الكلام أساس الاتصال الشفهي بين الناس، ومهارة الكلام هي القدرة العالية على التحدث، والحوار، والتعبير، والإقناع، حيث يلجأ إليها الإنسان منذ الأزل للتعبير عن نفسه وحاجياته، وهي مهارة كغيرها من المهارات يتوجب علينا دراستها وصقلها، ولا نعتمد فقط على ما اكتسبناه من خبرات من تجارب ومواقف؛ لأنها تفقد قيمتها بغياب العلم والإلمام المسبق لها.

ما نود تغطيته هو جزء طفيف من هذا العلم الواسع، وهو الأخطاء الشائعة التي نقع فيها أثناء حديثنا مع الآخرين، والتي من الممكن أن تكون غير مقصودة، لكن أثرها السلبي كبير على الطرف الآخر، فتلكم سبعة أخطاء عليك تجنبها أثناء التحدث مع الآخرين.


1. النميمة

النميمة هي التحدث بسلبية عن شخصٍ في غيابه؛ لغرض الإفساد بين الطرفين، وآثارها عظيمة برغم تحقيرنا إياها، فكما أن قطراتٍ من الحمض يمكن أن تفسد كميات كبيرة من الحليب، ونقاطًا من النفط يمكن أن تفسد أفضل أنواع الأغذية، كذلك النميمة بإمكانها إفساد مجتمعٍ بأكمله.

الدين حذرنا من النميمة وعواقبها، ففي القرآن الكريم : «وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ»، وعلى لسان سيدنا محمد: «لا يدْخُلُ الجنَّة نمامٌ». ومن قصص القدامى حينما غضب أعرابيٌّ من أعرابيٍّ، فسأله: ما أغضبَك مِنِّي؟ قال له: شيءٌ نقله أحد الثقاتِ عنك إليّ، فقال: لو كان ثقةً ما نمَّ!

فهذا الذي يتحدث إليك، ويمتعك بنمِّه، بعد دقائق ستكون أنت موضع نمِّه، فلا ثقة بالنمامين.


2. النرجسية

لا أعني النرجسية نفسها[1]، بل ما ينتج عنها من كثرة الحديث عن النفس، والإنجازات الشخصية وما شابه، حيث يسعى أشخاص كثر للتواصل مع الآخرين وتكوين العلاقات من أجل أهداف شخصيةٍ فقط، كالحصول على وظيفة أو جذب عملاء جدد، ولكن يخطئون في طريقة التنفيذ، لذا تجنب التطرق إلى أمورك الشخصية، وكثرة الحديث عن ذاتك خلال اللقاء الأول، وإلا تكن كالديك الذي يعتقد بأن الشمس لا تطلع إلا كي تسمع صياحه.

واحذر من (النرجسية الجماعية)، واحذر مخالطة مثل تلكم الشرائح، فيعتقد ممثلوها أنهم (شعب الله المختار)، وأن جميع أفكارها هي الحقيقة بعينها، وجميع اجتهاداتها (وحيٌ) لا جدال أو تشكيك فيه، فلا تتقبل أي نقاش أو حوار حول أي من قناعاتها أبدًا، بل تبادر دومًا إلى إسقاط أفكار وقناعات الآخرين دون أن تكلفَ نفسها حتى محاولة الاستماع إلى ما يقال، فلا تكن منهم ولا تخالطهم.


3. اللوم

لا تكثر اللوم، فكثرة اللوم تنفر منك الصديق، وتبعد عنك المحب، ولحظة كدر واحدة في عتاب تفسد عليك أخوة دهر، وتسرع في عتاب يفرق عنك أحبتك، فاجعل لومك في القضايا الكبرى، ومن حين لآخر، ولا تكثر.

وابتعد عن الجدال في عتابك؛ لأنك بجدالك قد تخسر، ولو كنت محقًا، ذلك أن المجادل بعقله الباطن يربط كرامته بأفكاره، فإذا أردت أن تنتقض أفكاره بالحجة والبرهان، يرى أنك تنتقص من كرامته، فيزداد بها تشبثًا[2]، ولا تخلط المجادلة بالحوار، فالحوار تسوده المحبة والتفاهم، يسوده التواصل، تسوده رغبةٌ في معرفة الحقيقة، أما الجدال يسوده الكبر والاستعلاء، يسوده رغبة في تحطيم الآخرين، فلا تجادل، لكن ألقِ كلماتك الرقيقة العاتبة بأرقى أسلوب، فلعل قلب المخطئ يلين.


4. السلبية

كثرة الحديث عن أمور مزعجة أو سلبية، كالمعاناة في العمل، أو ظروف الحياة الصعبة، أو حتى عدم الأداء الجيد في الاختبارات، أمر خطير، من الوارد أن تلفت الأنظار لبعض الوقت، لكنها ستمتص الطاقات الإيجابية ممن يستمع لاحقًا؛ لتدفعه إلى الرغبة في عدم استكمال الحديث. ففي أغلب الأوقات تحدث بصورة إيجابية، وخاصة إن كان اللقاء الأول بينكما، ولا تكثر من الشكوى والامتعاض، فيصعب الاستماع إليك.


5. كثرة الأسئلة

الشخص الذي يسأل كثيرًا إما أن يظهر بصورة المحقق الذي يستجوب المتهمين، وبالتالي الحكم عليهم وتقييمهم، وهذا غير مرغوبٍ؛ لأننا لا نستمع إلى شخص حينما نعرف أنه يقيِّمنا، أو في صورة شخص سطحي لا يملك المعلومات، وأنا هنا لا أقلل من أهمية طرح الأسئلة والاستفسار، لكن كلٌ بحدود، فلا تطرح أسئلةً كثيرةً، أو تفنن في طريقة عرضها، كمزج طريقة التساؤل بأسلوب التقرير، أو بالتأكد من المعلومة عبر ذكرها في البداية[3].


6. الطريقة أو الأسلوب

كم من حوار باء بالفشل بسبب طريقة العرض وطريقة إدارته. يؤكد علماء النفس أن ما يهم المستمع حقًا ليس ما يقال، بل كيف يقال، لذا واجب عليك تعلم «لغة الجسد – Body Language»، ومتى تحرك اليدين هكذا، وتغير نبرة صوتك حتى لا يشعر المستمع بالملل، ويُنصح دائمًا بالانتباه لعدم التحدث سريعًا كما يحدث أثناء رواية قصة مثيرة مثلًا، ويجب أن يكون صوتك واضحًا مسموعًا، ليس بالحاد المرتفع المزعج، ولا بالمنخفص الذي يتطلب جهدًا كي يُسمع.

ولا تنسى السكوت بين الحين والآخر، وتجنب زخرفة الأمور والمبالغة، فالمبالغة تحط من اللغة، ونظرًا لأنها مبالغة فهي بالطبع كذب، والنفس البشرية بطبيعتها تبغض الكذب.


7. المنتصر

يعاني الكثير من محاولة إظهار أنفسهم دائمًا برداء الحكمة، وبصورة الأشخاص الذين لا يخطئون أبدًا في أي شيء مهما كان بسيطًا، مما يجعلهم يسعون لإثبات ذلك أثناء حديثهم في كل لحظة، فينخرطون في مجادلات طويلة ليس لها معنى؛ أملًا في إثارة إعجاب الجميع، وهو الأمر الذي لا يتحقق بالطبع، بل يحدث عكسه تمامًا للأسف.

احذر الخلط بين الحقائق ووجهات النظر، فرأيك ليس بالضرورة الصواب، فلا تقصف أحدًا بآرائك كما لو كانت حقائق.

وتذكّر دائمًا أن خير الكلام ما قل ودل، وأن طريقة كلامك تعبر عن مدى ثقافتك، وبالتالي تعبر عن شخصيتك، فإذا أردت أن تكون شخصًا مهمًا، عليك أن تكون مهتمًا أيضًا، وكلامك على قدر أهميتك، واحرص على الإنصات الجيد أكثر من التحدث، ولا تحاول خطف الأضواء ومحاولة الهيمنة على النقاش، فاترك ساحة النقاش مفتوحة للطرفين، كلٌ يعبر عن آرائه بحرية تامة ودون تكلف، تضمن نقاشًا بناءً ذا فائدة وقيمة.


الهوامش:[1]: لفظ النرجسية وحده لا يعني الاضطراب والمرض، قليل من النرجسية الصحية لا مانع فيه، وهذا ليس في مجال حديثنا الآن.[2]: «الصديق المرهق كثير المعاتبة، كثير اللوم، يريد تفسيرًا لما لا يُفسَّر، يريد أن يفهم كل شيء». «مريد البرغوثي».[3]: «سمعت أنك لا تحب القراءة، هل هذا معقول؟»

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.