على مهل كنت أقطع الممر المؤدي لغرفة الرئيس. أحاول التأكد من اكتمال الأوراق التي أحملها إليه، فاليوم ليس اليوم المناسب للخطأ. لم أستطع أن أمنع نفسي من النظر مباشرة لوجهه. فلتت مني ابتسامة التقطها هو على الفور. بدا الغضب واضحًا في نظرته لي. تركت الأوراق على مكتبه وخرجت سريعًا دون أن أفتح فمي بحرف. ترى هل يعاقبني؟ هل لمح قميص فريق كرة القدم الذي أرتديه تحت قميص العمل.

لم أخلع قميص كرة القدم منذ يوم أمس، كان يجلس هو بجواري مرتديًا قميص الفريق الغريم. وحينما أحرز مهاجم فريقي هدف الانتصار في الثانية الأخيرة، انطلقت في وجهه بوابل من الصراخ وعبارات التقليل لفريقه والتوعد بأن القادم سيصبح أمر. في بداية الأمر لم يستطع الرد فهو لم يفق من الهدف المفاجئ بعد. لكنه سرعان ما دافع عن فريقه واتهم فريقي برشوة الحكام والمسئولين عن اللعبة ثم لعن الحظ الذي لا يقف بجوار فريقه أبدًا.


نادي المشجعين السري

ربما يبدو ما أتحدث عنه خياليًا، لكن كل ذلك يحدث بشكل طبيعي للغاية في نادي المشجعين السري. نادي سري لتشجيع كرة القدم دون أي محظورات. تشبه قواعده كثيرًا نادي القتال في الفيلم الشهير الذي يحمل نفس الاسم، أو نادي الرجال السري إذا كنت من محبي الأفلام العربية.

لا أحد يتحدث عنه خارج حدوده أبدًا كما أنه لا يعترف بالفوارق، تمامًا مثلما يحدث في المدرج الذي حُرمنا منه. فلا شيء سيجمعني برئيسي دون فوارق سوى كرة القدم. ذلك السحر الذي لا يفرق بين طبقات اجتماعية. وإن كان ما يمتلكه المرء من مال هو ما يتحكم في جودة الخدمة التي يحصل عليها أثناء مشاهدته لمباراة كرة قدم، ما بين جالس في المقصورة ومحاط بالمأكولات والمشروبات والهواء المنعش وبين رجل افترش الأرض بعد القفز فوق سور ملعب المباراة التي لا يملك ثمن تذكرة ليشاهدها جالسًا فوق مقعد.

لكن داخل قلب الرجلين ذات الشعور، تلك الأنا التي تحتاج بشدة إلى أن تصبح نحن، أن تشاطر عددًا لا بأس به من الأفراد نفس القناعة، القناعة بأنك الأفضل، بأن البقية مخادعون، بأن الحظ لا يلتفت إليهم، بأنك على صواب والبقية واهمون، الشعور بمدى أهميتك، بأن إمتاعك هو الغرض هنا، وبكونك شريكًا أساسيًّا في النصر والهزيمة حتى لو لم تحرك ساكنًا في كليهما.

هناك قلة تفهم معنى ذلك الشعور، شغف كرة القدم. لكن الجميع هنا محاط بقيود المظهر الاجتماعي. أن يظهر المرء دومًا بمظهر الحكيم ولهذا السبب تحديدًا وجد ما يعرف بنادي المشجعين السري. حيث يتساوى الجميع ويظهر كل شخص بصورته الحقيقية التي يخفيها عن الآخرين ويفضحها شغف كرة القدم. دعنا نقترب أكثر من نادي المشجعين السري ودعني أعرفك على أبرز أعضائه.


سليط اللسان

مرتضى منصور, الزمالك
«مرتضى منصور» رئيس نادي الزمالك المصري

دعني أعرفك على ذلك الرجل المحبوب. لابد لك أن تراه خارج النادي لتفطن للفرق. إنه أحد أكثر الناس أدبًا وبشاشة على الإطلاق. محبوب من الجميع خارج النادي وداخل النادي أيضًا، لكن أسباب التي تجعله محبوبًا داخل النادي مختلفة كليًا.

هذا الرجل وكأنه احتفظ بكل السباب والبذاءة طوال عمره ليفرغها في مشاهدة كرة القدم. إنه يتفنن في سباب ذلك اللاعب وذكر مساوئ ذلك الفريق. لم يسلم أحد من لسانه اللاذع وطرافته المميزة. لكنه يتمتع بحب الجميع رغمًا عن ذلك. فهو التجسيد الحي للرجل سليط اللسان دون تجريح.

دعنا نقترب منه، ستعرفه وحدك بالطبع وستسمعه من على بعد كاف فهو دومًا ذو صوت عالٍ.

«ماذا تحتاج أكثر من ذلك كي تحرز هدف يا ابن العاهرة، هل نرسلك لتتعلم قواعد لعبة كرة القدم من جديد! إنك تستحق أن تكون مهاجم الفريق للكرة النسائية أيها المخنث. يا الله لماذا أضيع عمري لمشاهدة مثل ذلك الأحمق يضيع كل الفرص التي تتاح له».

لقد علت على وجهك ابتسامة الآن، هذا تحديدًا ما أتحدث عنه. دعنا نتحرك فلو ظللنا بجوار هذا الرجل ربما ينقضي اليوم بأكمله دعني أعرفك على نموذج خاص للغاية. إنه عاشق الكيان.


عاشق الكيان

إبراهيم المنيسي
الإعلامي المصري «إبراهيم المنيسي»

كما هي العادة لابد من شرح كيف يبدو هذا الرجل خارج النادي. إنه ذلك الرجل المتسامح والقادر على احتواء الجميع. هو الوجهة الأساسية لكل من لديه مشكلة أو أسير الحيرة في أمر ما. رجل يعمل عقله لأبعد الحدود ولا يتأثر بمشاعره في إبداء رأي أو اتخاذ قرار.

لكنه هنا ينسى كل ذلك. إنه يتحول تمامًا لنموذج معروف باسم عاشق الكيان. كل شيء يفعله فريقه مبرر لأنه الكيان. هل وقع مهاجم الفريق داخل منطقة جزاء الخصم، إذن فهي ركلة ترجيحية لا محالة. حتى وإن سقط إثر صاعقة من السماء. كل حكام الساحة لا يبصرون طالما لم يحتسبوا كل المخالفات لصالح فريقه. هل قرر رئيس النادي أن يسب لاعبي النادي ومشجعيه، لا ضرر إذن لأن الهجوم على رئيس النادي قد يدفعنا لمهاجمة الكيان. والكيان لا يخطيء.

لقد اعتدنا جميعًا عليه. كل تلك المناقشات التي جمعتنا به عرفتنا عليه أكثر وتأكدنا من تلك الحقيقة المؤسفة. هذا الرجل لن يقتنع بما قد يسوء فريقه بأي شكل. قد تجن أثناء إقناعه بأن مدافع فريقه ضرب المهاجم الغريم والأمر واضح للجميع. إن المخرج وكأنه يحدثه خصيصًا بعد إعادة المشهد عشرات المرات. لكنه ينظر مليًا ثم يقول بلهجة مخلصة: إن هذا المهاجم بارع بالفعل، لقد اعتاد السقوط دون أن يلمسه أحد.

حسنًا لا تتوتر، ستعتاد الهدوء أثناء مناقشته وستدرك أنها بلا جدوى وستوافقه فيما يقول عن طيب خاطر. هل ترى ذلك الهادئ الرزين. فلنقترب منه ونستعد لكل تلك المصطلحات الجديدة في عالم الكرة.


الفيلسوف

أيمن يونس, مصر, معلق رياضي
المحلل الرياضي المصري «أيمن يونس»

هذا الرجل البسيط كما يبدو خارج حدود نادينا السري، قرر أن يتعامل مع كرة القدم كونها إسقاطاً لكل نظريات الفلسفة والاقتصاد وعلم الاجتماع في العالم. إنه مشجع وفي لفريق في القسم الثاني للدوري الإسباني. لماذا؟ أسباب تعلق بالبروليتاريا. ولماذا لا يصعد هذا الفريق للقسم الأول؟ سؤال وجيه سألناه جميعًا وكانت الإجابة تتعلق باللمبنبروليتاريا، تلك الفئة التي تصبح مع الوقت أكثر استعداداً لبيع نفسها لمكائد الرجعية. ماذا أنت لا تفهم شيء. هذا أمر طبيعي تمامًا،لا أحد منا يفهم شيئًا مما يقول. إنه ليس باليسير أن تصبح عميقاً يا صديقي. خاصة عندما يتعلق الأمر بكرة القدم.

هل تنوي مناقشته في أمر ما. أنت سفسطائي إذن ولا مجال لإقناعك. يستحسن ألا تخبره أنك من عاشقي ميسي، سيطول الحديث حول أثر الفراشة الذي جعل ميسي يتحول من قزم لا نفع له إلى أعظم لاعب في تاريخ كرة القدم.

على الأقل هذا الرجل لديه ما يؤمن به أما النموذج القادم فهو لم يجد ما يستوعبه للأسف سوى كرة القدم. إنه يتحدث في كل شيء بهمهة العارف ببواطن الأمور. إنه ببساطه الفتاي.


العالم ببواطن الأمور

الصحفي المصري «محمود معروف»

حسنًا هل جدولك مزدحم اليوم؟ لا فلتترك كل شيء ولنجلس صحبة هذا الرجل. لا إنه لا يتحدث في شيء مهم على الإطلاق ولكنه لن يصمت حتى لا تنتهز فرصة صمته هذا وتتركه. إنه ببساطة نموذج الفتاي. إنه يملك معلومات عن كل شيء رغم أنه لا يملك معلومات عن أي شيء. إذا لاحظت هو لا ينظر للمباراة من الأساس، لأنه يعرف كل شيء من قبل. إنه يعلم بواطن الأمور علم اليقين حتى أصبح ما يحدث على الشاشة لا يهمه من الأصل، حسنًا فلنستمع له.

هذا اللاعب لن يحرز هدفًا خلال تلك المباراة. لماذا؟ لأن أباه قد ولد في نفس المدينة التي ولد بها رئيس النادي الذي يواجهه اللاعب. إن والد هذا المهاجم على علاقة قوية برئيس النادي المنافس بل إنه يدين له بالكثير. ماذا. هل أحرز هدف بالفعل. هكذا تدور الأمور إذن، ففي المرة الأخيرة التي تواجد بها والد اللاعب في مدينته الأم نشب شجار بينه وبين رئيس النادي هذا، إنه ينتقم لأبيه لا محالة.

يبدو أنك أحببت الوجود داخل نادينا السري. هذا متوقع بالفعل، ولذا فقد قررت أن أترك لك نموذج الرجل الغاضب للنهاية.


الغاضب

محمود معروف
محمود معروف
علاء عبدالعال, نادي الداخلية المصري
«علاء عبدالعال» المدير الفني لنادي الداخلية المصري

هذا هو النموذج الأكثر خطورة هنا. هذا الرجل عاش حياته بأكملها يسترضي الجميع. إنه طيب ولذا فقد احتمل غضب الجميع لسنين من عمره. يعتقد البعض أن الأمر بدأ من الأسرة لكننا لا نحاول أن نتقصى الأمر فهو صديق للجميع أيضًا. خاصة خارج النادي فهو رجل لا غنى عنه للجميع.

تلك السنين التي قضاها الرجل ينضح من وعاء طيبته على لجميع ولدت لديه شحنات من العداء المكبوت. ماذا؟ تقول إني تأثرت بالفيلسوف؟ ربما جميعنا نحتوي على خليط من كل النماذج وإلا ما كنا أعضاء بهذا النادي السري.

لنعد لهذا الرجل. إنه يوفر لكرة القدم كل السخط والغضب الذي يحتويه داخله. إنه على أتم استعداد لأن يسدد لكمة خاطفة لوجهك من أجل الاحتفال بهدف. إما إذا كنت من محبي الفريق الخصم، فلتركض. نعم كما سمعت، اركض خارج أسوار النادي سريعًا ريثما يعود هذا الرجل لهدوئه. إنه خطير فيما يتعلق بكرة القدم. أصبح طقسًا يوميًا أن يتعارك مع أي شخص ثم يعود ويعتذر له ألف مره بعد أن يكون قد تسبب في جرح ما في رأسه. نعرف جميعًا أنه ذو قلب طيب ونتقبله كمشجع حقيقي رغم عدائه المتكرر.

دعني أؤكد لك أن هذا النادي هو نموذج مصغر من كل شيء. هكذا هي كرة القدم، قادرة على انتزاع مكنون مشاعرنا كما لا يستطيع أي نشاط. أشعر أني سأعود لتقمص نموذج الفيلسوف، حسنًا لتصمت الآن وإلا فسيظهر نموذج الغاضب. فلا تنس جميعنا مزيج من كل هؤلاء.