في نهاية العام الماضي، أعلنت مؤسسة «العتبة الحسينية» بالعراق عن تشكيل لجنة لإعمار المراقد والمقامات والحسينيات والجوامع في الموصل، التي تعد من أبرز مناطق السنة في البلاد، وفي ديسمبر/كانون الأول من عام 2020 أعلنت المؤسسة عن نجاحها في تحديد العديد من الأماكن المقدسة الخاصة بآل البيت في محافظة نينوى شمال غرب البلاد بالتعاون مع جامعة الموصل ضمن مشروع لإحياء ما يُسمى بـ «طريق السبايا» التاريخي.

أي «طريق»؟ وأي «سبايا»؟

انتشرت صور لخريطة ما يُسمى بـ «طريق السبايا» الذي يبدأ من مدينة الكوفة ويمر بضفاف نهر الفرات حتى يصل إلى الموصل وتلعفر وجبل سنجار، ثم يمر إلى شمال الأراضي السورية، ثم مدينة نصيبين بتركيا، ثم يعود إلى سوريا ليصل إلى حلب ثم حماة ثم حمص ثم بعلبك اللبنانية ليعود إلى دمشق، وتم اختيار هذا الطريق وفقًا لقصة تقول إن نساء وأبناء آل البيت تم اقتيادهم عبر هذا الطريق كـ «سبايا» بعد موقعة الطف في كربلاء 61 هجرية التي قُتل فيها الحسين بن علي – رضى الله عنه – وأتباعه على يد جيش عبيد الله بن زياد الأموي، إذ انتقل الركب إلى مدينة الكوفة التابعة لمحافظة النجف جنوب العراق، ومنها إلى دمشق، حيث قابلوا الخليفة الأموي يزيد بن معاوية.

ويمتد المسار على شكل هلال طرفيه في جنوب سوريا والعراق وتعمل جهات شيعية ممولة من طهران في هذا المشروع على قدم وساق لإنجازه في أقرب وقت، بحيث يتم تنظيم رحلات سياحية دينية على امتداد هذه المسافة، وتتولى ميليشيات تابعة لإيران كالحشد الشعبي في العراق تأمينها، مع العلم أن معظم تلك المسافة في مناطق سنية.

وأتت تسمية «السبايا»، التي تعني الأسرى من النساء والأطفال، ضمن منظومة الشحن الطائفي؛ إذ تُصور أخوات وزوجات وبنات الحسين، وهن نساء آل البيت النبوي، كجوارٍ تم اغتنامهن بعد المعركة، وهو «تحريف واضح لغايات سياسية وطائفية»، وفقًا للباحث العراقي البارز، فاروق الظفيري، الذي يؤكد أن الركب الحسيني لم يُعاملوا كأسرى على الإطلاق، بل تم توصيلهم بعد ذلك إلى المدينة المنورة كما أرادوا، وأن أغلب الروايات التي تروِّج لفكرة «السبي» المزعوم كُتبت في عهد الدولة الصفوية، ولم تذكرها الكتب الشيعية قبل ذلك.

يؤكد الظفيري أن هناك طريقًا مستقيمًا ممتدًا مباشرة من الكوفة لدمشق يُعرف بطريق البادية، وهناك مسار آخر يُعرف بطريق ضفاف الفرات‌، وأنه من غير المنطقي أن تمر قافلة تحمل معها نساءً وأطفالًا وجرحى، وهم خارجون من معركة، ليسلكوا بهم هذا الطريق الطويل المزعوم الذي يمر بتركيا ويبلغ طوله نحو 1545 كيلومترًا، ويتركوا أقصر الطرق وأكثرها أمانًا وأقلها سكانًا ليتنقلوا بين مدن قد يثور أهلها عليهم بسبب مقتل الحسين، رضي الله عنه.

وفي كتابه «طريق السبايا بين الواقع التاريخي والتوظيف السياسي والطائفي»، يتتبع الظفيري الكتب والمراجع المعتمدة في المذهب الشيعي، ويُجري بحثًا وافيًا فيما يتعلق بالإثباتات التاريخية في الأسفار المعتمدة لدى المذهب، ويصل إلى نتائج جديرة بالتأمل كمسألة عدم وجود ذكر مرور آل البيت بمدينة الموصل في أي مرجع تاريخي معتبر رغم كثرة الكتب التي أرخت للواقعة، ووجود قبر للإمام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – في تكريت التي لم يدخلها في حياته قط، بل قتل في مسجد الكوفة ودفن بها.

يشير الظفيري كذلك لوجود مشهد باسم عبد الرحمن بن علي بن الحسين، وهو شخصية وهمية لا وجود لها في كتب الشيعة ولا السنة، ولا ذكره أي مرجع تاريخي، وكذلك قبر السيدة زينب الموجود في سنجار، رغم أنها لم تزرها مطلقًا، ولها قبور أخرى عديدة، وكذلك تعدد المقابر في العراق وسوريا للجنين الذي يقال إن أرملة الحسين – رضي الله عنه – أسقطته، كما فند رجل الدين الشيعي، حسين الخشن، فكرة وجود مراقد لآل البيت في بعلبك اللبنانية.

السيطرة على «الأرض»

في العراق، استغل الوقف الشيعي أمثال تلك الحجج لاختراق المدن السنية، واستولى على مساحات شاسعة فيها، مستندًا إلى قانون إدارة العتبات المقدسة والمزارات الشيعية رقم 19 الصادر عام 2005. وبناءً عليه، تم نزع ملكية مئات المساجد والأضرحة والمزارع والمباني في بغداد والمحافظات ونقلها من الوقف السني إلى الوقف الشيعي في ظل الاحتلال الأمريكي الذي حل وزارة الأوقاف بعد الغزو عام 2003، بل إن رئيس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي، صادق في أكتوبر/تشرين الأول 2020 على قرار غامض يقضي بتقاسم الأوقاف السنية مع الوقف الشيعي!

وخلال السنوات الأخيرة سيطرت ميليشيات الحشد الشعبي على الموصل مركز السنة في العراق بقوة السلاح، وجاء تمرير مشروع طريق السبايا لتقنين هذا الوضع وتحويله من وضع مؤقت إلى دائم عبر تغيير طبيعة المنطقة جذريًّا وإجراء تغييرات سكانية كبيرة والاستيلاء على أراضي تلك المدن والقرى من مالكيها تحت شعار أن آل البيت مروا من هناك يومًا ما، وكأن مرور الإنسان على أي أرض يجعلها ملكًا له ولأحفاد أحفاده، بل من يحبونه أيضًا على امتداد القرون والأزمان!

وكثيرًا ما تتم عملية الاستيلاء على الأراضي والمنازل وبيعها دون علم أصحابها، عبر أفراد من الجماعات المسلحة يستطيعون استخراج سندات ملكية رسمية ويبيعون تلك الأراضي لمن شاءوا، وكذلك الحال بالنسبة للأراضي المملوكة للدولة، بل الأمر فيها أهون لأنها ليس لها من يسأل عنها، وأحيانًا تُبرر تلك التصرفات بأن تنظيم داعش الإرهابي أو نظام صدام حسين صادر تلك الأراضي من معارضيه، أو سجلها بشكل خاطئ تحيزًا للسنة، وغير ذلك من الحجج التي لا تستثني الأماكن التي تتبع لأصحابها وعائلاتهم منذ أزمان بعيدة، ولا حتى المواقع الأثرية ذات القيمة التاريخية الكبيرة.