في قلب التوترات الإقليمية والدولية تقف قوات الشبك على الخطوط الأمامية للمواجهة، وتعمل كرأس حربة لإيران في محافظة نينوى كما أظهرت الأحداث الأخيرة، إذ تحولت المناطق القريبة من سهل نينوى الذي تسيطر عليه الميليشيا إلى منصة للهجوم على المواقع الأمريكية والتركية في الشمال العراقي.

على تخوم كردستان

تأسس «اللواء 30» المعروف باسم «لواء الشبك» على أيدي عناصر منظمة بدر – أحد أكبر ميليشيات الحشد الشعبي الموالي لإيران – وأعلن رسميًّا عن تأسيسه في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ليضم ما يقرب من 500 مقاتل، شاركوا في عمليات عسكرية ضد تنظيم داعش. وبعد دخول قوات الحشد الشعبي نينوى في عام 2017، بدأ اللواء في تجنيد أبناء الطائفة الشبكية في صفوفه ليتضخم عدده بعد ذلك.

ويبسط هذا الفصيل سيطرته على الطريق الرئيسي الذي يربط بين الموصل، عاصمة محافظة نينوى، وأربيل، عاصمة إقليم كردستان، مما يوفر له مصدرًا مربحًا للدخل عبر فرض الإتاوات لدى المرور بنقاط التفتيش التابعة له على الطريق، ولم ينجح رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي في إخلاء المنطقة منهم رغم أوامره بذلك في آب / أغسطس 2018، وكان الفشل أيضًا مصير محاولات رئيس الوزراء التالي، عادل عبد المهدي، الذي وجَّه بإنهاء العمليات الأمنية والأنشطة الاقتصادية غير المصرح بها لميليشيات الحشد الشعبي في الموصل وسهل نينوى عام 2019، واستمرت القوات في نفس المنطقة في ظل رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي.

وخلال الأشهر الماضية تعرض إقليم كردستان العراق لهجمات صاروخية أو بالقذائف أو بالطائرات المسيرة من جهة سهل نينوى. جرت العادة أن تتهم حكومة الإقليم ميليشيات الحشد التي يمثلها اللواء 30 في تلك المنطقة بالمسئولية عن الهجمات، بينما تنكر الأخيرة أي صلة لها بالأحداث وتتذرع بحجج شتى، كأن تدعي أن المهاجمين انطلقوا من المناطق المتاخمة لهم التي تفصلهم عن الإقليم الكردي، وتسمى «الأرض الحرام»، أو يتم الدفع بمنظمة وهمية تطلق على نفسها اسم «السابقون» لتعلن مسئوليتها عن الهجوم بشكل غامض، على عادة قوات الحشد الشعبي في التبرؤ من بعض الهجمات، لكن تلك المحاولات لا تنجح في إقناع الأكراد، ويتبادل الطرفان الاتهامات بالمسئولية عن الهجمات والهجمات المضادة.

ويعد المطار الدولي في أربيل عاصمة إقليم كردستان، أبرز أهداف تلك الهجمات إذ تستخدم القوات الأمريكية وقوات التحالف هذا المطار وتعسكر بقربه، كما يتعرض الوجود العسكري التركي لهجمات مماثلة. وتعد القاعدة التركية في منطقة بعشيقة بالقرب من الموصل أبرز وجهة لتلك الهجمات، إذ تتنافس أنقرة وطهران على النفوذ في نينوى، كما ينفذ الجيش التركي عمليتين عسكريتين هما «مخلب البرق» و«الصاعقة» شمالي العراق.

وفي منتصف أبريل/نيسان الماضي، تعرض مطار أربيل وقاعدة بعشيقة لهجمات أدت إلى مقتل جندي تركي ومتعاقدَين مع الأمريكيين في نفس اليوم.

وتعسكر ميليشيا الشبك في قلب هذا المكان المحوري الذي يعد نقطة تماس ساخنة بين العراق وتركيا وكردستان، وإيران، والولايات المتحدة، وتبسط الميليشيا قبضتها على سهل نينوى وتعد الحاكم الفعلي هناك بحيث لا يستطيع السكان بناء أي شيء أو التصرف بأي أرض دون إذن من مسلحي الشبك، الذين يديرون سجونًا خاصة بهم ومراكز تعذيب، وتتهمهم العشائر العربية بارتكاب جرائم حرب مروعة ضد أبنائهم.

كما تضم تلك المنطقة أكبر تشكيلة من العرقيات والمذاهب المختلفة من عرب وأكراد وتركمان وأشوريين وكاكائيين وشبك وإيزيديين وشيعة وسنة من مختلف المذاهب الفقهية، وهي أيضًا معقل المسيحيين في العراق.

القومية الشبكية

ساعدت حقيقة أن أغلب الشبك ينتمون إلى الشيعة على تجنيدهم في إطار المنظومة الإيرانية عبر تأسيس تلك الميليشيات وإقامة مدارس ومراكز دينية في قراهم، رغم الاختلافات الدينية بين النظام الإيراني وشيعة الشبك، إذ تأثرت الأخيرة بالطريقة الصوفية البكتاشية، مع وجود بعض السنة بينهم.

وتعيش الأقلية الشبكية على أطراف محافظة نينوى شمالي العراق، ويتوزعون على أكثر من ستين قرية، ويُقدَّر عددهم بمئات الآلاف، ويتحدثون لهجة الماجو الكورانية، إحدى لهجات اللغة الكردية.

اختلف الباحثون في سبب إطلاق هذه التسمية عليهم، فالبعض يقول إن اسم الشبك جاء بسبب تشابك المعتقدات لدى الطائفة وتأثرها بمذاهب شتى، أو تشابك الأنساب وانقسامهم إلى عدة عشائر تشابكت وتجمعت بعضها مع بعض، والبعض ينسبهم إلى قائد قديم اسمه «شاه به ك»، وهناك روايات تقول إن الكلمة مكونة من كلمة «شاه» الفارسية، و«بيك» التركية، نسبة لاتفاق خاص بالمنطقة وُقع بين الـ «شاه» الفارسي والـ «بيك» التركي، أو أن الكلمتين كونتا مصطلح «شاه بكلر» أي سيد الملوك ثم تحورت إلى «شبك»، وقيل غير ذلك.

وتُوصم تلك الأقلية بأنها من بقايا الغزاة الصفويين الذين جاءُوا من إيران وحاصروا الموصل تحت قيادة نادر شاه الأفشاري الذي صار بعد ذلك حاكمًا لإيران، وبغض النظر عن مدى قوة تلك الأسانيد التاريخية فإن هذا الأمر كان مدخلًا مهمًّا للتقارب مع إيران وصرف ولائهم إليها، وتكوين حاجز نفسي قوي بينهم وبين العراقيين، فقد ظلت مسألة الأصل العرقي للشبك محل نزاع طيلة العقود الماضية، فتم تصنيف بعضهم كعرب في فترة صعود القومية العربية في القرن الماضي، وخلال الحرب العراقية الإيرانية كانوا محل شك بسبب أصولهم تلك، وتم ترحيلهم من ديارهم إلى منطقة سهل حرير عام 1988، وبعد عامين سُمح لهم بالعودة، ففي ظل حكم البعث اتبع العراق سياسة تجانس قومي وكانت الانتماءات غير العربية أحيانًا كثيرة تهمه في حد ذاتها.

وبعد نشوء إقليم كردستان بعد الغزو الأمريكي تم الاعتراف بالشبك كأكراد أصلاء، لكن الفئات الأكثر قربًا لإيران منهم تتنكر للانتماء الكردي تمامًا وتنادي باعتبار القومية الشبكية انتماءً مستقلًّا، وفي الثاني عشر من أبريل/ نيسان الماضي احتفلت الأقلية لأول مرة بيوم الثقافة الشبكية، في مسعى لترسيخ هوية متمايزة مبنية على العقيدة، فهم يعيشون في منطقة تفصل بين العرب والأكراد ويتبعون مذهبًا دينيًّا مخالفًا لكل جيرانهم في السهل.