يريد الإنسان أن يحقق كل ما يريد، بأقل مجهودٍ ممكن، وبأسرع مما يتيح الإمكان .. وكان الإنسانُ عجولًا !

وفي عصرنا الذي استعْبَدت فيه الصورُ، ومواقعُ التواصل والتنافس والتبارز الاجتماعي، الوعيَ واللاوعي، أصبح الظهور بشكلٍ مبهر يلفت الأنظار، طموحًا للملايين، لا سيّما وأنه لا يجلب فقط الآلافَ من المتابعين، إنما أصبح يجلب معهم الكثير من المال والتأثير، وقبل هذا وذاك، استعادة ثقة مهزوزة بالنفس في غالب الأحيان.

لذلك، فلا عجب أن تتفاقم ظاهرة استخدام المنشطات الرياضية الستيرويدية التي تحفز النمو العضلي، وتجعل العضلات أكثر بروزًا وضخامة، رغم آلاف التحذيرات التي لا يملُّ الأطباء من إطلاقها عن خطورتها على الصحة، لا سيّما ما يُوصَفُ منها من قِبل أشخاصٍ غيرِ مؤهلين، لا يمتُّون للطب ولا للعلم – ولا للضمير – بصلة.

في السطور التالية، سنلخصُ أبرزَ ما يقوله الطب في تلك المنشطات، وانعكاساتها الصحية المؤكّدة بالدليل. 

المنشطات الستيرويدية

المنشطات السترويدية بالأساس هي بدائل مُصنَّعة لهرمون الذكورة «التستوستيرون» والذي يُفرّزْ طبيعيًا بوفرة لدى الرجال، حيث يساهم في ظهور الصفات الذكورية كنمو شعر الجسم، ونضج الأعضاء التناسلية الذكرية، ونمو العظام وصلابتها، كما يقوم بدورٍ بارز في بناء العضلات ونموها، حجمًا وقوةً، ومن هنا جاءت فكرة المنشطات الستيرويدية، لتسريع بناء العضلات لاسيَّما لدى ممارسي رياضة كمال الأجسام ورفع الأثقال، والوصول إلى أحجام عضلية كبيرة يصعب الوصول إليها بالطرق الطبيعية.

كذلك يلجأ البعض أحيانًا لتعاطي جرعات من هرمون النمو، والذي تفرزه طبيعيًا الغدة النخامية بالمخ، لا سيَّما لدى الأطفال، ليقوم بدوره الجوهريّ في نمو أجسامهم.

اقرأ: الكورتيزون .. المفيد جدًَا، الضار جدًّا.

ما أهم الآثار الجسمانية السلبية التي تحدث لمتعاطي المنشطات السترويدية؟

أخطر تلك الآثار، هي زيادة فرص حدوث النوبات القلبية، والوفاة المفاجئة، لا سيَّما إذا صاحبَها عوامل أخرى للخطر مثل التدخين، والذي يشيع لدى الكثير من الشباب. تسبب تلك المنشطات زيادة كبيرة في نمو وتضخم أنسجة عضلة القلب، بشكلٍ غير متناسب مع التغذية الدموية لها، مما يجعل بعض أجزاء القلب – لا سيَّما أثناء المجهود البدني الشديد – لا تحصل على كفايتها من الأكسجين والغذاء، فيحدث اضطرابات كهربية خطيرة قد تتسبب في توقف عضلة القلب.

كما وُجِدَ أن تلك المواد بجرعات كبيرة تسرِّع من عملية تصلب الشرايين، حتى لدى الشباب الصغير سنًّا. هذا التصلُّب، هو تراكم الدهون في جدران الشرايين، والذي يرفع كثيرًا فرص الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وبجلطات شرايين القلب والمخ. أي بعبارة أخرى، قد تتسبَّب تلك المنشطات في حدوث شيخوخة مبكرة للشرايين، وحدوث مضاعفات كان المعتاد ألا تحصل إلا في أرذل العمر. كما أنها تزيد من فرص تجلط الدم، نتيجة تنشيط نخاع العظام لإنتاج المزيد من كرات الدم الحمراء والصفائح الدموية.

اقرأ: كيف تنقذ حياة مريض بجلطة القلب؟.

واقرأ: مرض العصر .. قلوب شابة في مرمى الموت.

كذلك قد تسبب تلك المنشطات تضرر الكلى، والكبد. وقد سُجلت بعض حالات تكون تجمعات دموية غير طبيعية في الكبد، قد تنفجر في أي لحظة، مسببة نزيفًا داخليًا.

كما أنها – على غير المتوقع – تؤثر سلبًا على الصحة الجنسية للرجال، فالحصول على الهرمونات الذكرية أو ما يشبهها من خارج الجسم، يجعل مصانعها في الجسم تقلل الإنتاج وتبدأ في الضمور، فيقل حجم الخصيتيْن ووظيفتهما، فيقل عدد وكفاءة الحيوانات المنوية، ويتأثر كذلك الانتصاب، كما قد يزداد تراكم الدهون في الثدييْن. كذلك تتسبب تلك المنشطات في الإصابة بالصلع المبكر.

وبالنسبة لصحة الجلد، فإن تلك المنشطات قد تفاقم من ظاهرة حب الشباب التي تؤرق الكثير من المراهقين، وتجعل السيطرة عليها بالعلاج أكثر صعوبة.

وفي حالة تعاطي الصبيان لتلك المنتجات، فإنها تؤثر سلبًا على عملية النمو. إذ من المعروف أن النمو الجسماني يتباطأ بعد البلوغ ثم يتوقف في حدود 18 عامًا من العمر، والمسؤول عن هذا هو زيادة إنتاج الهرمون الذكري، فإذا حصل عليه الجسم من الخارج بكمية كبيرة، فإنه سيتسبب في إيقاف النمو.

هل استخدام هرمون النمو خيارُ أفضل؟

للأسف لأ، فله انعكاساتُ سلبية عديدة على صحة الإنسان، مثل اختلال سكر الدم، والذي قد يؤدي للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وكذلك ارتفاع ضغط الدم، وتضخم عضلة القلب، وأيضًا يتسبَّب في آلام العضلات والعظام، كما قد يؤدي إلى تضخم الثدي في الرجال.

هل بالفعل تؤثر المنشطات الستيرويدية على سلامة العقل؟

نعم، هناك العديد من الآثار الجانبية السيئة للإسراف في استخدام تلك المنشِّطات على الصحة العقلية والنفسية، منها على سبيل المثال لا الحصر، النزوع إلى العدوانية والشجار، والانفعال العصبي، وكذلك زيادة فرصِ الإصابة ببعض أنواع العصاب النفسي مثل البارانويا، واضطرابات القلق، كما قد تتطور الأمور سلبًا للإصابة بالهوس النفسي.

والسيدات؟

من المعلوم أن هرمون الذكورة يُفرَز طبيعيًّا بكميات محدودة لدى السيدات، حيث يساهم في الحفاظ على صحة العظام، وكذلك يلعب دورًا مهمًا في الرغبة الجنسية لدى السيدات. 

تلجأ بعض الرياضيات، لا سيَّما في الرياضات القوية والتنافسية، إلى تعاطي المنشطات الستيرويدية، مما قد يسبب العديد من المشكلات الصحية الظاهرة، والباطنة، منها على سبيل المثال، خشونة الصوت، وترجُّل ملامح الوجه، وتكثيف نمو شعر الجسم غير المرغوب فيه، واختلالات في الدورة الشهرية، وانكماش في الثديين … الخ.

هل كل من يتعاطى المنشطات الستيرويدية يُصاب بالمضاعفات المذكورة؟

من نافلة القول التأكيد على أن فرص حدوث كافة المضاعفات التي ذكرناها سابقًا، تزداد بزيادة كمية التعاطي، وكذلك طول المدة. وليس بالضرورة أن كل من سيتعاطاها سيُصاب بكافة تلك المضاعفات. لكن لماذا يُسرف الكثيرون في استخدامها؟

المنشطات الستيرويدية في ذاتها ليست من مسببات الإدمان بشكلٍ مباشر، فهي لا تُعّدُّ من المخدرات ومواد التعاطي، لكن لا يستطيع الكثير من مستخدميها مقاومة الإحساس الكبير بالقوة، والطاقة العضلية، التي تمنحهم إياها تلك المنشطات، فلا يستطيعون التوقف عن تعاطيها، أو حتى محاولة التقليل منها.

وللإسراف في التعاطي أشكالٌ عديدة، أخطرها هو تعاطي كمية كبيرة في نفس الوقت ومن أنواعٍ مختلفة رغبةً في الحصول على نتائج سريعة، وهناك شكل آخر شائع، وهو زيادة الجرعة تدريجيًا، ثم التوقف المفاجئ عندما يقل التأثير، ثم العودة مرة أخرى، وهكذا.

في المقابل، فإن تعاطيها بكمياتٍ محدودة، ولفترةٍ زمنية قصيرة، وبعد الرجوع لطبيبٍ مُختَصّ، يقلل كثيرًا من فرص حدوث مضاعفاتها، لا سيَّما المضاعفات طويلة الأمد. ويجب كذلك الإشارة إلى أن هناك اختلافاتٍ وراثية من شخصٍ لآخر تجعل التأثيرات الإيجابية والسلبية على حدٍ سواء، تتباين لنفس الجرعة، ونفس مدة الاستخدام، ولذا، فلا ينبغي تعاطيها بناء على نصيحة صديقٍ مُجرِّب، فأنت لا تعلم أتكون أحسن أو أسوأ حظًّا معها.

هل هناك بدائل صحية؟

بالفعل، يمكن ببذل المزيد من الجهد في التدريب، وبالالتزام بأنظمةٍ غذائية صحية ومتوازنة، غنية بالبروتينات الطبيعية، مع الاستعانة بكميات محسوبة من بعض المغذيات غير الستيرويدية الآمنة نسبيَا كالكرياتين، تحقيق نتائج مذهلة، وأكثر ديمومة، وطبيعية، وبغير دفع أثمانٍ باهظة من صحتنا ومستقبلنا.

والنظام الغذائي المحفز لنمو العضلات، يحتوي على مقاديرَ متوازنة من البروتينات والنشويات والدهون على حدٍّ سواء، تلك المقادير تحاول تحقيق المعادلة الصعبة بين زيادة الكتلة العضلية، وتجنب الزيادة غير المرغوب فيها في الوزن الكلي لا سيَّما من الدهون. مع التركيز على أنواع معينة من الطعام تفيد ها هنا، كالأسماك والبيض والزبادي والبقوليات، والتي تعطي الكثير من المغذيات المفيدة وعلى رأسها البروتين، بأضرارٍ أقل على صعيد زيادة الوزن.

وحبذا أن يكون التدريب الرياضي احترافيًا، تحت إشراف مدربٍ يمارس عمله عن علمٍ، ولا يدفع المتدربين للحصول على نتائج سريعة بأي شكل، ويوزع التدريب بشكلٍ جيد على المجموعات العضلية المختلفة في الجسم، فتنمو جميعَها بتناسق، ودون إجهاد وإصابات.

وقبلَ كل ما سبق، من الضروري حدوث تغير جوهريّ في طريقة التفكير، والنظرة لأنفسنا، لبناء  ثقة المرء بنفسه، فلا يصبح مدفوعًا لتعاطي المنشطات الضارة بجرعاتٍ كبيرة، تمثل خطرًا على حياته، من أجل تحقيق مكسب شكلي أو حتى موضوعي قصير الأجل.