تشهد الأراضي الفلسطينية منذ مطلع العام الحالي (2021) اشتداد أعمال العنف من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهو امتداد لحالة العنف التي شهدها العام السابق، ففي عام 2020 زادت قوات الاحتلال من إجراءاتها التعسفية ضد الفلسطينيين في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد.

حيث فرضت العديد من القوانين للتمييز ضد الفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكمها في الأراضي المحتلة، كما مارست المزيد من عمليات هدم المنازل وفرض إجراءات قسرية أخرى، تسبّبت بنزوح مئات الفلسطينيين عن الأراضي المحتلة والضفة الغربية. وفي سبيل تنفيذ مخططاتها استخدمت قوات الاحتلال القوة المفرطة، كما أبقت على حصارها غير القانوني لقطاع غزة، مُعرّضةً سكّانه لعقاب جماعي، ومُفاقِمةً بذلك الأزمة الإنسانية هناك، هذا إلى جانب تقييد حرية التنقل؛ من خلال نقاط التفتيش المتعددة وحواجز الطرق.

كل هذه الإجراءات وأكثر ضيّقت الخناق على الفلسطينيين حتى مطلع 2021، حيث توسعت قوات الاحتلال –مُجددًا- في عمليات الاستيطان وأعمال العنف، وخلال شهر رمضان تسارعت وتيرة التصعيدات، في ظل محاولة قوات الاحتلال تهجير عدد من الأسر الفلسطينية من بيوتهم في حي الشيخ جرّاح، وانتهاك حرمة المسجد الأقصى.

تصاعد القمع في 2020

تنوعت أساليب القمع من قبل قوات الاحتلال خلال عام 2020، فللعام الـ 13 على التوالي فرضت على سكان قطاع غزة قيودًا على حرية التنقل والحركة، وقيودًا على دخول وخروج البضائع. فأكثر من مليونَيْ فلسطيني يعيشون في القطاع فُرض عليهم العزلة، ذلك إلى جانب تقييد حصولهم على الكهرباء والماء، مما أثّر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي لسكان القطاع، فصار أكثر من 80% من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الإنسانية، وفقًا لتقرير منظمة «هيومن رايتس وواتش».

كما أمعنت قوات الاحتلال في استخدام القوة المفرطة خلال عمليات إنفاذ القانون، من عمليات التفتيش وإلقاء القبض وعند الحفاظ على الأمن خلال المظاهرات. فخلال عام 2020، رصدت «منظمة العفو الدولية» 31 حالة قتل لفلسطينيين، من ضمنهم 9 أطفال، وذلك في قطاع غزة والضفة الغربية. قُتل العديد منهم بصورة غير مشروعة بالذخيرة الحية أو غيرها من ضروب القوة المفرطة، في حين لم يُشكِّلوا أي تهديد وشيك على حياة أحد، وهو ما يعد جرائم حرب. كما استخدمت قوات الاحتلال القوى المفرطة في تفرقة الاحتجاجات والمتظاهرين، وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية أُصيب 214 محتجًا وشخصًا من المارة خلال عام 2020. كما فتحت القوات الإٍسرائيلية النار -بصورة متكررة- على الصيادين والمزارعين في غزة. وبحسب «مركز الميزان لحقوق الإنسان» أُصيب 12 صيادًا و5 مزارعين بجروح.

وواصلت قوات الاحتلال القبض التعسفي على الفلسطينيين؛ فخلال عام 2020 نفّذت السلطات الإسرائيلية مئات المداهمات في كافة أنحاء الضفة الغربية ليلاً، واحتُجز آلاف الفلسطينيين الآخرين من الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستخدمت السلطات الإسرائيلية أوامر الاعتقال الإداري القابلة للتجديد لاحتجاز الفلسطينيين بدون تهمة أو محاكمة.

وبحلول ديسمبر/كانون الأول 2020 اُحتجز أكثر من 4300 فلسطيني وفقًا لمصلحة السجون الإسرائيلية. ولم يُسمح للعديد من عائلات المعتقلين الفلسطينيين، وبخاصة تلك التي تعيش في غزة، بزيارة أقربائهم. وأيضًا احتجزت سلطات الاحتلال أكثر من 157 طفلاً فلسطينيًا حتى أكتوبر/تشرين الأول 2020، ووفقًا لـ «الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فرع فلسطين»، فإن الأطفال خضعوا للاستجواب بدون حضور أهاليهم، وأُودعوا في السجن مع البالغين.

كما توسعت قوات الاحتلال في بناء المستوطنات عن طريق ضم أراضٍ فلسطينية، ففي يونيو/حزيران 2020 ألغت المحكمة العليا الإسرائيلية قانونًا يسمح للسلطات أن تصادر الأراضي التي أقيمت عليها المستوطنات، والتي تعترف إسرائيل بأنها ملكية خاصة لفلسطينيين، ولم يمنع ذلك قوات الاحتلال من مصادرة الأراضي، حيث أمرت محاكم القدس في قضايا عدة بإجلاء عائلات فلسطينية من منازلهم التي عاشوا فيها لعقود في حي سلوان بالقدس الشرقية، والتي تستند إلى حد كبير إلى قوانين تمييزية تدعي أن الأرض كانت لملّاك يهود قبل عام 1948 أو تسمح للدولة بالاستيلاء على الأرض كممتلكات غائبين.

ومع انتشار فيروس كورونا في كافة انحاء العالم وامتداده إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، شدّدت قوات الاحتلال من فرض القيود والعزلة على الفلسطينيين في قطاع غزة والقدس، حيث استمرت قوات الاحتلال في محاصرة ومطاردة الصيادين، واستمرت عمليات إطلاق النار والتوغلات وعمليات الاقتحام اليومية، كما فرضت السلطات الإسرائيلية إغلاقًا بحريًا تامًا، كما عرقلت قوات الاحتلال عمل المراكز الصحية والكشف على الفلسطينيين.

انتهاكات متواصلة في 2021

منذ بدايات عام 2021 وتحاول قوات الاحتلال الإسرائيلي تضييق الخناق أكثر فأكثر على الشعب الفلسطيني، فأقرت مؤسسات دولة الاحتلال خططًا لبناء أكثر من 3100 وحدة سكنية استيطانية جديدة في القدس والضفة خلال شهر يناير/كانون الثاني.

وتصاعدت كذلك الهجمات الإرهابية التي يقوم بها المستوطنون الإسرائيليون ضد المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم ومزارعهم، والتي وصلت إلى 124 هجومًا خلال يناير/كانون الثاني، وفي فبراير/شباط وصل عددهم إلى 73 حالة، أمّا في مارس/أذار وصلت عدد حالات إرهاب الفلسطينيين إلى 61 حالة، كما وصلت حالات اقتحام التجمعات السكنية الفلسطينية ومداهمتها شهد يناير/كانون الأول إلى 433 حالة، وفي فبراير/شباط قلّت عدد الحالات لتصل إلى 369 حالة، ثم عاودت الارتفاع مرة أخرى خلال مارس/ أذار لتصل إلى 415 حالة.

وشهدت الأراضي الزراعية والصناعية المملوكة للفلسطينيين صورًا كثيرة من التعديات، ففي يناير/كانون الثاني هُدِمت 43 منشأة صناعية وزراعية، واستولت قوات الاحتلال على نحو 1100 دونم، واُقتلِعت آلاف الأشجار الفلسطينية، وجُرِّف نحو 350 دونم، وفي فبراير/شباط هُدِمت 131 منشأة زراعية وصناعية وتجارية، واستولت قوات الاحتلال على نحو 212 دونم، وتم اقتلاع نحو 400 شجرة، وجُرِّف نحو 300 دونم، وخلال مارس/ أذار تم مصادرة نحو 820 دونم، وتجريف نحو 105 دونم، واقتلاع ما يقرب من 175 شجرة، وهدم 37 منشأة زراعية وصناعية وتجارية.

وتزايدت أعمال العنف تجاه المقاومة الفلسطينية، فاُعتقل نحو 461 فلسطينيًا واُستشهد 5، ووقع أكثر من 95 جريحًا خلال يناير/ كانون الثاني، وفي فبراير/شباط اعتقلت قوات الاحتلال نحو 441 فلسطينيًا واستشهد نحو 4، في حين وقع 62 جريحًا، وتم بناء 307 حاجز عسكري مفاجئ. ثم ارتفع عدد المعتقلين مرة أخرى خلال مارس/أذار ليصل إلى 463 معتقلاً و75 جريحًا، وشهيد واحد، في حين اُحتجز 58 مواطنًا، ووُضع 307 حاجز عسكري مفاجئ.

على أعتاب انتفاضة فلسطينية ثالثة

مع حلول شهر إبريل/نيسان والذي تزامن مع شهر رمضان الكريم، منعت قوات الاحتلال الفلسطينيين من الدخول من باب العامود، ووضعت الحواجز الأمنية. ومن المتعارف عليه والمعتاد في مثل هذا التوقيت من العام ممارسة الفلسطينيين للطقوس الرمضانية في باحة باب العامود والاحتفالات بالليالي الرمضانية.

وباتت شرطة الاحتلال تجبر الفلسطينيين -بالقوة- على مغادرة الساحة والمدرج المؤدي إلى الباب الأكثر شهرة، والمؤدي إلى البلدة القديمة. وفي 13 إبريل/نيسان اعتدت قوات الاحتلال الإسرائيلي على الشبان الخارجين من المسجد الأقصى عقب صلاة التراويح، لدى وصولهم إلى باب العامود، واشتدت الاشتباكات بين الشباب الفلسطيني وقوات الاحتلال الإسرائيلي خلال أسبوعين، تضامنت كل المقاومة الفلسطينية مع الثائرين والمرابطين في القدس فقامت المدن الفلسطينية بالتظاهر والاحتجاج واشتبكت مع قوات الاحتلال.

في حين قامت غزة بإطلاق 15 صاروخًا تجاه الجنوب الإسرائيلي وفقًا لجيش الاحتلال، وردّت قوات الاحتلال بغارات جوية وعسكرية على قطاع غزة. وأعلنت قوات الاحتلال في 26 إبريل/نيسان إزالة الحواجز الحديدية من منطقة باب العامود في مدينة القدس، واعتبرت الشباب والفصائل الفلسطينية هذه الخطوة انتصارًا كبيرًا.

تجددت الاشتباكات مرة أخرى في نهاية شهر إبريل/نيسان على إثر قرارات قضائية إسرائيلية بإخلاء بيوت من حي «الشيخ جرّاح» من سكانها الفلسطينيين لصالح جمعيات استيطانية إسرائيلية. وتعود أهمية منطقة «الشيخ جرّاح» إلى أنها تفصل منطقة جنوب القدس على شمالها، فللوصول من منطقة سلوان والطور إلى منطقة شعفاط لابد من المرور على «الشيخ جرّاح»، فهي قلب القدس كما يسميها بعض الشباب الفلسطيني، ويعود تاريخ العائلات التي تقطن منطقة الشيخ جراح إلى عام 1956، فبعد النكبة تم تهجير 28 أسرة من بيوتهم، وتم الاتفاق بين المملكة الأردنية ووكالة اللاجئين على تمليك منطقة الشيخ جرّاح لهذه الأسر، على أن يتم تسليم عقود الملكية بعد 3 سنوات، ولم يتم تسليم هذه العقود، وبعد نكسة 1967 حاولت القوات المحتلة إثبات أحقيتهم بهذه الأراضي وأن الأسر الفلسطينية مستولية عليهم، وفي عام 2008 صدر قرار من محكمة إسرائيلية بتقسيم منزل أحد الأسر بالتساوي مع عائلة إسرائيلية.

وفي عام 2021 يُنتظَر قرار المحكمة الإسرائيلية بطرد الأسر الفلسطينية وإعادة تسكين أسر يهودية في تلك المنطقة، وفي 5 مايو/أيار قام أكثر من 100 شخص في حي الشيخ جرّاح بالاحتجاج على قرار قوات الأمن، فاعتقلت الشرطة الإسرائيلية خمسة فلسطينيين، وسجّلت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني 10 إصابات.

ثم تجددت الاحتجاجات من جديد، وفي 7 مايو/أيار تجمع الكثير من الفلسطينيين في باحة المسجد الأقصى عقب صلاة الجمعة للاحتجاج على عمليات الإجلاء في الشيخ جرّاح. واقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي ساحات المسجد الأقصى، مما أدى إلى غضب الكثير من الفلسطينيين، فاجتاحت الاحتجاجات كافة أرجاء الأراضي الفلسطينية.

وأرجعت قوات الاحتلال سبب اقتحام المسجد الأقصى إلى تحصّن آلاف الفلسطينيين في المبنى خلال الليل، مع كميات من الحجارة والزجاجات الحارقة لمواجهة مسيرة القوميين اليهود احتفالاً بذكرى احتلالهم للقدس عام 1967، فتلقى الجنود تعليمات باقتحام المسجد لإخراج المعتصمين. وبدأ آلاف الفلسطينيين في التوافد إلى المسجد الأقصى تحت شعار مرابطون لنصرة الأقصى، واستخدم الشباب وسائل التواصل الاجتماعي لنقل تفاصيل المشهد الفلسطيني إلى العالم، ووصف بطش الجنود الإسرائيليين بالمصلين العزل أثناء قيامهم بالشعائر الدينية (صلاة الترويح)، ومدى الترعيب والعدوان الذي يقع على الفلسطينيين.

حيث تم تدشين هاشتاج أنقذوا حي الشيخ جرّاح Save Shikhjarrh Neighborhood، وتصدر الهاشتاج مواقع التواصل الاجتماعي، مع نشر صور للاقتحام المتكرر من قبل قوات الاحتلال للمسجد الأقصى واعتقال الكثير من الشباب الفلسطيني، بالتزامن مع تمكينه للمستوطنين من دخول حي الشيخ جرّاح بالقدس المحتلة. وقد اتخذت قضية حي الشيخ جرّاح منحنى عالميًا مع مشاركة عدد من المشاهير والفنانين وأعلام الكرة العالميين تأييد حق الفلسطينيين في أرضهم.

ملاحظات ختامية

تصعيد قوات الاحتلال:

ردًا على الاحتجاجات في كافة المدن المحتلة وانضمام قطاع غزة للاحتجاجات ضد تهجير أسر حي الشيخ جرّاح، شنت إسرائيل غارات جوية على قطاع غزة وزادت من وتيرة العنف تجاه المقدسيين.

نجاحات ملموسة للمقاومة:

عقب شن القوات الإسرائيلية غارات على قطاع غزة والتي أسفرت عن ضرب أكثر من 130 موقعًا لحركة حماس واستشهاد 15 من قادة الحركة، توعدت المقاومة الفلسطينية بالرد على إسرائيل، فأطلقت أكثر من 200 صاروخ تقريبًا تجاه تل أبيب خلال يوم 11 مايو/أيار، وقد أسفرت تلك الضربة عن خروج مطار بن غوريون عن العمل، وتعرض خط أنابيب للوقود بين مدينتي إيلات للإصابة.

انتقال الاشتباكات والاحتجاجات إلى الداخل:

تواكب مع ذلك المشهد خروج احتجاجات الفلسطينيين في الداخل المحتل، والتي بدأت منذ مساء يوم 11 من مايو/أيار، ففي «اللد» تم إحراق عشرات السيارات، ووقعت اشتباكات عنيفة بين قوات الاحتلال والفلسطينيين، وأعلن رئيس بلدية اللد في مساء 11 مايو/أيار عن خروج بلدية اللد عن السيطرة، وهروب مئات المستوطنين اليهود خوفًا على حياتهم.

كما انتقلت الاحتجاجات إلى مدن أخرى: سخنين، وحيفا، والنّاصرة، ورهط، والطيرة، والطيبة، وأم الفحم، ودير الأسد، والبعنة، وطمرة، وعرعرة النقب، وباقة الغربية، ومجد الكروم، ويافا، وكفر قرع، وقلنسوة، وعرعرة، والمشهد.

تحول الخطاب الإسرائيلي:

حاول نتنياهو تصوير الوضع الحالي في القدس على أنه حرب على الإرهاب، وذلك بعد التنديدات الدولية التي أدانت إسرائيل. وقد حاولت قوات الاحتلال الدفاع عن نفسها من خلال محاولتها تصوير ما يحدث على أنه «حرب على اليهود»، وأنهم –أي الإسرائيليين- يحاولون الدفاع عن أنفسهم أمام «اعتداءات» الفصائل الإسلامية الفلسطينية. ففي جميع خطابات نتنياهو يستخدم لفظ الفصائل الإسلامية لإضفاء الشرعية على ممارساتها في قطاع غزة والقدس.

ويمكن القول إن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تتوقع –في البداية- قدرة المقاومة والمدن الفلسطينية على الانتفاض في مثل هذا الوقت، خاصةً في ظل مواصلة تضييق الخناق عليهم. فقد استطاعت المقاومة الفلسطينية إثبات قدرتها على إصابة الداخل الإسرائيلي بقوة وفاعلية. كما لم تتوقع قوات الاحتلال انتفاضة فلسطينيي الداخل بمثل هذه القوة، الأمر الذي أضعف قدراتها وأجهض الكثير من تحركاتها.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.