على صدر قميص منتخب الأوروجواي وفوق شعار اتحاد اللعبة الوطني ستجد أربع نجوم كاملة. يعرف الجميع أن الأوروجواي لم تفز إلا بلقبي كأس عالم فقط فلماذا الأربع نجوم؟ ربما الإجابة ذاتها تقول لك إن كرة القدم تدين للأوروجواي بالكثير.

ذهب البحارة الإنجليز بكرة القدم إلى خليج ريو دي لا بلاتا أو نهر الفضة بالعربية والذي يطل على الأرجنتين والأوروجواي، ومن أرصفة مينائي بيونيس أيريس ومونتفيديو انتشرت كرة القدم في حواري أمريكا اللاتينية كافة وعلى طريقة اللاتينيين الخاصة.

تمر السنون لتعبر الأوروجواي حدود المكان وتذهب إلى أوروبا كأول بلد لاتيني يقدم كرة القدم في القارة العجوز خلال بطولة الأولمبياد في باريس 1924 ثم أمستردام 1928 وفازت بالبطولتين. ازدادت قيمة كرة القدم أهمية وأثبتت الأوروجواي أن كرة القدم تعدت حدود المكان خلال تلك الأولمبياد.

قرر جول ريميه الفرنسي رئيس الفيفا آنذاك أن يتخذ خطوات جدية للعب أول كأس للعالم في التاريخ. قدمت إسبانيا وإيطاليا والسويد والمجر وهولندا والأوروجواي ملفات الترشح لاستضافة هذا الكأس، فازت الأورجواي في الأخير لأنها عرضت تولي مصاريف كل البعثات وإقامتها.

فازت الأوروجواي بالبطولة الأولى 1930 ثم كررت الفوز بطولة 1950 ثم ضمت فوق صدرها نجومًا لتدل على لقبي الأولمبياد باعتراف الفيفا. لكن الأهم أننا حصلنا على كأس العالم الذي سيكون التأهل له بعد ذلك هو أمل كل منتخب يمثل الـ 210 اتحاد دولي المرشح للعب ضمن مسابقات الفيفا.

بعد انقضاء البطولة الأولى وبداية من كأس العالم 1934 لعبت المنتخبات ما يسمى بالتصفيات المؤهلة لكأس العالم، ومع كل بطولة كانت الأمور تزداد إثارة حتى أن الوصول لكأس العالم بعد ذلك سيصبح للبعض قصة درامية متكاملة الأركان، قصة درامية يشوبها الدم والجنون واللحظات الحاسمة والأجواء الاستثنائية، قد يفعل المرء أي شيء من أجل كأس العالم وهنا نبدأ قصتنا.

طبق الانتقام المثلج

لنبدأ القصة من الأحداث الأكثر حداثة، فقط لنبرهن أن جنون الوصول لكأس العالم لم يفقد بريقه أبدًا. قبل أقل من شهرين في سانت بول بولاية مينيسوتا إحدى الولايات المتحدة الأمريكية قرر المنتخب الأمريكي أن يقدم طبق الانتقام باردًا بل مثلجًا.

يلعب المنتخب الأمريكي ضمن تصفيات الاتحاد القاري كونكاكاف والذي يشكل اتحاد أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي لكرة القدم. تتميز تلك البلاد بتباين درجة الحرارة بشكل كبير، فبينما اعتاد البعض في أمريكا على الطقس البارد فبلاد مثل المكسيك تلعب كرة القدم تحت أشعة الشمس طوال العام.

هكذا قرر المنتخب الأمريكي أن ينتقم من هؤلاء في صورة المنتخب الضيف منتخب الهندوراس. أقيمت مباراة التصفيات تلك وصنفت كأبرد مباراة تصفيات كأس العالم في التاريخ. وصلت درجة الحرارة إلى الصفر خلال المباراة بينما كان عامل برودة الرياح سالب 12 درجة.

عندما نذهب إلى تلك البلدان، تكون درجة الحرارة 90 درجة والرطوبة لا تطاق ويصاب لاعبونا بالجفاف والتشنج والإرهاق الحراري، هذه هي طبيعة منافسينا.
المدير الفني للمنتخب الأمريكي برهالتر

يتحدث مراسل ذا أثليتيك جيف رويترز أنه في مثل تلك الأجواء تلغى المدارس المحلية خوفًا من إصابة الطلاب بقضمة الصقيع أثناء انتظار الحافلة أو المشي. يضيف جيف أن أكثر سكان مينيسوتا صلابة لا يتحركون في هذه الأجواء.

أما اللاعبون كانوا يركضون حتى بدون كرة في محاولة للحفاظ على أرواحهم. كان الحارس الأمريكي مات تيرنر يركض مستغًلا عدم وجود هجمات ضده حتى لا يسقط من البرد بينما لم يتمكن حارس مرمى هندوراس لويس لوبيز من استكمال المباراة حيث سقط بعد نهاية الشوط الأول بسبب الآثار السلبية للبرد وتلقى سوائل في الوريد.

فاز المنتخب الأمريكي بثلاثة أهداف ليبقى في المركز الثاني المؤهل لكأس العالم مباشرة، ربما كان تعامله مع منتخب الهندوراس الضعيف غير آدمي لكن الصعود لكأس العالم يبقى الأهم، ليلة 17 نوفمبر تؤكد ذلك.

ليلة 17 نوفمبر: كيروش الغاضب وجينولا الخائن

يقولون إنه لا يوجد ليلة في تصفيات كأس العالم مثل ليلة 17 نوفمبر من عام 1993. كانت أوروبا على صفيح ساخن، فالعديد من الفرق كانت تواجه شبح عدم التأهل إلى كأس العالم.

كانت إيطاليا مر عليها أكثر من 12 عامًا دون لعب تصفيات فهي الفائزة بلقب 86 المضيفة لكأس 90، إلا أنها كانت تحتاج الفوز بالمباراة الأخيرة ضد البرتغال وإلا ستجد نفسها خارج المسابقة.

كان فريق البرتغال يحمل أسماء مثل روي كوستا وباولو فوتري، وكان على الخط مدرب واعد اسمه كارلوس كيروش. استطاع كيروش أن يستحوذ على الكرة بشكل مخيف أمام الطليان ربما دون هجوم مباشر لكن لا مشكلة فالتعادل يصعد بالبرتغال مباشرة.

ظهرت إيطاليا في الشوط الثاني على استحياء ثم وقبل 7 دقائق فقط من نهاية المباراة استطاع دينو باجيو أن يحرز هدفًا من تسلل واضح للغاية لتصعد إيطاليا ويبقى كيروش في غضب دائم من الحكام يلاحظه عليه الجميع.

في ذات الليلة كانت القصة أكثر درامية في فرنسا. وصل المنتخب الفرنسي للمباراة الأخيرة ليواجه المنتخب البلغاري ويكفيه التعادل فقط. منح إريك كانتونا التقدم لفرنسا بعد نصف ساعة بتسديدة نموذجية لكن إميل كوستدينوف عادل النتيجة بعد ذلك بخمس دقائق. صمدت فرنسا حتى الدقيقة 90 إلى أن جاء جينولا.

ربما تعتقد أن جينولا لاعب بلغاري أحرز هدف الفوز لكن في الحقيقة أن جينولا لاعب فرنسي شارك في المباراة، تحصل على ركنية في الدقيقة 90 ولكنه قرر دون أدنى وعي أن يرسل الكرة على شكل عرضية عشوائية استقرت في أقدام لاعبي بلغاريا الذين تقدموا بهجمة مثالية انتهت بهدف الصعود.

لم يغفر المدير الفني هولييه لجينولا قط. وظل لسنوات يؤكد أنه تعرض للطعن في الظهر في أسوأ وقت ممكن.

لا يزال الحكم لديه صافرة إلى فمه عندما فاز جينولا بتلك الركلة الحرة بالقرب من علم الزاوية، لكنه بعد ذلك يذهب ويرسل عرضية ضخمة بطول 60 مترًا بدلاً من التمسك بالكرة.
المدير الفني لمنتخب فرنسا السابق هولييه

أما جينولا فقد كتب في سيرته الذاتية عام 2000 أن تلك العرضية شيء يطارده لبقية حياته وأن شخصًا أضعف كان يمكن أن يُدمر.

الإنتربول والأخضر بلومي

لم يكن الأخضر بلومي لاعبًا عاديًا أبدًا، بل كان أكثر لاعبي منتخب الجزائر تميزًا. حصل على أفضل لاعب في أفريقيا وأحرز هدف الفوز على ألمانيا في مونديال 86 لكنه خسر المباراة الفاصلة في التصفيات لكأس العالم 90 ثم اختلف كل شيء.

تُروى القصة بأكثر من شكل، لكن الثابت منها أن المنتخب الجزائري كان في حالة غضب كبيرة بعد هزيمته وفقدان فرصة الوصول لكأس العالم. اشتبك المنتخب الجزائري مع بعض المصريين داخل فندق إقامة المنتخب. هنا تتغير أحداث القصة طبقًا للراوي.

يؤمن البعض أن هذا الاشتباك تطور كثيرًا حتى أن بعض اللاعبين اقتحموا بار الفندق وقاموا بتكسير بعض الزجاجات وإلقائها على المصريين. كان أحد هؤلاء اللاعبين هو الأخضر بلومي الذي أطاح بأحد الكؤوس الزجاجية التي أصابت طبيب مصري يدعى أحمد عبد المنعم لينتهي الأمر أنه يفقد إحدى عينيه للأبد.

يؤكد بلومي في المقابل أنه لم يكن طرفًا في هذا الشجار من الأساس وأنه كان في غرفته ولا يعرف عن هذا شيئًا، لكنه كان الاسم المميز الذي تناولته الألسنة في مصر حتى استقر به الأمر مدانًا دون فعل حقيقي.

حكم على بلومي بخمس سنوات وأصبح مطلوبًا من الإنتربول ولم يغادر الجزائر طيلة 20 عامًا ثم يقرر في الأخير أن يبعث برسالة إلى الرئيس الجزائري حينئذ بوتفليقة ليطالبه بالتدخل في الأمر لتحدث مكالمات رئاسية بين الطرفين المصري والجزائري.

تحولت تلك الرسائل الرئاسية إلى رسائل بين رئيس الاتحاد الجزائري خلال ذلك الوقت محمد رواروة ونظيره المصري سمير زاهر انتهت بتأسف الطرف الجزائري والتصالح العبثي الذي لم يفهم أحد معه حقيقة الأمر أبدًا. لكن الأكيد أن مستقبل بلومي تأثر كثيرًا بما حدث وأن هناك رجلاً فقد عينه دون ذنب، لكنه كأس العالم وجنونه.