أعلنت القوات المسلحة اليمنية إسقاطها مسيرةً أمريكية في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020. الإدارة الأمريكية اعترفت رسميًّا بالحادث، وأن الطائرة المحطمة هي من طراز إم كيو-9 ريبر. ليكون هذا هو الاعتراف الثاني بمثل هذه الحادثة، ففي عام 2019 استطاع الحوثيون إسقاط طائرة من نفس الطراز، وبنفس السيناريو.

 الطائرة تنتمي لجيل المُسيَّرات التي يفتخر بها سلاح الجو الأمريكي. فهي قادرة على جمع المعلومات عبر وسائل التجسس المرفقة بها، وفي نفس الوقت قادرة على أن تكون مميتةً عبر تسليحها بأنواع عالية الدقة من الصواريخ. لكنها معروفة أيضًا بأنها ذراع الولايات المتحدة في مختلف المناطق، لذا يجري استهدافها كثيرًا.

ففي مارس/ آذار 2023 قامت الولايات المتحدة بالإسقاط العمدي للمقاتلة في المياه الدولية فوق البحر الأسود حين اعترضت مقاتلتان روسيتان من طراز سو-27 طريقها. وقامت الطائرات الروسية بإلقاء الوقود على سطح المسيَّرة، واحتكا بها أكثر من مرة. كذلك سقطت طائرة من نفس الطراز، إم كيو-9، فوق ليبيا عام 2022. وفي نفس العام سقطت طائرة في عملية تدريبية في رومانيا.

الطائرة معروفة في الأوساط العسكرية باسم الصياد القاتل، أو الطائرة الحصادة، لشدة فتكها ودقة إصابتها. يكفي لتوضيح ذلك أن نقول إنها الطائرة المستخدمة في اغتيال مصطفى أبو اليزيد، القيادي المعروف في تنظيم القاعدة. كما أن اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، جرى عبر صاروخ عالي الدقة انطلق من تلك المسيَّرة.

النوع الأول من تلك الطائرة صدر عام 2000 عن شركة جينرال أوتوميكس باسم إم كيو-1. لكن تلاحق التطوير والتسليح حتى عرف العالم الجيل التاسع، الحالي، من تلك الطائرة بمحرك قدرته 900 حصان. وقدمتها الولايات المتحدة للعالم كسرب مقاتل تحت اسم سرب 42 الهجومي. وتستقر الطائرات في قاعدة كريخ في نيفادا. وتمتلك الولايات المتحدة منها حاليًّا قرابة 25 طائرة فقط، وتنوي وزارة الدفاع زيادتها إلى 90 طائرة خلال الأعوام القادمة.

يبلغ وزن الطائرة الواحدة 5 أطنان، وتستطيع حمل صواريخ موجهة أو قنابل حتى طُنَّين. وتُحلق على ارتفاعات شاهقة تصل في أقصى مداها إلى 3000 كيلومتر. وتصل سرعتها إلى 370 كيلومترًا في الساعة. ويبلغ طول جناحيها 20 مترًا، وتستطيع إطلاق 6 صواريخ دفعة واحدة بدقة عالية. وارتفاعها قرابة 4 أمتار.

الطائرة كانت تُعرف سابقًا باسم الطائرة المفترسة، بريديتور بي، لكن حين زادت شراستها تم تسميتها بالطائرة الحصادة، لتكون بذلك طائرة مستقلة عن طراز بريدتور من المسيَّرات. وتستطيع الطائرة الجديدة التنصت على كافة الإشارات اللاسلكية أو الإلكترونية الصادرة في منطقة طيرانها. ويومًا بعد الآخر تتم إضافة ميزات إضافية في كل طائرة حتى صارت تكلفة الطائرة الواحدة قرابة 30 مليون دولار أمريكي. وصارت تستطيع قراءة لوحة سيارة متحركة تبعد عن الطائرة بقرابة 3 كيلومترات.

لكن رغم كل تلك التكنولوجيا استطاع الحوثيون باستخدام صاروخ أرض جو إسقاط الطائرة. لا تبدو الولايات المتحدة مكترثةً للقيمة المادية التي خسرتها بسبب إسقاط الطائرة، قدر اكتراثها بما يحمله ذلك من رسالة رمزية واضحة. فقد أعلن الحوثيون دخولهم على خط الصراع بين إسرائيل وقطاع غزة. وأطلقوا عددًا من المسيَّرات والصواريخ صوب تل أبيب.

يقول الحوثيون إنهم يفعلون ذلك دفعًا للمظلومية التاريخية للشعب الفلسطيني. ويقول بعض المحللين إن الحوثي يفعل ذلك رغبةً في جمع الشعب اليمني خلفه وتوحيده في سبيل هدف قومي بعيدًا عن الانقسامات السياسية الداخلية. ويقول آخرون إنه يفعل ذلك لأجل إحراج الدول العربية والخليجية التي طبَّعت علاقتها مع إسرائيل مثل البحرين والسعودية، وأنه بذلك يبرر استهدافه لهم لاحقًا. لكن أيًّا كانت الدوافع وراء التهديد الحوثي فالنتيجة واحدة، فتح جبهة جديدة للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة.

كان رد الفعل الأمريكي والإسرائيلي هادئًا أمام هذا التهديد. فبعد المسافة بين اليمن وتل أبيب يجعل أي صاروخ أو مسيَّرة يخرج من اليمن هو صيد سهل لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي، وقبلها الأمريكية الموجودة في البحر. بالتالي لم تصل أي من صواريخ الحوثي إلى تل أبيب. لكن هذه المرة كانت الصفعة قوية وحقيقية، وكانت رسالة الحوثيين أشد إيلامًا. فإذا كانت الصواريخ لا تستطيع الوصول لتل أبيب، وإذا كانت مسيَّراتنا لا تستطيع إصابة أهداف في العمق الإسرائيلي، فإن صواريخ الحوثي قادرة على تدمير أهداف أمريكية بشكل مباشر.

الهجوم الأخير من شأنه أن يغيِّر النظرة الأمريكية لاحتمالية التصعيد الإقليمي، فقد ركنت الولايات المتحدة إلى حاملات طائراتها وقواعدها العسكرية بأنها كافية للردع العسكري ومنع نشوب حرب إقليمية. لكن بات واضحًا عبر إسقاط تلك المسيرة أن الولايات المتحدة سوف تدفع ثمن منحها غطاءً سياسيًّا وإعلاميًّا للمجازر الإسرائيلية في حق مدنيي غزة. وأن السبيل الوحيد لمنع نشوب حرب إقليمية هو معالجة جذورها وأسبابها الحقيقية، بكبح جماح الإدارة الإسرائيلية المتعطشة للانتقام.