في سقف غرفتك المظلمة، يكون لديك فرصة ذهبية لبناء أروع المسرحيات التي يعجز «شكسبير» عن اختلاق أمثالها. تعتبر تلك إحدى عادات الطفولة التي لا تنتهي مهما تقدم بك العمر. فلا يمكن لأي شخص حالم أن يهدر اللحظات التي تسبق نومه، دون أن يصنع قصته الخاصة، بأقصى نجاحات ممكنة، مرسومة على ذلك السقف المعتم الذي يبدو لا قيمة له.

يُحكى أنه في أسكتلندا، وداخل أحد الكهوف البعيدة والتي لا يُعرف مكانها حتى اللحظة، كان يرقد أحد الملوك الهاربين يُدعى «روبرت الأول»، محاولًا أن ينسج خيوط قصته الناجحة بعد سنوات طويلة من الفشل.

دخل ذلك الملك في حروب ضروس على استقلال دولته ومحاولة إخراجها من ظل بريطانيا ووريثتها الشرعية إنجلترا، لكنه فشل بعد أن دخل في 6 حروب ومعارك دون جدوى، حتى انتهى به الحال مُلقى على ظهره في كهفٍ مهجور يعاني ويلات الجوع والتعب، يحاول أن يتخيل في سقفه البالي قصة نجاحه التي بدا أنها لم ولن تكتب.

وأثناء عرضه الحالم، اقتحم خشبة المسرح في سقف الكهف، عنكبوت يعمل بجهد ونهم واضحين، صانعًا شبكته التي كان يسعى لأن تبدأ من أول الكهف عرضًا وحتى آخره. كانت الرياح في ذلك اليوم شديدة بالشكل الذي يدفع بذلك العنكبوت أرضًا في كل مرة كان يحاول أن يصل إلى نهاية واحدة سعيدة لقصة شبكته تلك.

6 مرات، كانت كافية لتجذب فضول روبرت للتجربة السابعة: «هل سينجح العنكبوت في السابعة؟» كان ينتظر ذلك كدلالة أو إشارة للدخول في محاولة جديدة، والنتيجة كانت ناجحة، نسج العنكبوت أول خيط طويل بعرض الكهف، إذن؟ هناك فرصة لمعركة جديدة قد تكلل بالنجاح هذه المرة.. وقد كان.


المعركة الفاشلة الأولى ضد سيلتك

تولى روبرت حكم أسكتلندا ذاتيًا في عام 1306 ميلاديًا. تناقلت قصته الأفواه والأذهان حتى وصلت إلى أذن الطفل الصغير «أندرو روبرتسون» عن طريق والدته. كان ذلك في إحدى الليالي الباردة حينما كان طفلًا يحاول أن يتشبث بفصول تلك القصة هاربًا من النوم كالعادة. انتهت أمه من القصة سريعًا مؤكدة في النهاية، أن لا ختام للحلم أبدًا. مهما كان الفشل قاتلًا، فعليك أن تعيد روحك للحياة من جديد، وتنجح.

أغلقت والدته باب الغرفة وتركته، وأخاه الصغير، ينسجان خيوط الأحلام في سقف الغرفة أيضًا، رأس نفسه وهو بطل صغير في بلاده، اعتقد أن الأيام ستمر سريعًا قبل أن يصبح هو النجم الأفضل في فريق طفولته سيلتك.

وُلد ذلك الطفل الأشقر في عام 1994، تحديدًا الـ11 من مارس لنفس العام، في «جلاسكو» أكبر مدن أسكتلندا في المساحة. عاش وأسرته في مستوى فقير إلى حد بعيد، كان يهتم لدراسته والقليل من لعب كرة القدم داخل فرق المدارس التي لا طائل منها. ثم انضم إلى مركز «جيفنوك» لكرة القدم التي كانت خطوته الأخيرة قبل أن ينضم إلى حلم طفولته: أكاديمية سيلتك للشباب.

آمن والداه بحبه للعبة، وظنّا فيه كأسطورة صغيرة في طور الإنشاء، كما اعتقد هو. لكن، وبشكل طبيعي،كان ضمن نسبة 95% التي يتم الاستغناء عنهم وطردهم من الباب الصغير لأسباب مختلفة. يعتقد ذلك الصغير الذي يبلغ حينها 15 عامًا، أنه كان يستحق هو وكل زملائه نظرة أخرى غير تلك التي حصلوا عليها.


سقف الكهف المُعتم

جاء رفض روبرتسون بسبب ضعف بنيته الجسدية. المدرب الجديد للأكاديمية كان يُدعى «كريس ماكارت»، كان قادمًا لتوه من أكاديمية «ماذرويل» التي تملك أطفالاً بأجساد شباب بالغين، لم يكن يتناسب ذلك مع بنية أندرو، ولا حتى تناسبت بنيته مع أصدقائه في فريق ذوي الـ15 عامًا لنادي سيلتك، فما كان أن بلغته إدارة النادي بضرورة ترك الفريق بعد مباراة كارثية أمام «سترلنغ ألبيون».

أتذكر وقتها ذهابي لوالدي ووالدتي لإبلاغهم. كان أمرًا صعبًا، لأنهم بذلوا جهدًا كبيرًا من أجلي في السفر من وإلى «أبردين» و«انفيرنيس» وأماكن أخرى، من أجل مشاهدتي بعد عملهم طوال الأسبوع. لقد كانت فترة صعبة، عندما يعلم الجميع أنك تلعب في سيلتك، ثم تخبرهم بأنهم أعلنوا الاستغناء عنك، لم يكن سهلًا.
أندرو روبرتسون عن خروجه من أكاديمية سيلتك مطرودًا

بالنظر إلى بنية الأسكتلندي الآن فهي لم تتحسن كثيرًا. ما زال قصيرًا وهزيل البنيان مقارنة، بالرغم من تأكيده أنه تطور مرات قبل الوصول إلى هذا الجسد الذي ما يزال ضعيفًا، فعليك إذن أن تتوقع كيف كان وضعه في السابق.

عاش بعد تلك المباراة أوقاتًا طويلة صعبة، كان ينظر فيها كل يوم إلى سقف غرفته بيأس لا ينازعه يأس، حتى اقتحم عرضه، البائس هذه المرة، فرصة ذهبية -أخيرة- من والديه، وهو أن يسمحا له باللعب في أكاديمية «هاميلتون»، ليجرب حظه للمرة الأخيرة مع هذه اللعبة، لكن في حال فشله وطرده من جديد، كان عليه، بموجب الاتفاق العائلي، أن يبحث عن عالم آخر غير الكرة.

لحسن الحظ، كان روبرتسون محاطًا ببعض الأشخاص الذين يعرفون مدى قسوة الرياضة في بعض الأوقات، وكيفية التعامل معها. على رأسهم كان «ستيفن فرايل»، ابن عم والده الذي يملك مسيرة كروية استغرقت 17 عامًا، ذلك بجانب وجود بعض لاعبي كرة القدم المشهورين في أسكتلندا مثل «تشارلي نيكولاس» و«جيم دافي»، كأصدقاء للعائلة، حيث ساهم وجود هؤلاء الأشخاص في مساعدته.

وبهذا العرض الذي لا يُرفض، انتهت فترة طويلة من التحديق في سقف الكهف المعتم دون أمل في المستقبل، لقد ظهر العنكبوت هنا بالفعل.


الغزو الأول لإنجلترا

لم تطل تجربة «أندي» مع هاميلتون، ا نتقل سريعًا لينضم لفريق «كوينز بارك» الأسكتلندي للشباب، والذي يقبع في الدرجة الثالثة من الدوري المحلي هناك، ما يعني أن اللعب لهم سيكون دون مقابل. في تلك الفترة، كان عليه أن يعمل في تلقي المكالمات الهاتفية لحجز مباريات كرة القدم والحفلات الغنائية، بدوامٍ كامل من الـ9 صباحًا وحتى الـ5 بعد عصر كل يوم، كل ذلك من أجل تدبير احتياجاته المادية.

كان التدريب يبدأ في السادسة من كل يوم، ولمدة يومين فقط أسبوعيًا مع مباراة واحدة كل سبت. لم يضعه ذلك الحال غير المرضي في حالة من الجزع أو عدم الطموح، بل كان يسعى دائمًا لإثبات نفسه ليصعد للفريق الأول. وبعد أن انتهى موسم 2011/2012، خرج في أجازة صيفية بمدينة «ماليا» وهناك تلقى مكالمة من المدير الفني للفريق الأول الذي طلب منه الانضمام فورًا إلى معسكر التحضير للموسم الجديد.

كانت تلك المكالمة هي اللحظة التي نجح فيها العنكبوت الأسكتلندي في نسج أول خيط بعرض الكهف بعد عدة محاولات فاشلة. الآن عليه أن يخرج للعالم الخارجي من أجل تجربة جديدة ربما تُكلل بالنجاح.

موسم واحد كان فاصلًا قبل انتقاله إلى «داندي يونايتد» الذي كان محطته الأخيرة قبل أن يقرر، كما قرر الملك «روبرت»، أن يقتحم الأجواء الإنجليزية، بعقدٍ لثلاث سنوات مع فريق هال سيتي. لقد نجح «ستيف بروس» في إقناعه بالانضمام إليهم.


أفضل صفقات ليفربول

في عالم اليوتيوب، يظن بعض المتابعين أن لديهم قدرات واسعة لاكتشاف المواهب. يعتقد العديد أن بضع دقائق مع بعض الإحصائيات قد تكون كافية للحكم على أي لاعب مهما طالت. يتلقى هؤلاء أنباء مثل متابعة لاعب لسنوات قبل اتخاذ قرار بضمه ببالغ الأسى، هم لا يقتنعون أن القناعة باللاعب تحتاج لكل ذلك الوقت. هذا ما حدث تحديدًا وقت الإعلان عن صفقة أندرو روبرتسون من هال سيتي إلى ليفربول.

الأشهُر التي لعبها الأسكتلندي ضمن فريق ستيف بروس لم تكن بالنجاح الكافي، خاصة الموسم الأخير له والذي هبط فيه الفريق إلى درجة أدنى من البطولة الإنجليزية المحلية، لذا تحدث الأكثرية عن أن «كلوب» يُهدر أمواله في جلب لاعب لن يكون الحل الأمثل لتلك الجبهة، خاصة أنه يملك «مورينو» الذي كان قد بدأ في التحسن بعض الشيء. في حين نظر البعض الآخر للصفقة من قيمتها المادية فقط، 8 ملايين رقم لا يُحزن عليه حتى لو فشل صاحبه. لكن بعيدًا عن كل ذلك بحث «يورجن» عما هو أبعد من ذلك.

في الليلة السابقة للاختبار الطبي بملعب «أنفيلد»، كان سقف الغرفة مليئًا بالأضواء الحالمة، كله عناكب تنسج خيوطًا كاملة وقصص تعرف النجاح حتى لو في فصولها الأخيرة، لكن ذلك لم يدعه ينسى أيًا من فصول الفشل التي دخل فيها أثناء رحلته.

يحكي الأسكتلندي أن جلسته رفقة المدرب الألماني كانت مليئة بالأحاديث الشخصية، حكى له الأخير عن كل شيء في حياته وانتظر منه نفس الشيء، مؤكدًا أن أكثر ما نال إعجابه هو قصته الملهمة، أكثر حتى من أدائه الفني أو أرقامه كلاعب. يبحث كلوب دائمًا عن أشخاص جيدين كما يبحث عن لاعبين بجودة ممتازة. يندرج كل ذلك تحت بند بناء فريق بشخصية قوية.

الآن يُعدد الجميع أرقام اللاعب الهجومية والدفاعية، يوضع ضمن أفضل 5 لاعبين في مركزه ويتفوق عند عدد ليس بالقليل، لكن الجماهير الحقيقية تميل له من أجل شخصيته القيادية وفدائيته التي تُعطي للفريق كل شيء، الآن يصنفه الكثير مع الصفوة، بل يدخل مقارنة مع نجم الفريق الأول «محمد صلاح» عند الأطفال العاشقين للنادي، ويفوز في كثير من الأحيان.

وبالرغم من أن الجميع يظن أنه قد حصل أخيرًا على حقه الكامل في المدح من قبل الجماهير، عليك أن تتخيل إن كان ذلك اللاعب يحمل الجنسية الإنجليزية بدلًا من الأسكتلندية، لا شك في أن النتائج كانت لتتغير.

أتعرض للمضايقة دائمًا من ميلنر، أحاول ألا أعارضه، ولكنني فخور بكوني أسكتلنديًا وأن ألعب مع منتخب بلادي، ولكنه دائًما يذكرني بأن ابني يحمل الجنسية الإنجليزية.
أندرو روبرتسون عن صراع جنسيته في بلاد الإنجليز