صدّقت الحكومة الإسرائيلية على قرار يقضي بتفويض بتسلئيل سموتريتش ليكون المسؤول عن قرار تخطيط وبناء المستوطنات، كما شمل قرار الحكومة تقصير الإجراءات اللازمة لتوسيع المستوطنات القائمة بالفعل، هذا القرار يعني أن مخططات بناء المستوطنات لن تحتاج موافقة الجهات السياسية في إسرائيل، وهو العُرف المتبع لأكثر من 25 عامًا مضى، لكن كل هذا سقط لحظة اختيار سموتريتش ومنحه هذا الضوء الأخضر.

الفصائل والمؤسسات الفلسطينية، على اختلاف أطيافها، وصفت القرار بأنه تصعيد خطير من الجانب الإسرائيلي، وأن إسرائيل بذلك تسعى بخطوات متسارعة لضم الضفة الغربية بالكامل، والرئاسة الفلسطينية، المعروفة بتنسيقها الأمني مع إسرائيل، وصفت توليّ سموتريتش هذه المهمة بالأمر المخيف.

إذًا، رد الفعل الفلسطيني مضاعف، غضب لأن إسرائيل تستمر في الاستيطان والاحتلال، وغضب أكبر لأن هذا الرجل تحديدًا هو من سيتولى مهمة إعطاء الضوء الأخضر لهذه المستوطنات، فالرجل طالب بالفصل بين العرب واليهود حتى في غرف الولادة في المستشفيات، وكان من أوائل الذين أعلنوا نيتهم باقتحام حي الشيح جراح، ويحرص على الظهور وخلفه خريطة إسرائيل الكاملة أو الكبرى، تضم فيها إسرائيل دولتي فلسطين والأردن.

لن تحتاج للعودة للخلف كثيرًا في أثناء البحث، في مارس/ آذار الماضي ملأ اسم سمويترتش الصحف العربية والدولية، في أثناء المشاركة في حفل تأبين عضو الليكود اليميني البارز، جاك كوبفر، قال سمويترتش إنه الفلسطيني الحقيقي، وإن الشعب الفلسطيني الحالي ليس إلا اختراعًا أو اختلاقًا، مؤكدًا أنه لم يكن هناك فلسطينيون، بل مجرد عرب هاجروا إلى أرض إسرائيل.

استطرد الرجل مضيفًا أن هؤلاء العرب حين تزامنت هجرتهم إلى إسرائيل مع عودة اليهود، بعد 2000 عام في المنفى، وجدوا أنهم لا يحبون اليهود، لهذا ادّعوا أنهم فلسطينيون، وأنهم شعب فلسطين الأصلي لأجل سرقة إسرائيل ومعاداة الحركة الصهيونية، وأكدّ أن هذه هي الحقيقة التاريخة، وهي التي سوف تنتصر في النهاية.

خطوات جديدة في خطة قديمة

حتى لو كان ما قاله سمويترتش ليس الحقيقة التاريخية، لكنها بالنسبة له الحقيقة التي ينطلق منها هو، يشغل الرجل منصب وزير المالية الإسرائيلي، كما أنه زعيم حزب الصهيوينة الدينية، وعضو مُقدّم في الكنيست الإسرائيلي، لكن حتى لو لم يشغل الرجل مناصب سياسية إلا امتلاكه الحالي لخريطة المستوطنات الإسرائيلية، فهذا وحده يخيف، لأنه صاحب خطة الحسم أو المحو، فالاسم يتبدل بين الصحف العربية والإسرائيلية.

منذ بضعة أسابيع أعلن 3 جنرالات بارزين في الجيش الإسرائيلي قلقهم من خطة سمويترتش، غادي آيزنكوت، رئيس أركان الجيش السابق، ويورام كوهين، رئيس جهاز الشاباك الأسبق، وعاموس جلعاد، رئيس سابق للدائرة الأمنية السياسية، الثلاثة قالوا أن الرجل يستغل أي منصب يشغله ليدفع الحكومة الإسرائيلية لتلك الخطة.

 خطة الحسم تهدف إلى محو الخط الأخضر بين إسرائيل والضفة الغربية، الجنرالات قالوا أن هدف الخطة ودافعها هو تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، لكنهم قالوا أن ذلك الدافع وهمي، فسمويترتش سوف يؤدي إلى تصفية الحلم الإسرائيلي ذاته بوجود دولة يهودية.

الخطة وضعها سمويترتش في سبتمبر/ أيلول عام 2017، كان وقتها عضوًا جديدًا نسبيًا في الكنيست الإسرائيلي، ونُظر إليها وقتها باعتبارها خيالًا محضًا، لكن الخيال يتحقق الآن، تحت إشراف مباشر من سمويترتش شخصيًا، فبجانب التفويض الأخير، وبجانب منصبه الوزاري الرفيع، فإنه أيضًا المسؤول عن مديرية الاستيطان في وزارة الدفاع، هذه المناصب تضع في قبضته وحدتين كاملتين، منسق أعمال الحكومة في المناطق المحتلة بالفعل، والإدارة المدنية عمومًا، وهما المسؤولان حصريًا عن تقرير كل ما يتعلق بمجال التخطيط والبناء.

سمويتريتش معروف بحديثه الشعبوي المتطرف، وقيادته لحزب الصهيونية الدينية، ما يعني أنه إذا حاول نتنياهو معارضته، أو تقليص صلاحياته، فإن الرجل سيفكك الحكومة بالكامل من دون أدنى تردد.

اليأس هو الحل

خطة الحسم بسيطة للغاية، لا وجود لحل الدولتين، الحل الذي يريده غالبية الإسرائيلين، ويحاول العالم إقناع الفلسطينين به، قيام دولتين متجاورتين. سموتريتش يقول إن هذا الحل ليس واقعيًا، وأن دور الحكومات اليمينة هو ألا يُطبق إطلاقًا، تنص الخطة على أنه لابد من إنشاء وعي جمعي يقول إن المنطقة الواقعة غربي نهر الأردن لها حق تقرير مصيرها، وهذا الحق هو لليهود فقط.

هذا الوعي يأتي من التسويق الإعلامي الواضح والمباشر لمقولة محددة كتبها الرجل في خطته، لن تُقام دولة فلسطينية أبدًا، إثبات عدم قيام دولة فلسطينية سيأتي عبر أفعال حددها الرجل، فرض سيادة إسرائيل في الضفة الغربية، وتوسيع الاستطيان من دون حد أقصى، هذه الطريقة هي طريقة الكيّ كما وصفها هو، فهي الطريقة التي ستكوي الوعي العربي وتخبرهم بشكل قاطع أنه لا احتمال لإقامة أي دولة عربية في إسرائيل.

بعد وصول العرب عمومًا، والفلسطينيين خصوصًا، لمرحلة اليأس من إقامة دولة مستقلة لهم، سواء بالتوازي مع إسرائيل، أو عبر قتال إسرائيل، يعرض سمويترتش خطوته الثانية، وهي وضع اختيار أمام الفلسطينيين، أن من يمتلك القدرة على التنازل عن أي تطلع قومي يمكنه البقاء والعيش كفرد ضمن دولة إسرائيل، وقد استخدم لفظ فرد لا مواطن، وهو ما أكد أنه متعمد، فوضع لاحقًا جملة اعتراضية تقول كأفراد تحت رعاية الدولة، لا كمواطنين في الدولة.

ومن سيرفض هذا الاختيار، أخبره الرجل باختيار ثانٍ. ستتكفل إسرائيل بكل ما يلزم من أموال وإجراءات كي تضمن له السفر والحياة الجيدة في أية دولة عربية يمكن للعرب أن يحققوا فيها تطلعاتهم القومية، على حد وصفه، وعودة للاختيار الأول، افترض الرجل أن هناك من قد يقبل لكن تظل بداخله التطلعات القومية والولاء العربي، لهذا قال إن من يختار البقاء عليه الخدمة في الجيش الإسرائيلي كي يحظى بحق الإقامة.

الهادئ يتفوق على ابن غفير

لم يكن سمويترتش يُقلق القيادة الإسرائيلية التي ترى حل الدولتين هو الأمثل، فقد كان دائمًا رجل الهامش، الذي لا يؤيده سوى 10% من الإسرائيلين، أما الغالبية فترى حل الدولتين هو الأساس، ولم يكن الرجل يُكثر التهويش الإعلامي أو الحشد الشعبي وراء خطته، كما يفعل وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، لهذا لم يكن يتوقع الكثيرون أن يفاجؤوا بواقعٍ يكون فيه سمويترتش على وشك تنفيذ خطته.

لكن لعل فراغ الحكومة الحالية، وانشغالها بصراعاتها الداخلية، وعدم تقديم سيناريو آخر، وخطة محتملة للتعامل مع الفلسطينيين، هو ما فتح الباب أمام هذه الخطة الشرسة، الخطة التي يقول مناصروها إنها لا تفعل شيئًا سوى إحياء المبادئ التي تأسست عليها إسرائيل من البداية، مع إضافة البعد الديني على المسألة، وهذا منطقي كونها تأتي من رئيس حزب الصهيونية الدينية.

لهذا يأتي سوميترتش متعجبًا من تعامل الإدارات الإسرائيلية مع الصراع الفلسطيني بطريقة إدارة الصراع والوصول لحلول، بدلًا من التعامل بمبدأ إنهاء الصراع تمامًا، لأنه يختلف مع القائلين إن اليأس إذا استوطن نفوس الفرد الفلسطيني فسيحوّله إلى أقصى درجات العنف والإرهاب كما يقول الرجل، ولكنه يرى أن الإرهاب يُولد من الأمل، أمل الفلسطيني في إضعاف إسرائيل، وإقامة دولة فلسطين الواحدة، وعلى الجميع أن يعرف أن سمويترش ورفاقه جاؤوا ليبقوا، وأن دولة إسرائيل ستقوم كاملة حتى ضفاف نهر الأردن.

ولا يبالي الرجل بالإدانات الدولية، فالعنف بالنسبة له وسيلة ضرورية وشرعية للغاية، لأن العنف هو الذي سيفرض الواقع، هذا الواقع الذي سيقتل بدوره أي بوادر للأمل في نفوس الشعب الفلسطيني، والجدير بالذكر أن الرجل ينكر أصلًا وجود ما يُدعى الشعب الفلسطيني، وهو إنكار يتماشى مع المبادئ التي ينطلق منها، لأنه لا يمكن لحركتين قوميتين متناقضتين، الصهيونية والفلسطينية، أن تعيشا معًا في وطن واحد، لهذا فإنكاره للوجود الفلسطيني أساسًا، هو أسلوب من أساليب القضاء على الأمل في إقامة دولة فلسطينية.

ثمن النجاح والفشل باهظ

انطلاقًا من أفكاره يرفض سمويترتش السعي الحثيث حاليًا لتغيير ديموغرافية القدس، لأن قيام حل الدولتين على اعتبار وجود ديموغرافية يهودية في القدس ستحافظ على يهودية المدينة، وهو أمر غير منطقي بالنسبة له، وغير عقلاني أيضًا، ويؤمن أنه يتحاشى بذلك الحل الأمثل وهو تهجير، أو بعبارات أقل حدة كالتي يستخدمها الرجل، التشجيع على الهجرة الاختيارية.

لكن ما لا يدركه سمويترتش أن الكيان الإسرائيلي يحاول منذ سنوات طويلة إغراء الفلسطينين ببيع بيوتهم، أو أراضيهم، هذا البيع في رواية أخرى هو تهجير برعاية إسرائيلية، وتشجيع دبلوماسي على الهجرة، لكنها حلول باءت بالفشل جميعًا، ربما لن يتورع الرجل عن استخدام العنف كما وضحنا، لكن مقدار العنف اللازم لإجبار كل هؤلاء على ترك أوطانهم سيكون مهولًا لدرجة أن إسرائيل الحريصة على الظهور بمظهر الديموقراطية الأليفة قد تتلقى صفعات دولية تأديبًا لها، كعقوبات اقتصادية أو إدانات شعبية.

كما أن المقاومة الفلسطينية تثبت يومًا بعد الآخر تطور أسلحتها، وقدرتها على المقاومة ماديًا ومعنويًا، الجانب المعنوي أيضًا مهم، يُغفله سمويتريتش، فما الذي سيدفع الشباب الإسرائيلي، أو الإسرائيلين عمومًا، للخروج من دائرة الأمان في تل أبيب، إلى حدود المستوطنات القريبة من نيران المقاومة، واحتمالية سقوط صواريخ المقاومة فيها أكثر.

لهذا فخطة الرجل قد تبدو قريبة من الفشل، لكن ما كان خيالًا لا يتوقعه الإسرائيليون أنفسهم، بات واقعًا نناقشه اليوم، ومع صلاحيات الرجل المتزايدة يومًا بعد آخر، فإنه على الأقل سيمضي في تنفيذ خطته، فسوف تُبنى المستوطنات ويُطلق يد الأجهزة الأمنية في العنف، ما يعني أنه حتى لو فشلت خطته في نهاية المطاف، فالوصول أصلًا للقناعة بفشلها سيُكلف الفلسطينيين الكثير من الأرواح والدماء، وسينقل الصراع لمرحلة شرسة سيدفع ثمنها الكل.