibrillators»، كما حدث في حادثة «كريستيان إريكسن»، الذي أعطاه الطبيب المعالج صدمة كهربائية كانت أحد الأسباب الرئيسية في إنقاذ حياته.

ختامًا، تلك الخطوات البسيطة لا تعد بالطبع علاجًا كاملًا لتلك الإصابات الخطيرة، ولكنها كافية من أجل الحفاظ على حياة اللاعب المصاب داخل الملعب، وذلك حتى نقله إلى أقرب مستشفى أو هيئة صحية متخصصة؛ حيث يبدأون في فحصه وتشخيصه بشكل دقيق، ومن ثم وضع الخطة العلاجية لأسباب الإصابة وتبعياته حتى يعود بشكل طبيعي مرة أخرى.