تتحرك الكاميرا ببطء لتترك للمشاهد فرصة لفحص محتويات المكان جيدًا. يبدو أننا داخل منزل فخم، تحديدًا في غرفة صُممت لممارسة التمرينات الرياضية. يظهر أخيرًا من قلب الظلام رجل مفتول العضلات يتحرك بثبات وقوة فوق أحد الأجهزة الرياضية.

تنتقل الكاميرا في مشهد ثانٍ، لتُظهر لنا الرجل بملامح غاضبة داخل حوض سباحة شاخصًا بنظره إلى صورة فوتوغرافية علقت فوق الحائط الملاصق له. يظهر الرجل في الصورة سعيدًا بجوار ولديه الصغيرين.

يظهر صوت الرجل نفسه خلال المشهد واصفًا حاله كالتالي: «عند الفشل، ستحاول أن تبتسم، لكن في أعماقك تعلم جيدًا أنك فشلت. عندما تصل إلى القاع، فأنت لا تملك سوى اتجاه واحد للذهاب خلاله. يعلمك طعم الهزيمة المُرّ أن تثمن الجهود المطلوبة للفوز».

حسنًا، لقد انتهى المشهد. دعنا نحاول أن نتوقع التيمة الأساسية للفيلم. يبدو أن هذا الرجل يخطط للانتقام بعد أن مُني بهزيمة موجعة. ربما كل ما يهمه هو ألا يترك العار لأولاده من بعده.

مهلًا، ولمَ لا يكون هذا الرجل هو الشرير في القصة؟ لقد كان يحيا حياة مثالية من قبل، لكنه الآن خسر كل شيء ولا يملك سوى رغبة متوحشة في تدمير العالم بأكمله.

إنها اللحظة الفارقة التي جلس فيها «الجوكر» ليسترجع كل ما تعرض له من مضايقات من شعب «جوثام»، أو ربما هو «البروفيسور في لا كاسا دي بابيل» أثناء وضعه خطة محاولًا من خلالها انتقاد غياب العدالة الاجتماعية بسرقة تحرج مسئولي الدولة.

دعني أوضح لك قبل أن يختلط عليك الأمر. هذا المشهد الذي قرأته ليس مشهدًا متخيلًا إنما هو مشهد حقيقي تمامًا. إنه المشهد الأخير من الحلقة الثانية لمسلسل يتناول قصة حياة المدافع الإسباني «سيرجيو راموس».

هكذا كان راموس بعد هزيمة ريال مدريد أمام برشلونة بخماسية قاسية تحت قيادة «لوبيتيجي»، أو بشكل أدق هكذا أراد بطل القصة أن يوضح للجماهير جزءًا هامًا من حياته. يعرف راموس أن صفات مثل تحمل المسئولية وعدم تقبل الهزيمة هي أفضل ما يمتلكه؛ لذا قرر الرجل أن يدور مسلسل من ثمان حلقات حول تلك الصفات بشكل أساسي.

يعلم راموس أنه ليس المدافع الأفضل في العالم، لكنه استطاع أن يكون المدافع الأهم لسنوات. هو لا يمتلك الإمكانيات التي تجعله مدافعًا عظيمًا، لكنه عوضًا عن ذلك يملك شخصية وإصرارًا مميزين للغاية.

رغب راموس منذ لحظته الأولى في دور القيادة، لكن البداية حتمت عليه أن يختبر الشر الذي بداخله.

راموس الشرير: الخشونة كمصير محتوم

في المسلسل نفسه تحكي والدة راموس قصة من طفولته. كان راموس يلعب إحدى المباريات الودية ضد أخيه، وخلال كرة مشتركة تسبب في كسر أنف الأخير. وقف أخوه مذهولاً ليعاتبه قائلًا: «نحن إخوة!». كان رد راموس قاطعًا: «في كرة القدم لا يوجد إخوة بل منافسين».

قبل مباراته الأولى كلاعب لفريق إشبيلية في الدوري الإسباني وقف أمامه المدرب «خواكين كاباروس» قائلًا: «أيها الطفل، العب بالطريقة التي تعرفها». لعب راموس بالطريقة التي يعرفها بالفعل، دون التقيد بالمهام الكلاسيكية لمركزه، وهو ما ذهب به للمنتخب الأول العام نفسه ثم أصبح لاعبًا في صفوف ريال مدريد وهو في عامه التاسع عشر.

بداية مثالية استحق بها راموس أن يكون الصفقة الإسبانية الوحيدة في صفقات الجلاكتيكوس الأول الذي بدأه فلورنتينو بيريز. أصبح سيرجيو أغلى مراهق إسباني وقتها، مرتديًا الرقم 4 الذي أكسبه «هييرو» شهرة لا بأس لها من قبله.

مراهق وسيم، مفعم بالقوة، يترك شعره الذهبي متهدلًا فوق كتفيه، يمتلك بعض الصفات الجيدة كمدافع والتي لا تخلو من الاندفاع.

في اليوم الأول لراموس داخل جدران البرنابيو صرح لوسائل الإعلام أنه يريد أن يصبح قائدًا لريال مدريد ويصنف في خانة أساطير النادي. كان تلك هي رغبة راموس وقد استطاع أن يحققها، لكن البداية كانت صعبة دون شك.

وجد راموس نفسه فجأة في مواجهة أفضل مراوغ في تاريخ كرة القدم على الإطلاق؛ البرازيلي «رونالدينيو». يندفع راموس بكل ما يمتلك من قوة فيمر رونالدينيو بكل ما يمتلك من مهارة. تم تصوير راموس على أنه الثغرة الأكبر في دفاع مدريد.

رحل رونالدينيو لكن راموس لم يسترح، فقد بدأ عصر «برشلونة بيب» حيث ميسي وتشافي وانييستا وكرة قدم هي الأفضل دون شك.

عشرات المدافعين أصبحوا في طي النسيان أمام هؤلاء العمالقة خلال تلك الحقبة، لكن راموس عزم ألا يكون من بين هؤلاء. يمتلك راموس شخصية مختلفة لا تعترف بالأدوار الثانوية، لذا قرر راموس أنه لن يقف مكتوف الأيدي، على الأقل سيتسبب بالضرر لمن يحاول المرور منه دون رحمة.

شكّل مع الوقت ثنائية دفاعية رفقة البرتغالي بيبي هي الأعنف في تاريخ مدريد دون شك. أصبح اللاعب الأكثر حصولًا على كروت في تاريخ ريال مدريد دون ذرة ندم.

تلك هي شخصية راموس التي لا يتنصل منها أبدًا. لذا عندما تعامل العالم بأكمله مع برشلونة خلال تلك الحقبة على أنهم الأبطال الخارقون لم يجد راموس لنفسه دورًا في القصة سوى دور الرجل الشرير.

أدرك بالتجربة أن الجميع يحب دور الرجل الشرير في القصة لكن دون أن يصرح أحد بذلك. 

لكن ما الفرق بينه وبين بيبي على سبيل المثال؟ الفارق الأساسي أن راموس يمتلك ما هو أكثر من العنف، كما أنه مجنون بفكرة القائد الذي يحدث الفارق فإذا لم يتطلب إحداث الفارق شيئًا من العنف فلا داعي له.

راموس القائد: الخشونة كخيار مستبعد

على الرغم من وحشية راموس ضد لاعبي برشلونة فإنه أحد لاعبي ريال مدريد القلائل الذي يحظى باحترام لاعبي برشلونة. صُدم عدد غير قليل من الناس بالسهولة التي تعاون بها هو وبيكيه في يورو 2012.

بالنظر إلى العداء والتوتر بين قطبي إسبانيا، بدا أن تلك الشراكة محكوم عليها بالفشل. ولكن هذا هو الموقف الذي تتجلى فيه اختيارات راموس، إن وجوده في المنتخب الإسباني يحتم عليه أن يكون متعاونًا ومتفهمًا لدوره دون داعٍ لخشونة زائدة والسبب ببساطة أنه لا يحتاج لتلك الخشونة.

هنا يمكن أن نتعرف على ترتيب أولويات راموس، الرجل يريد القيادة في المقام الأول. هو يعرف الطريق لقيادة ريال مدريد ويعرف الطريق لقيادة المنتخب الإسباني ويدرك جيدًا الفارق بين الطريقين.

راموس الذكي: لأن ذاكرة الجماهير قصيرة

يقولون «إن أحد أفضل الطرق لكي تتجنب الحديث في أمر ما هو خلق حديث آخر موازٍ أكثر متعة». يدرك راموس هذا جيدًا، ووفقًا لتلك القاعدة يتعامل بشكل مثالي مع كل الضغوط الملقاة عليه كقائد لفريق ريال مدريد والمنتخب الإسباني.

يمتلك المدافع الإسباني عددًا لا بأس به من اللقطات السخيفة خلال تاريخه، لكن لا بأس فهو يملك الحل أيضًا عن طريق خلق لقطات أخرى أكثر سحرًا. لذا لا يحاول راموس تقليل أخطائه غير المبررة بل يمنح الجماهير لقطات أخرى تشغلهم عنه. قصة ضربة جزاء البايرن تبدو مثالية لشرح الأمر.

أصبح سيرجيو موضع سخرية العالم بعد ضربة الجزاء التي أضاعها بغرابة شديدة أمام فريق بايرن ميونخ الألماني مما تسبب في خروج الريال من سباق التشامبيونز ليج عام 2012، لكن ورغم فداحة اللقطة فهي لم تستمر في ذاكرة الجماهير أكثر من شهرين فقط.

تعمد الرجل أن يمحو تلك الذكرى للأبد من قلوب الجماهير. تدرب بشكل مكثف ويومي على تنفيذ ركلات الجزاء، لكن هذا مجرد تصحيح للخطأ، صحيح ولهذا كان هذا التدريب على نوع واحد من تسديد ركلات الجزاء، إنها «طريقة بانينكا».

شاهدت جماهير العالم أجمع راموس وهو يسجل ركلة جزاء أمام البرتغال بقميص المنتخب الإسباني على طريقة بانينكا، مهدت تلك الركلة الطريق للمنتخب الإسباني للفوز بالبطولة وأصبحت ذكرى ركلة البايرن في طي النسيان.

راموس الهداف :أنا لها

لفهم راموس ونجاحاته العديدة، ليس عليك أن تنظر بعيدًا. يعرض سيرجيو سيرته الذاتية بفخر على جسده من خلال تلك الأوشام العديدة.

توجد على مفاصل يده اليسرى الأرقام «35 و 19 و +90 »، والتي تشير على التوالي إلى القمصان التي ارتداها عندما بدأ مع إشبيلية، والرقم الذي استخدم في أول ظهور له مع إسبانيا وهدفه القاتل عندما فاز ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا العاشر.

إنه يذكّر نفسه دومًا أنه القائد وأنه يستطيع فعل ما يعجز عنه الآخرون. بنفس المنطق يتواجد راموس دومًا داخل منطقة جزاء الخصم، إنه يمتلك تلك القدرة الهائلة على إحراز الأهداف لأنه ببساطة يؤمن بنفسه بشكل لا يصدق.

يترك مكانه كمدافع ارتكاز ويتقدم للمشاركة في الهجمات، ثم يتقدم أكثر لإحراز الأهداف. يستقبل الفريق عددًا من الأهداف بسبب ذلك، لكنه يحرز في المقابل عددًا من الأهداف التي تخلده كقائد للفريق.

الوحش الذي صنعه ريال مدريد

حسنًا، يتبقى لنا الجزء الأخير من القصة. تناسبت شخصية راموس تمامًا مع شخصية ريال مدريد في كثير من الأحيان. حافظ سيرجيو لريال مدريد على بعض من رونقه خلال عدد من السنوات، وفي المقابل أعطى ريال مدريد لقائده حصانة أمام الجميع بكل لقطات العنف المعتادة له. لماذا لا يجدد راموس تعاقده مع مدريد إذن؟

القصة ببساطة أن راموس يؤمن أنه الرجل الأهم في الريال وليس مجرد مدافع يكبر في السن كما يظن بيريز رئيس النادي. يريد سيرجيو البقاء وكذلك بيريز، لكن الأزمة تكمن في تقييم راموس لنفسه وتقييم بيريز له.

يريد قائد العاصمة البقاء بها لما تبقى من حياته المهنية ويسعى للحصول على عرض لمدة عامين بنفس الراتب الذي يتقاضاه حاليًا وهو 12 مليون يورو سنويًا.

لكن بيريز يرى أن راموس عليه تقليل راتبه إذا ما أراد البقاء، وهو ما لا يقبله الأخير خاصة بعد أن جدد المدافع «داني كارفاخال» عقده بزيادة من 4.5 مليون إلى 8 ملايين يورو وكذلك الحال مع الألماني «توني كروس».

ماذا سيفعل راموس؟ وكيف هو المشهد الأخير من الرواية؟ ربما هو الآن داخل حوض السباحة الخاص به بملامح غاضبة ينوي أن يدمر العالم بأكمله.