على مدى السنوات الماضية يظهر كل حين فيديو لشرطة السويد تقتحم منزلًا لأحد اللاجئين وتنتزع أطفاله من بين يديه. من أبرزها مقطع انتشر عام 2016 للاجئ سوري أخذت الشرطة أطفاله الثلاثة، وظل حسَّان السكري يناشد الرأي العام لإعادة أولاده إليه. قال حسان إن الشرطة السويدية حاولت اختطاف أولاده وزوجته من المدرسة لكن الأربعة نجحوا في الفرار من الشرطة، فتبعتهم الشرطة للمنزل. لكن لاحقًا كشفت الشرطة عن شكوى قدمها أحد أبناء الرجل لمدرسته من أن أباه يضربه وإخوته في البيت، لهذا قررت الشرطة فصل الأولاد وأمهم عن الأب.

عائلة السكري، وغيرها من العائلات اللاجئة، تخضع لنظام الاندماج. الاندماج في السويد يستمر لعامين متواصلين. يتعرف اللاجئ فيهما على اللغة السويدية وعادات وتقاليد البلد. وأحيانًا تكون تلك العادات شديدة البعد والتناقض مع عادات بلد اللاجئ الأصلي. لكن على اللاجئ أن يختار، إما القبول بتلك العادات أو التعرض للترحيل أو لسحب أطفاله منه.

بالطبع أنت تحب أطفالك، وتحاول تربيتهم بأفضل طريقة ممكنة، ولكن كونك في السويد فهناك قوانين تنظم علاقتك بطفلك. ما هو معتاد في بلدك الأم، الشرقي أو العربي، قد يكون مخالفًا للقوانين في السويد.
الرعاية الاجتماعية السويدية (السوسيال السويدي)

عادت قضية سحب الأطفال إلى الواجهة مرة أخرى عام 2022 حين تحدث طلال دياب، لاجئ سوري، عن نزع السوسيال أربعة من أبنائه. الأم قالت إن أحد الجيران شاهدها تبكي في مغسلة عمومية لصعوبة حياتهما في شمال السويد فأبلغ السلطات. السوسيال على الفور فصل الأطفال عن الأم والأب، معللًا ذلك بشكوى من الابنة الصغرى من أن أباها يضربها. لكن لاحقًا في التحقيقات لم يستطع السوسيال إثبات أي عنف ضد الأطفال.

قضية طلال تعود لعام 2018، وطوال 4 أعوام لم يستطع الرجل ولا زوجته رؤية أطفالهما. وما فجَّر الموضوع أن السوسيال علم بحمل زوجته، فانتظروا ولادتها وأخذوا منها الرضيع بعد عدة دقائق فقط من ولادته. ولم يتسنَّ لها فرصة رؤيته أو إرضاعه.

وانتشر مقطع فيديو للزوجين يحكيان فيه القصة ما أثار تعاطفًا واسعًا، استدعى السلطات السويدية أن ترد. لكن ردَّها كان مجملًا قائلًا إن الناس ربما رأوا جانبًا واحدًا من القصة، وإنَّه في حين لا يمكن التعليق على قضايا فردية، فإن الأساس هو عدم تعرض الطفل للأذى الجسدي أو النفسي.

كيف يعمل السوسيال؟

الإحصاءات الرسمية السويدية تقول إن الخدمات الاجتماعية السويدية (السوسيال) تسحب كل عام متوسط 20 ألف طفل سحبًا كليًّا أو جزئيًّا من عائلاتهم وتضعهم في بيوت عائلة أخرى، أو حتى في دور الرعاية التابعة للدولة. وإحصاءات عام 2020 تحديدًا تقول إن السوسيال تعامل مع 34 ألف طفل فيما يتعلق بإمكانية سحبهم أو سحبهم فعلًا من أسرهم.

قواعد السوسيال في سحب الأطفال عامة، ولا تُطبَّق فحسب على المهاجرين أو الأجانب، أو حتى على أصحاب الدخل المحدود فقط. لكن بالفعل تزداد احتمالية سحب الأطفال منك إذا كنت مهاجرًا أو عربيًّا تحديدًا، خصوصًا مع ما يترافق مع الهجرة أو اللجوء من محدودية الدخل، وبعض الطباع العربية أو الشرقية في التعامل مع الأبناء.

في السويد يمكن لأي جهة من جهات الدولة، أو حتى فرد مجهول، أن يتقدم ببلاغ للدولة بوجود قلق بشأن سلامة طفل ما. ويكتسب البلاغ مصداقيته من الجهة المبلغة، فإذا كان من المدرسة أو المستشفى فإن السوسيال يتصرف بسرعة وحسم. أما إذا كان من جار أو شخص مجهول، فإن السوسيال يتروى في التعامل مع القضية.

وفي حالة رأى مسئول السوسيال أن الطفل في حالة خطر داهم، أو أن هناك احتمالية لتعرض حياة الطفل للخطر، فإنه يتصرف فورًا بسحب الطفل. فمثلًا يأخذ الطفل من المدرسة أو المستشفى دون علم الأهل، وينتقل الطفل إلى منزل رعاية مؤقت. ويجب على السوسيال خلال أسبوع تقديم طلب إلى المحكمة بنزع وصاية الأهل عن الطفل، كي يظل مع السوسيال للأبد.

أما في حالة عدم وجود خطر حقيقي على حياة الطفل، أو وجود خطر لكنه لا يرقى لمسألة تهديد الطفل وأمنه، فإن السوسيال يُعيد الطفل لأهله بينما تستمر التحقيقات في فترة من أسبوع لأربعة أشهر. ويتوقف ذلك بنسبة كبيرة على انطباع موظفي السوسيال عند الاجتماع مع الأهل؛ لذا إذا ترجم الأهل خوفهم على فقد طفلهم إلى عصبية وانفعالات فإنهم غالبًا ما يخسرون الطفل.

تخبرنا الإحصاءات كذلك أن نسبة عودة الطفل لأهله بعد مدة 4 أشهر نسبة مرتفعة للغاية، ما لم يكن هناك دليل ملموس على تعرض الطفل للعنف، وأنه لا خطر على صحة الطفل البدنية والنفسية. تنخفض نسب عودة الطفل بعد مرور عام أو عامين، لكن بعد العامين تكاد تكون معدومة خصوصًا مع وجود قرار نهائي من المحكمة بنزع الطفل من ذويه. وكل 6 أشهر يُراجَع قرار المحكمة، وتقضي المحكمة باستمراره أو عودة الطفل. وتوفر الدولة محامٍ مجانًا للأهل لمواجهة السوسيال.

تجارة مربحة واستغلال جنسي

رغم عمومية قواعد السوسيال، لكن كونك مهاجرًا أو عربيًّا فعليك أن تكون أكثر حرصًا، لأنك متهم بشكل مسبق. وأي وشاية ضدك ستلقى انطباعًا مسبقًا لدى السوسيال، ولن يكون من الصعب عليهم تصديقها والتصرف بناءً عليها. حتى لو أنكر الطفل نفسه ما تقول التحريات إنه تعرض له، مثل حالة موسى الجعمو، 11 عامًا. موسى نشر استغاثة مصورة يطالب فيها بالعودة لأسرته، بعد أن حاول الفرار من أسرته الحاضنة لكن الشرطة أعادته إليها.

تلك الحالات تجعل التساؤل عما تستفيده الأسرة الحاضنة من تلك المعاناة، معاناة التعامل مع طفل عربي لا يتكلم السويدية وأتى من بيئة مختلفة ويرفض أسرته الجديدة بكل قوته. في السويد تدفع الخدمات الاجتماعية للأسرة الحاضنة إعانات على الطفل الواحد قد تصل في بعض الحالات إلى 7 آلاف دولار شهريًّا. ويزيد المبلغ إذا استطاعت الأسرة أن تثبت أن الطفل يعاني من أمراض نفسية تحتاج لعلاج.

لكن من داخل السويد نفسها، السياسي السويدي ونائب البرلمان السابق أوفيه سفيدين، تظهر انتقاضات لتلك السياسة والأموال المتعلقة بها. سفيدين في كتابه، تجارة الأطفال المربحة، اتهم السلطات مباشرة بالاتجار في الأطفال واستغلالهم جنسيًّا. وقال إن السوسيال يتعاون مع الأسر الحاضنة للحصول على أكبر مبلغ ممكن من الدولة للأسرة الحاضنة، ومن ثم يمكن لموظفي السوسيال الحصول على نسبة منه.

كما أكد أن تتبعه لطريقة عمل السوسيال يصيب الأطفال بأمراض نفسية أخطر من التي يظن السوسيال أنهم يصابون بها حال البقاء مع أسرهم. فاختطاف الأطفال في عربات شرطة، والتحقيق معهم بعيدًا عن أهلهم، وإلقاؤهم في بيت غريب، كل ذلك يؤدي لاضطرابات نفسية خطيرة. كما كشف أن هناك العديد من الحالات يحدث فيها استغلال جنسي للأطفال إما من موظفي السوسيال أنفسهم، أو من الأسر الحاضنة، دون تدخل حقيقي من الدولة لمنع ذلك.

يكشف سفيدين أيضًا أنه لاحقًا يُباع الأطفال للعمل في مزرعة بشكل غير مدفوع، أو يُباعون لمشتهي الأطفال ومدمني الجنس. وفي بعض الأحيان يُستخدَمون فئران تجارب للمنتجات التجميلية والدوائية. كما كشف الرجل أن العديد من دور الرعاية التي تتلقى دعمًا من الدولة على استضافتها المؤقتة أو الدائمة للأطفال هي دور خاصة تتبع العديد من رجال الأعمال الأثرياء. ويحافظ رجال الأعمال على تدفق الأطفال على الدور بالتعاون مع موظفي السوسيال.

يُجمل سيفيدين كلامه في النهاية قائلًا إن أهم الأسباب وراء حتمية استمرار تجارة الأطفال في السويد تحت اسم السوسيال أن الأطفال لا يمكنهم توجيه شكوى ضد البلديات أو السوسيال، وأن الشرطة تتكفل بعودة الطفل كلما حاول الفرار. وكذلك لأن الآباء يكونون في حالة صدمة لا تمكِّنهم من الشكوى، كما يخافون من مواجهة السلطات كونهم مهاجرين.

القانون يُطبق بالعكس

لكلام سيفيدين وجاهته، خصوصًا مع وجود تباطؤ متعمد من موظفي السوسيال في إعادة الأطفال لذويهم. فوفق القانون يجب أن يُسلم الطفل لأهله بعد فترة تأهيل للوالدين وصفها القانون، بأسرع فترة ممكنة. لكن في بعض القضايا حاليًّا تجاوز الأهل مدة 7 سنوات من البعد عن أطفالهم. خصوصًا الذين فصلتهم الدولة عن أهلهم وهم صغار، فلا يملك الأطفال أي ذكرى عن أهلهم ولا وسيلة اتصال. كما يحرم السوسيال الأهل من رؤية أطفالهم، وهو ما يعتبر خرقًا للقانون كذلك.

المفاجئ أن قوانين رعاية الطفل في مختلف دول أوروبا تؤثر بشكل غير مباشر على صحة الأطفال أيضًا. فالأهل، خصوصًا المهاجرين، يفضلون عدم اصطحاب أطفالهم للمستشفى إذا تعرضوا لحادث مثلًا، أو للطبيب النفسي إذا لاحظ الأهل وجود مشكلة لدى الطفل؛ لأنهم يدركون أنه سيُبلغ عنهم، وبالتالي يُنزَع الطفل منهم. كما حدث مع عائلة تركية في ألمانيا حين ذهبوا بطفلهم للمستشفى لأنه ابتلع قطعة ألعاب بلاستيكية، فنزعته منهم الخدمات الألمانية بحجة الإهمال.

ما يعني أن قوانين الرعاية السويدية قد أتت بنتائج عكس ما خُلقت له. توف كارلستون، مؤلفة كتاب السلطة على الأطفال – الخدمات الاجتماعية، قالت إن قانون الرعاية الحالي قد بدأ العمل به عام 1982. الصحفية السويدية قالت إن الغرض من القانون كان العمل بشكل طوعي، وألَّا تصبح التدخلات الشرطية أو اللجوء للمحاكم هي الأساس، بل تُتخذ تلك التدابير في الحالات القصوى فحسب.

وكان هدف القانون هو جعل الأهالي غير الراغبين في رعاية أطفالهم، والأطفال غير الراغبين في العيش مع آبائهم، أحرارًا في اختيار أسر أخرى. فلسفة القانون في رأيها كانت ألَّا تصبح رعاية الطفل أمرًا إجباريًّا، بالتالي يؤذيه الأهل دون ذنب. فسابقًا كانت الأسرة هي من تتقدم بطلب توضح فيه عدم استعدادها نفسيًّا وماديًّا لإعالة الطفل، ثم يُحقَّق في الطلب، فإذا رأت الخدمات الاجتماعية صدق الأسرة سحبت منهم الطفل لأسرة حاضنة جديدة.

لكن بالتحريف الحالي للقانون أصبحت الخدمات الاجتماعية كابوسًا للأطفال والعائلات على حد سواء.